جدل وصدام بين علماء الدين وبرلمانيين حول تجريم «الزواج العرفي»

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

جاء تقرير التعبئة والإحصاء حول إقدام نحو 124.871 فتاة لم يسبق لهن الزواج على توثيق "زواج عرفي" والتصديق عليه، ليكشف عن كارثة جديدة تواجه المجتمع في ظل غياب تشريع يحدد عقوبة من ينكر ذلك الزواج غير الموثق، وما ترتب عليه من حقوق للمرأة أو للأطفال الناتجين عنه، وهو الأمر الذي دفع عددا من أعضاء مجلس النواب إلى البحث عن مشروع قانون من شأنه تجريم هذا الزواج بوصفه محاولة لاقتناص الفتيات وسلبهن حقوقهن وواجباتهن وإخضاعهن تحت مسمى هذا الزواج، وذلك من خلال وضع عقوبة للشاب باعتباره المسئول الأول عن تلك الجريمة والأطفال الناتجين عن ذلك الزواج، إلى جانب محاولة الارتقاء بثقافة الأسرة وإرشادها بضرورة التخلي عن بعض مما تشترطه من عقبات تتسبب في وقوع مثل هذا الزواج دون معرفتها.

عقوبة مستحقة

وقالت الدكتورة آمنة نصير، عضوة مجلس النواب، صاحبة المقترح، إن مشروع القانون المزمع تقديمه للبرلمان هدفه الرئيسي ضبط عملية الاستسهال والهروب من المسؤولية بطرق ملتوية يقتنص من خلالها الشاب، فتاة دون منحها حقوقها أو معرفة واجباته، ودون إعلام أهلها بما هو كائن لتلك الفتاة حال حدوث أزمة تستدعي الابتعاد عنها، مشيرة إلى أن المشروع سيبحث عن عقوبة للشاب باعتباره المسؤول الأول ومن يستحق العقاب على فعلته التي هدف بها إلى التحايل على الجميع والخروج من القيود والالتزامات والواجبات التي فرضها عليه الشرع والعرف ودولة القانون.

وتابعت "نصير" في تصريحات خاصة لـ«التحرير»، المشروع يحث أيضا الأسرة المصرية بأن تقبل وترتضي الشاب الذي يجدونه مناسبا للزواج بابنتهم دون مغالاة أو تعنت يجعل ذاك الشاب وتلك الفتاة يبحثان عن ارتكاب مثل هذه الأمور استغلالا لتوافر بعض الأركان الشرعية بها إلا أنها تعد في الوقت نفسه جريمة في حق المجتمع والمرأة؛ التي تسقط كل حقوقها جراء هذا الزواج غير المعترف به من الناحية القانونية والمجتمعية، مشددة على أنه لا يوجد حتى الآن عقوبة محددة للشاب سيتضمنها مشروع القانون بقدر ما يبحث عن ضابط للحقوق والواجبات، نافية ما أشيع عن عقوبة الحبس لمدة عام حتى الوقت الراهن، ومشددة "لكل حادث حديث".

وأكدت عضوة مجلس النواب، ومقدم المشروع، أن الهدف الرئيسي منه هو الارتقاء بثقافة الأسرة المصرية، وأن تقبل من ترضى خلقه لابنتها زوجا بعيدا عن ثقافة الغلو والجشع والتعنت التي تسببت لمثل هذا النوع من الزواج أن ينتشر، ويتمكن الشاب من اقتناص ابنتهم دون حقوق أو واجبات تعطى أو حفاظا على مستقبل أبناء قد يولدون فيما بعد.

تجريم الزواج العرفي معيب

قال الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن توثيق الزواج مطلب يحقق المصلحة ولا يخالف الشرع، إنما المشروع الذي تقدمت به الدكتورة آمنة نصير، عضوة مجلس النواب، لتجريم الزواج العرفي معيب في جوانب متعددة.

وأضاف عضو البحوث الإسلامية، أن الزواج العرفي يتوافر فيه الإيجاب والتراضي، وأن مشروع القانون يعاقب المتزوج عرفيا بالحبس لمدة عام، ويعتبر المرأة ضحية، متسائلًا: هل الرجل أكرهها على الزواج حتى يتم معاقبته؟ إذا كان الزواج يتوافر به شروط الإيجاب والتراضي فلا يعاقب على ذلك القانون.

وعلق الشيخ أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، على إعداد أحد النواب مقترح قانون توثيق الزواج العرفي دون الإخلال بالسرية، مؤكدًا أنه كان من الواجب استطلاع هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ودار الإفتاء لأنهما الجهتان المنوط بهما الشئون الدينية، قائلا: "تقديم مشروعات تمس هذه المسألة بعيدًا عن الأزهر أمر مثير للغرابة والدهشة، كما أن أنواع الزواج العرفي نحو 15 نوعا، وهنا وجب التساؤل هل يقصد المقترح الزواج العرفي الذي استوفى شروطه وأركانه أم أنواعًا أخرى ولهذا وجب التوضيح لإزالة اللغط".

