الدور الموسيقي للعود .. تاريخياً واجتماعياً

أكثر من ٥ سنوات فى المدى

 طارق حسون فريد
ترتبط وظيفة الآلة الموسيقية بالإنسان والجماعة، بالمجتمع والحياة. ولأنّ آلة العود العريقة قد انتشرت وتداولت في أطلال عراقية في هذا العصر لذا كانت الآلة الموسيقية التي صاحبت حياة الإنسان في مختلف مناخات معيشته اليومية المرتبطة بدورة حياته، وكذلك بدور الطبيعة عبر فصولها الأربعة، بكل ما فيها من تقاليد وعادات ومعتقدات وأعراف مفرِحة أو محزٍنة، دنيوية أم دينية.
إنّ الوظيفة الموسيقية لآلة العود ووظيفتها الاجتماعية قد ارتبطت بغناء المغني أو المطرب، وقد اقتصرت المصاحبة عليها أو على آلات أخرى وتريّة وهوائية وإيقاعية بأنواعها المختلفة. وفي كثير من الأحيان كان المغني أو المطرب هو عازف العود أيضاً، يُغني ويعزف ما ابتكره هو أو ما ابتكره الآخرون وشاع في الغناء في عصره، وذلك كما نشاهده ونسمعه في أجواء حياتنا المعاصرة، وعبر وسائل الإعلام المختلفة والمتنوعة، ولا تشارك آلة العود في مصاحبة المغني في بعض أنواع الغناء التقليدي العراقي وذلك كما في غناء ما يُعرف بالمقام العراقي الذي ترافق المغني أو القارئ فيه آلات الجالغي المؤلّفة من السنْطور والجوزة والبوق (الدَف)، ونجد في السنوات الأخيرة الكثيرة من حالات التغافل أو التجاوز على النسيج الصوتي (أو اللوني) لآلات الجالغي المرافقة لقارئ المقام.وقد يعود تاريخ الخروج عن هذه القاعدة الأدائية إلى ثلاثينيات القرن الماضي عقد التهيؤ لجلسات مؤتمر الموسيقى العربية الأول المنعقد في القاهرة عام 1932، أو قبل ذلك في بعض من الحفلات الخاصة في بغداد. ويُبّرز الدور الموسيقي للعود في مرافقة غناء الموشحّات والأدوار وايسْتات والأغاني العاطفية والقصائد الغنائية والقدود الحلبيّة وإنشاد الأناشيد وغناء فن الصوت الخليجي كما يُؤدّى في مملكة البحرين وسلطنة عُمان ودولة الكويت والأمارات العربية المتحدة ودولة قطر وكذلك في مدينة البصرة في جنوبي العراق. ومن وظائف العود الموسيقية إشتراكها في العزف مع آلات وتريّة نقرية كالقانون أو قوسية كالكمان وآلات جلدية إيقاعية كالطبلة والدف في أداء المعزوفات والقطع الموسيقية، أو عِنْد مصاحبة الأغاني المنفردة والجماعية في الحفلات والمناسبات الأجتماعية الوطنية والقومية ضمن مختلف أوجه النشاط الثقافي الأجتماعي المرتبط بالعادات والتقاليد والأعراف، أمّا من ناحية الدور الفنّي (الموسيقي) لآلة العود فأنّه يُساعد من يصاحبه عند الغناء أو الإنشاد على تذكّر البناء اللحني لمكونات أجزاء الشكل الفنّي عند الانتقال من جملة لحنية لأخرى. بعد تأسيس الأذاعة العراقية في ثلاثينيات القرن الماضي إنتقل غناء المطربين الريفيين إليها في حفلات أسبوعية تُبث على الهواء مباشرة. وكان جمهور محبّي الغناء الريفي - إينما كانوا - متابعاً بتلهّف لحفلات ناصر حكيم وحضيري أبو عزيز وداخل حسن ومن المطربات صديقة الملاّية ولميعة توفيق وغيرهُنّ. وإنْ حَصل مثل هذا التداخل والتطعيم اللوني الموسيقي في الغناء الريفي بالغناء البدوي العراقي فأنّ الغناء البدوي العراقي قد بقيّ على ما كان عليه الحال في المصاحبة