نظام التيسير الكمي يطفئ شمعته العاشرة

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

ستيفن س. روتشبحلول شهر نوفمبر 2018 ستكون سياسة التيسير الكمي -وهي بدون شك أكثر السياسات جرأة في تاريخ المعاملات المالية في البنك المركزي- قد أكملت عامها العاشر. والشيء الوحيد الذي يمكن مقارنته مع سياسة التيسير الكمي هي الحملة التي أطلقها نظام الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في الفترة ما بين 1979 و1980 ضد التضخم. وقاد الحملة رئيس الفدرالية آنذاك، بول فولكر. لكن تلك السياسة غيّرت معدّل الفوائد بشكل كبير من خلال السياسة النقدية التقليدية. وفي المقابل، كانت التغيّرات التي حققها نظام التيسير الكمي فيما يخص قائمة الميزانية العمومية في الفدرالية غير تقليدية، إذن، فهي لم تمرّ بمرحلة الاختبار منذ البداية.وعقد المعهد الأمريكي للمقاولة مؤخرا ندوة للاحتفال بهذا الإنجاز المهم، منوها بمهندس سياسة التيسير الكمي، بين بيرنانك. وتلا ذلك بعض التعليقات التي صرّحت بها في جلسة عقدها فريق استشاري وركّزت على الدروس المستخلصة من سياسة التيسير الكمي.وأكثر الدروس أهمية له علاقة بما يربط سياسة الفدرالية وأهدافها التي فرضها الكونجرس التي تتمثل في إيجاد أكثر عدد ممكن من فرص العمل واستقرار الأسعار. وبخصوص هذا الموضوع، كان الحكم على سياسة الكم مختلطا. ففي المرة الأولى كانت سياسة الكم ناجحة في التصدي لأزمة سياسية خانقة العام 2009. لكن في المرة الثانية والثالثة كانت أقل فعالية. وارتكبت الفدرالية خطأ حين اعتقدت أن ما نجح أثناء الأزمة سينجح أيضا لاحقا.إن الخروج الضعيف من الأزمة الاقتصادية الذي لم يسبق له مثيل من قبل -تقريبا 2% من النمو السنوي خلال السنوات التسع الأخيرة، مقابل 4% قبل ذلك، يبيّن العكس. وبغض النظر عن الأسباب وراء هذا الخروج الضعيف من الأزمة -سواء كان ذلك بسبب أزمة قائمة الميزانية العمومية التي نتجت عن الأزمة الاقتصادية كتلك التي حدثت في اليابان أو فخ السيولة الذي طبع الثلاثينيات- فعائدات سياسة التيسير الكمي كانت مخيبة للآمال. ومنذ سبتمبر 2008 إلى نوفمبر 2014، أضافت برامج متتالية لنظام التيسير الكمي 3.6 بليون دولار لقائمة الميزانية العمومية للفدرالية. تقريبا 25% أكثر من 2.9 بليون دولار من امتداد الناتج الوطني المحلي خلال نفس الفترة. وأظهر بحث «دراسة الأحداث» تقييما مماثلا لمعدلات الفائدة المخيبة للآمال والتي تطرح تساؤلات بشأن العلاقة بين نظام التيسير الكمي وعشر سنوات من عائدات الخزينة.ويتعلق الدرس الثاني بالإدمان -أي اعتماد الاقتصاد بطريقة مبالغ فيها على دعم التيسير الكمي لأسواق الموجودات. إذ لم يمتد فائض السيولة الناتج عن قائمة الميزانية العمومية للفدرالية إلى أسواق رؤوس الأموال فقط، بل قدّم دعما أيضا لسوق السندات. وبالتالي، أصبحت السياسة النقدية تحدد أسعار الموجودات أكثر فأكثر بدل المعطيات الأساسية للأسواق. وفي وقت يشهد نموا ضعيفا للدخل، شكّلت الرفاهية التي حققتها أسواق الموجودات بفضل التيسير الكمي دعما حقق توازنا وسط المستهلكين الأمريكيين المتضررين من الأزمة. وللأسف، رافق هذا الدعم ألم الانسحاب -ليس فقط انسحاب المستهلكين والشركات التي تعتمد على الموجودات في الولايات المتحد الأمريكية، بل أيضا الاقتصادات الأجنبية التي تعتمد على تدفق رؤوس الأموال إلى الداخل الناتج عن التوزيع الخاطئ لسعر الفائدة بسبب سياسة التيسير الكمي. وحّدت غضبة تقليص ميزانية دعم الاقتصاد لعام 2013 والصعوبات التي تواجهها الأرجنتين، والبرازيل، وغيرها من الاقتصادات الصاعدة امتداد الأسواق نتيجة للمد والجزر اللذين طبعا سياسة التيسير الكمي. ويتعلق الدرس الثالث بارتفاع عدم تكافؤ قيمة الدخل. فمن يستفيد من الرفاهية هم الأغنياء، سواء كانت تلك الرفاهية ناتجة عن المعطيات الأساسية للسوق أو سياسة التيسير الكمي. وحسب مكتب ميزانية الكونجرس الأمريكي، شهدت مداخيل الأسرة المعيشية قبل الضرائب نموا خلال فترة سياسة التيسير الكمي (2009 إلى 2014) في عشير توزيع الدخل الأمريكي، حيث يشير استفتاء للوضع للمالي للمستهلكين أن معظم أرصدة رؤوس الأموال مركزة. إنه لأمر مبالغ فيه إذا استنتجنا أن سياسة التيسير الكمي زادت من حجم الفارق الكبيرة فيما يتعلّق بالدخل والقائمة أصلا في الولايات المتحدة الأمريكية.