زواج محرم ويجوز تجريمه

أكد الشيخ هشام الصوفي، الواعظ بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، أن الزواج العرفي يطلق على عقد الزواج الذي لم يوثق بوثيقة رسمية، وهو على نوعين إما أن يكون مستوفيا الأركان والشروط وهو عقد صحيح يحل به التمتع وتقر به الحقوق والذرية، وهذا كان النظام السائد قبل إلزام التوثيق، والثاني كأن يكتفي الطرفان في الزواج على نفسهما دون علم الأهل ووجود شهود أو كتحديد الزواج بمدة وهو زواج المتعة، وهذان النوعان باطلان باتفاق أهل السنة.

وتابع الصوفي: رغم صحة النوع الأول شرعا فإن له أضرارا وتترتب عليه محرمات كمخالفة ولي الأمر، والحصول على المعاش للنساء على اعتبار أنها ليست متزوجة في الوثائق الرسمية، وهنا تحصل على ما ليس حقا لها؛ لأن نفقتها واجبة على زوجها، إضافة إلى أن عدم التوثيق يحرم من الإرث وتضيع حقوقها إذا طلقت، مضيفًا "لأجل ذلك كان الزواج العرفي الذي لم يوثق ممنوعا شرعا مع صحة العقد، فقد يكون الشيء صحيحا ومع ذلك يكون محرما كالذي يصلي في ثوب مسروق تسقط عنه الفريضة ويأثم لسرقة الثوب.

وشدد: إذا كان هناك فارق بين عقد الزواج الشرعي الذي هو إيجاب وقبول وشهود وولي، والوثيقة الرسمية التي هي زيادة على حقيقة العقد وماهيته ارتأى الحاكم اللجوء إليها حفظا للحقوق وخوفا من تناكر العقد، وللحاكم تقييد المباح واستحداث السياسات التي تحمي الناس وتحفظ حقوقهم.

وأشار إلى أن الزواج العرفي محرم ويجرم بالطريقة التي يراها الحاكم أو من يقوم مقامه، لكنه إن استوفى جميع أركانه وشروطه المعلومة شرعا يصبح عقدا معتبرا شرعا مع جرمه وحرمته، ونصحنا بالابتعاد عنه لما فيه من تضييع للحقوق.

عقوبة مرفوضة

في حين قال إسلام عامر نقيب المأذونين، إن تجريم الزواج العرفي على إطلاقه لا يصح، خاصة أنه زواج شرعي استوفى الشروط لكن ينقصه التوثيق، مشيرا إلى أنه يتعين على المشرع أن يبحث عن تجريم لزواج ما دون الـ18 كونه مخالفة صريحة للقانون فقط وليس تجريم سائر الزواج.

وأضاف عامر لـ«التحرير»، الزواج العرفي الشرعي لا يمكن تجريمه لا من خلال القانون أو البرلمان، أما زواج من هم دون السن القانونية فنحن معه بكل أركانه سواء الزوج، القائم عليه، والشهود، كونه مخالفا لقانون السن للذكر والأنثى.

وشدد: الفارق بين الزواج الرسمي والعرفي التوثيق فقط، وبالتالي فليس من العدل أن يعاقب شاب أو يجرم بمفرده وهناك من وافقه على هذا الزواج، مطالبا بسرعة اتخاذ إجراءات مناسبة من شأنها العمل على وقف زواج القصر أولا دون التطرق إلى مسائل من شأنها إشغال الرأي العام بقضايا فرعية.

إلغاؤه أو تقنينه

في السياق ذاته، قال وليد عبد المقصود، مؤسس حملة معًا لإنقاذ الأسرة المصرية، إن هناك ضرورة ماسة إلى إلغاء هذا النوع من الزواج، وعدم الاعتراف به قانونا خاصة أنه يجلب عددا كبيرا من المشكلات التي يعاني منها المجتمع، موضحا أن الزواج يقوم على حقوق وواجبات لكلا الطرفين، يجب أن تحفظ ببقائه أو بانتهائه حال الانفصال.

وطالب عبد المقصود من يبحثون عن تشريع لمعاقبة المقبلين على الزواج العرفي أن يتساوى الطرفان دون التحيز لطرف على حساب الآخر، خاصة أنهما شركاء في الجريمة ذاتها، ولا يحق أن يعاقب فرد دون آخر، موجها إلى ضرورة استثناء القصر من عقوبة الحبس سواء الشاب أو الفتاة.

وشدد "هناك ضرورة لإلغاء هذا الزواج أو تقنينه من خلال الاعتراف به وبآثاره القانونية التي تترتب على عقد الزواج الرسمي، حيث تتمكن المرأة من حقوقها الشرعية بمجرد إثبات العلاقة الزوجية التي تمت بموجب تملكه لم يتم الطعن عليه".

شارك الخبر على