رغم الرفض الشعبي.. السبسي يتجه لتقنين «المساواة في الميراث»
حوالي ٧ سنوات فى التحرير
لم يلتفت الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى للجدل والاحتجاجات المعارضة للمساواة فى الميراث التى تشهدها البلاد، حيث اقترح اليوم الاثنين، تحويل المساواة فى الإرث بين الرجل والمرأة إلى قانون فى البلاد.
جاء قرار الرئيس التونسى رغم الجدل الذى سببه تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة الذى أثار انقساما واسعا فى المجتمع التونسى بين المحافظين والليبراليين، والذى اقترح المساواة فى الميراث، وإلغاء عقوبة الإعدام، وعدم تجريم المثلية الجنسية.
واتجهت الأنظار اليوم إلى قصر قرطاج مترقبة كلمة الرئيس حول تقرير لجنة الحريات والحقوق وذلك بمناسبة عيد المرأة، فاليوم تحتفل المرأة التونسية بعيدها الوطنى، الذى يتزامن مع مرور 62 سنة على صدور مجلة الأحوال الشخصية فى مثل هذا اليوم من سنة 1956.
تقنين المساواة
وخلال كلمته بهذه المناسبة، أعلن السبسى أن تقرير لجنة الحريات والحقوق ليس قانونا، بل هو سيكون بمثابة المرجع يتمّ اللجوء إليه عند الحاجة، مبيّنا أن عددا من الحركات السياسية والأحزاب طلبت مزيدا التعمق فى تقرير اللجنة.
وقال السبسى فى خطابه: "إن رئيس الدولة مكلّف باحترام الدستور"، مؤكّدا أن الدولة التونسية دولة مدنية وليست دينية لذلك لابد من مراجعة مجلة الأحوال الشخصية، على غرار الميراث والمساواة لتصبح مسألة قانونية".
اقرأ أيضا: إجراءات النقد الدولى فى تونس.. نهضة اقتصادية أم انتكاسة طاحنة؟
وأضاف الرئيس حول المساواة فى الإرث "وبما أن رئيس الدولة هو رئيس الجميع فلابد للمورث مهما كان إذا كان يريد تطبيق القواعد الشرعية فى الميراث فله ذلك، والمورث الذى يريد تطبيق المساواة فله ذلك بالقانون".
وبذلك أعلن السبسى الاتجاه لتحويل المساواة فى الإرث بين الرجل والمرأة إلى قانون فى البلاد وبذلك ألقى بالكرة فى ملعب البرلمان، مشيرا إلى أن تونس بلد مدنية تستند إلى دستورها لا إلى مرجعية دينية.
ذكر السبسى، خلال كلمته، أن عملية الإصلاح تتطلب احترام مشاعر كافة التونسيين ولذلك فهو يرى أن من حق الشخص أن يختار الطريقة الشرعية لتقسيم تركته على الورثة.
وأكد الرئيس التونسى أن دستور البلاد ينص بشكل صريح على المساواة قائلا "إن هذا الحق يشكل مستقبل البلاد التى اختارت التحديث منذ وقت مبكر".
الحريات والمساواة
السبسى، كان قد شكل لجنة الحريات فى أغسطس 2017 وكلفها بإعداد تقرير يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة بالحريات الفردية والمساواة منها إقرار المساواة فى الميراث، وأثار وقتها جدلا واسعا فى تونس وخارجها.
وقدمت اللجنة قبل شهرين تقريرها للرئيس التونسى تمهيدا لعرضه على البرلمان ليتجدد الجدل وحملات الرفض فى البلاد.
واقترحت اللجنة مشروع قانون ينص على المساواة فى الإرث بين الرجال والنساء، وإلغاء عقوبة الإعدام وعدم تجريم المثلية كما اقترحت إلغاء المهر كشرط للزواج، وإلغاء العدة بالنسبة للمرأة المطلقة أو الأرمل كشرط للزواج.
وبررت اللجنة المساواة فى الإرث بتغير المجتمع وتطور دور المرأة التى أصبحت تتقاسم مع الرجل المسؤوليات المالية داخل الأسرة لكنها تركت للأفراد الذين يرفضون هذه المساواة حرية توزيع الإرث فى شكل مختلف.
اقرأ أيضا : لماذا تخلى «السبسى» عن رئيس الحكومة التونسية؟
وتونس واحدة من أكثر الدول العربية انفتاحا فى مجال تحرر المرأة منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956 لكن رغم ذلك ظل وضع المساواة فى الميراث أمرا بالغ الحساسية فى المجتمع التونسى، ولم يسبق لمسؤولين تونسيين إثارة الموضوع.