رابعا، تحجب سياسة التيسير الكمي الرؤيا عن الاختلاف بين السياسة المالية والسياسة النقدية. فقد أدّت مشتريات الفدرالية لسندات الحكومة إلى ضعف نظام الإنفاق الفدرالي الذي يعتمد على السوق. إنها صفقة جيّدة حين يتم الضغط على أسعار خدمات الديون من خلال الهبوط المتواصل لأسعار الفائدة. ولكن مع ارتفاع ديون الفدرالية إلى ما يقارب الضعف في الفترة ما بين 2008 و2017 -من 39% إلى 76% من الناتج الوطني الإجمالي- والتي من المحتمل أن ترتفع في السنوات المقبلة، ما يعتبر غير مهم اليوم قد يصبح ذات أهمية كبيرة في بيئة تعتمد على معدّل الفائدة والتي تفتقر إلى الدعم المالي لسياسة التيسر الكمي للخزينة. ويتعلّق الدرس الخامس بالفرق بين التكتيك والاستراتيجية. ولكونها تقرض الأموال حين يتعذر على الدائنين الاقتراض من مؤسسات أخرى، تستحق الفدرالية التنويه للتدخل عندما يتعلّق الأمر باختراق القوانين أثناء أزمة خانقة. والمشكلة بالطبع، هي أن الفدرالية لعبت دورا رئيسيا أيضا في جعل النظام يطفو على السطح. وهذا يجعلنا نطرح سؤالا أساسيا: هل نريد بنكا مركزيا متفاعلا يركز اهتمامه على القضاء على مخلفات الأزمة، أم بنكا مركزيا يتفاعل مسبقا والذي يتصدى للخروقات قبل أن تتحوّل إلى أزمة؟ وأوجد هذا السؤال -بشأن التصدي أو القضاء- جدلا وسط السياسيين والأكاديميين. إن العبارة تحوي جزءا اقتصاديا وسياسيا مهما: هل ترغب البنوك المركزية المستقلة في إجبار المجتمع على التضحية بالنمو من أجل الحفاظ على الاستقرار المالي؟ ويتعلّق هذا أيضا بالجدل حول حدوث نجاح اقتصادي مؤقت. ومهما بلغت صعوبة هذه المشاكل فلا توجد هناك مقارنة بينها وبين نتائج خروج أمريكا الضعيف من الأزمة.وهذا يجعلنا نطرح سؤالين: هل كان من الممكن لفدرالية تفكّر مسبقا أن تمنع أزمة من الحدوث منذ البداية؟ وهل كانت لتكون أكثر صرامة في إرجاع معدلات الفائدة إلى الوضع الذي كانت عليه؟ إن كون الفدرالية تفضّل التعيير الصارم في بداية العام 200 واليوم تبقي السياسة النقدية في مرحلة الضبط للطوارئ مدة طويلة بعد أن انتهت حالة الطوارئ منذ فترة بعيدة. وهذا يزيد من احتمال افتقار الفدرالية لنظام الحصانة الذي ستحتاجه للتصدي للأزمة المقبلة. وهذا سيجعل من الدروس المستخلصة سابقا أكثر إشكالية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي. ومن الطبيعي أن يدلي بيرنانك برأي مختلف حول العديد من هذه القضايا في ندوة عقدها المعهد الأمريكي للمقاولة. لقد قال إن الوسائل التي اعتمدتها الفدرالية في قائمة الميزانية ليست إلا امتدادا لمقاربتها التقليدية، مؤكدا أن «السياسات النقدية التقليدية وغير التقليدية تعمل بنفس الطريقة، وبنفس الميكانيزمات». إن هذا مثير للجدل؛ إذ عن طريق دمج الرفاهية التي خلّفتها سياسة التيسير الكمي مع انعكاسها على أسعار الاقتراض التي ترتفع من خلال القنوات التقليدية، يتفادى بيرنانك المخاطر المذكورة أعلاه -خاصة تلك المتعلقة بفقاعات الموجودات والرفع المالي المبالغ فيه. إن الاحتفال بالذكرى العاشرة تشكّل فرصة للتفكير والمساءلة. ونأمل فقط أن لا تتطلب الظروف سياسة غير تقليدية أخرى مثل سياسة التيسير الكمي. وفي حال حدوث أزمة أخرى، سيكون أمرا مربحا إذا تذكّرنا عدم جدوى سياسة التيسير الكمي. وخلافا لبيرنانك، أخاف ألا تنجح التجربة القادمة كذلك.عضو بجامعة ييل والرئيس السابق لمورجان ستينلي إيجيا، هو مؤلف كتاب غير متوازن: الاعتماد المنفعي المتبادل لأمريكا والصين.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على