عودة السيادة الأوروبية

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

يوشكا فيشربعد الجولة الأوروبية التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً- والتي ختمت بمؤتمر صحفي عقده مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي ترك انطباعاً سيئاً- لم يعد هناك شك أن دونالد ترامب ومناصريه يرغبون في تدمير النظام الدولي والنظام التجاري العالمي اللذين تتزعمهما الولايات المتحدة الأمريكية.ومن المؤكد أن ترامب لا يتوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية. إذ فاز في انتخابات العام 2016 رغم أن منافسه تقدم عليه بثلاثة ملايين صوت، ورغم ان معدل شعبيته لم يتجاوز أبدا 50%. إلا انه لا زال رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يجعله أقوى رجل في العالم. ولكن تصرفاته التي غالباً ما تتصف بالغرابة والتناقض أثرت على العالم بشكل خطير، خاصة على شركاء أمريكا المقربين. فخلال محطته الأخيرة في المملكة المتحدة، ذهب ترامب إلى حد وصف الاتحاد الأوروبي بـ"العدو".ومن خلال محاولته عرقلة كل ما شكل الغرب تقريباً بعد الحرب العالمية الثانية، وضع ترامب العالم في نقطة تحول. وليست العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي ما زالت قوية هي من سيتضرر جراء هذا التحول، بل بالأحرى، مركز الغرب بصفته مسيطراً على الساحة العالمية. فترامب يسرع التحول في التوازن العالمي للقوة والذي من شأنه أن يترك أمريكا وأوروبا أضعف نسبياً. وبما أن الدخل والرفاهية تتحول من الغرب إلى الشرق، فالصين ستكون قادرة على تحدي الولايات المتحدة الأمريكية التي تتزعم العالم بصفتها قوة جغرافية واقتصادية وتكنولوجية.ولن يحدث هذا التحول بسهولة. فبالنسبة لأوروبا، المخاطر لن تكون أكبر مما هي عليه. إذ يمكن ان يحدد إعادة التوازن القائم مصير الديمقراطية والرفاهية والاستقلال ونمط الحياة في اوروبا. فإذا لم تستعد اوروبا، لن يترك لها أي خيار آخر سوى أن تعتمد على أمريكا أو الصين- التعاون الأطلسي أو التعاون مع روسيا.ولا يجب أن يعول الأوروبيون على الحلفاء الحاليين لمنحهم الحماية في هذه الفترة. كما لا يجب علينا الرجوع إلى منطق وسياسات السلطة التقليدية للقرن التاسع عشر. وقد يتجه العالم نحو سياسة تفتقر إلى قائد واضح وقوى عظمى تتصارع من اجل السلطة بشكل مستمر. لكن الظروف اليوم تختلف عن تلك التي شهدتها فترة "اللعبة العظمى". فالتنافس المتزايد بين الصين وأمريكا لن يكون إلا لصالح القارة العجوز.وبالنسبة للأوروبيين، فقد تشكل القرن التاسع عشر في الفترة ما بعد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية، بينما تشكل القرن العشرون في الفترة التي تلت حربين عالميتين، الحرب الباردة وتطور الأسلحة النووية. فبعد الحرب العالمية الثانية فرضت قوتان غير اوروبيتان نفسيهما على كلا الجانبين من النظام الأوروبي القديم- الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، بينما بقيت أوروبا مجرد مربع آخر في رقعة الشطرنج.وقبل نهاية الحرب الحرب العالمية الثانية، تحكمت أوروبا في العالم بفضل تقدمها التكنولوجي. ولكن بعد نهاية الحرب انتهت سيطرتها على العالم. وبعد تلك الفترة، قسمت ألمانيا بين القوتين الجديدتين، واندثرت السيادة الأوروبية بسبب تأسيس السياسة الخارجية للكريملين.ومن المؤكد أن فرنسا وبريطانيا بصفتهما القوتين الأوروبيتين اللتين حققتا النصر، حافضتا على ما تبقى من سيادتيهما بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن للأمم المتحدة (ولاحقا بصفتهما دولاً مسلحة نووياً). لكن اعتباراً للتوازن العالمي، كان ذلك رمزياً أكثر من كونه يعكس تأثيرهما الحقيقي.وبعد انتهاء الحرب الباردة، اتخذت اوروبا توجها وفيا للاتفاقيات العابرة للاطلسي. وفيما يتعلق بالامن، تعتمد أوروبا على الولايات المتحدة الأمريكية. لكن على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي، استرجع الأوروبيون سيادتهم.هناك ثلاثة تحولات، على الخصوص، جعلت اوروبا تقلق على مستقبلها. أولا، لا زال ترامب يشك في التزام الولايات المتحدة الأمريكية بالدفاع المتبادل بموجب اتفاقية حلف شمال الأطلسي. ثانيا، تنتقد إدارة ترامب منظمة التجارة العالمية والنظام التجاري العالمي الذي تعتمد على معظمه الرفاهية في أوروبا. وثالثا، ظهور النظام الرقمي والذكاء الاصطناعي يهدد اليوم بالزيادة من الفوارق التكنولوجية العالمية.وتتحدى هذه التطورات مركز أوروبا في العالم. والسؤال الآن هو ما إن كانت اوروبا ستطالب بسيادتها بشكل كامل وإثبات نفسها كقوة على الساحة العالمية، او ترك نفسها تسقط. لقد دقت ساعة الحقيقة. لن تكون هناك فرص أخرى.فقط الاتحاد الاوروبي من يمكنه استرجاع السيادة الأوروبية في القرن 21. وإذا وضعت هذه المهمة بأيدي الدول التقليدية مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا فالمهمة ستفشل. فالمطالبة بالسيادة لا يتطلب جهدا كبيرا فقط، بل أيضا جبهة موحدة وفهم جديد للعلاقة بين الاتحاد الاوروبي ودولها الاعضاء. وسيستمر المشروع الأوروبي في تيسير التجارة وضمان السلم، لكن عليها أيضا القضاء على السيادة المشتركة.إذا نجح الاتحاد الأوروبي في هذه المهمة، فسيكون ترامب قد أسدى معروفا دون أن يقصد ذلك. فالتاريخ أحيانا يمضي بشكل غريب. الحل هو استغلال الفرص، وعدم التردد حين يحين الوقت لاتخاذ القرار.وزير الخارجية الألمانية ونائب المستشار الألماني من عام 1998 إلى عام 2005

شارك الخبر على