وجاءت مجلة الأحوال الشخصية آنذاك محملة بمجموعة من القوانين نصرة للمرأة، أهمها منع تعدد الزوجات وسحب القوامة من الرجل وجعل الطلاق بيد المحكمة عوضا عن الرجل، بالإضافة إلى تحرير المرأة التى أصبحت الفكر الفاعل فى المجتمع مثبتة كفاءتها فى كل المناصب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تقلدتها، لتصبح نموذجا فى العالم.
احتجاجات أمام البرلمان
جاء قرار السبسى، رغم احتشاد آلاف التونسيين السبت، أمام مجلس النواب احتجاجا على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة الذى أثار جدلا واسعا بسبب تناوله مواضيع حساسة مثل المساواة فى الميراث وعدم تجريم المثلية الجنسية.
وتجمع الآلاف من تونس العاصمة بدعوة من التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية أمام مقر مجلس النواب مطالبين بإلغاء تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة قائلين إنه يتعارض مع الدستور ومع هوية الشعب ويسعى لتفكيك الأسرة وترابطها.
وشارك فى الاحتجاج نشطاء سياسيون وأحزاب محافظة ورفعوا شعارات منها (الشعب يريد إسقاط التقرير) و(تقرير اللجنة دعوة للفتنة ونسف للأسرة) وأطلقوا هتافات تطالب بسحب مشروع القانون.
اقرأ أيضا : إقالة وزير الداخلية التونسى.. هدية رئيس الحكومة لحركة النهضة
وطالبت جمعيات إسلامية رئيس الجمهورية بالتعبير عن رفضه لتقرير اللجنة، الذى وصفوه بتقرير "الفتنة" والمعادى لعادات وتقاليد التونسيين الدينية، حسب موقع "الصحفيين التونسيين".
ولم يهدأ الجدل القائم بشأن تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة الذى نشر فى الثامن من يونيو الماضى، إلا أن توصيات اللجنة اصطدمت برفض شديد من قطاع واسع من التونسيين.
واعتبر وزير الشؤون الدينية السابق، نور الدين الخادمى، فى تصريحات لـ"بى بى سى" أن التقرير "يمسّ هوية الشعب التونسى"، مع إقراره بوجود نقاط إيجابية كتحسين التشريعات فيما يتعلق بمزيد من تشديد العقوبات فى حالات التعذيب وضمان حسن سير الإجراءات فى التحقيقات.
وخرجت التعليقات من مجرد التعبير عن معارضة التقرير لتبلغ حدّ تكفير أعضائها وتهديدهم بالقتل.
وعبرت لجنة الحريات الفردية والمساواة عن انزعاجها من "حملات التشويه والتضليل" التى اتخذت أشكالا عدة، من بينها توزيع منشورات تنسب للتقرير توصيات لم ترد فيه، كاعتبار الختان شكلا من أشكال التعذيب الذى وجب وضع حدّ له ووقف الأذان فى المساجد ومنح حق الزواج للمثليين جنسيا.
ترحيب بالتقرير
فى المقابل، رحبت منظمات حقوقية ونسوية ونقابات بتقرير اللجنة ورأت أنه "تجميع وتحليل دقيق لعدد هائل من النصوص التشريعية للوقوف على عدم انسجامها مع الدستور التونسى ومع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ومع التوجهات المعاصرة للدولة التونسية".
اقرأ أيضا: لماذا أطلقت تونس سراح حارس «بن لادن»؟
ونتيجة لهذا الجدل الدائر تعالت أصوات تطالب بإنهاء هذا الجدل من خلال اللجوء إلى استفتاء شعبى، إلا أن رئيسة اللجنة بشرى بلحاج حميدة، كتبت على صفحتها فى موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك" إنه "لا يمكن وضع حقوق الإنسان محلّ استفتاء"، معترفة بأن الثقافة الحقوقية، فى تونس، بقيت حبيسة نخبة ضيعت فرصة نشرها، منذ الإطاحة بالرئيس السابق، زين العابدين بن على فى يناير 2011، لدرجة أن الحديث عنها بات صعبا فما بالك بالاستفتاء عليها".
تجدر الإشارة، إلى أن الرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة، لم يجرؤ على إقرار المساواة فى الإرث فى مجلة الأحوال الشخصية عام 1956، رغم تضمنها نقاطا مثيرة للجدل، آنذاك، من بينها حظر تعدد الزوجات.