الموسيقية الآلية له. بقيت السيادة المطلقة لآلة الرَبابة (أو الرَباب). في الغناء العاطفي كالعتابة والنايل والسويحلي وغير ذلك من فنون غناء البادية العراقية. وتشاهد آلة الربابة هذه ذات الوتر الواحد المسحوب على وجهها الجلدي في عزف فنون الغناء والرقص الغجري (أو الكاوليه) ببراعة فائقة كأنه لحنيّة رئيسة ترافقها الآلة الايقاعية الجلدية كالطبلة والدف. وحول مكانة العود في التعليم الموسيقي العراقي نجد إنّ الدور الوظيفي الموسيقي والفنّي الاجتماعي لآلة العود كان وما يزال هاماً جداً للدارسين في المعاهد والأقسام الموسيقية في كليات الفنون الجميلة.ومن الملاحظ إنّ مكانة العود في التعليم الموسيقي العراقي قد أخذت تتنامى عاماً بعد عام في القرن العشرين وما تلاه بعد أنْ تأسس أوّل معهد للموسيقى عام 1936م في بغداد. وازدادت مكانة العود بجهود عدد من عازفي العود مِمّن تتلمذوا بين يدي مؤسس المعهد محي الدين حيدر. ويُضاف إلى العازفين الذين تتلمذوا في المعهد أو تلاميذهم عدد آخر من العازفين الذين لم يتتلمذوا في المعهد أولئك الذين درسوا العزف على العود بين يدي روحي الخماش (1923 – 1988م) وأكرم رؤوف.وبعد افتتاح معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1940م تولّى محي الدين حيدر إدارته وافتتح فيه دراستين لتدريس الموسيقى، إحداها للموسيقى العربية والثانية للموسيقى الغربية.وبعد عقدين من الزمن أسّست وزارة الثقافة والإعلام (معهد الغناء العراقي) لتدريس (المقام العراقي) والذي سُمّي فيما بعد (بمعهد الدراسات الموسيقية) ولا يزال بهذا الاسم. ويراد من شجرة العود التي أنجزتها توضيح أجيال العازفين التي توالت في العراق المعاصر من تلامذة محي الدين حيدر وروحي الخماش وتلامذة تلامذتهم وعددهم ثمانية وثمانون عازفاً مِمّن أحصيت أسماءهم، ولعلّ هناك آخرين.ومن الجدير ذكره هو إنّ دور العود الفّني وعطائه النغمي وأسلوبه الأدائي قد تباين بعض الشيء بين تلاميذ محي الدين حيدر الثلاثة الأوائل، وذلك بين المحافظة على الأسلوب المتمثّل بأداء الشماعيات والبشارف المقاربة للاسلوب الأدائي التركي لمحي الدين حيدر مؤسّس المدرسة، وبين أسلوب يتعامل مع التراث الغنائي والموسيقى العراقي مستلهماً عناصره ومكوناته والذي اتبعه الأخوين جميل، ومنير بشير، واللذان نهلا أيضاً في ابتكاراتهما اللحنية الموسيقى العالمية والراقصة وموسيقى الغجر الأسباني لآلة الجيتار وإيقاعات راقصة من موسيقى الجاز والفلامنكو.فكان على آلة العود أن تتلاءم مع ما يُراد أن يُستخرج منها من مسارات لحنية وانسجامات نغمية أفقية وعمودية وغيرها على إبراز ملامح ديناميكية ولونية وتقنية وزخرفية لم تُعْرف من قبل. وبفضل الجيل الأول من تلاميذ محي الدين حيدر بَرَز الجيل الثاني من العازفين، وتلاهم الجيل الثالث ثم الرابع والخامس من اللذين انهوا دراستهم في معهد الدراسات الموسيقية التابع لوزارة الثقافة، وفي قسم الفنون الموسيقية بكلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد وفي معهد الفنون الجميلة التابع لوزارة التربية.
- مقتطف من الورقة التي قدمت في منتدى بغداد-برلين

شارك الخبر على