هند رستم.. ملكة تخلت عن التاج لأجل عيون «سي السيد»

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

طفولة قاسية وصعبة عاشتها ملكة الإغراء ومارلين مورنو الشرق الفنانة الراحلة هند رستم، الفتاة المولودة في 12 نوفمبر 1929 لم تكد تكبر حتى قرر والداها الانفصال لتتولى الأم تربيتها، وفجأة تتزوج الأم بآخر وتبدأ معاملة الأم نفسها تتغير فالقسوة أصبحت عنوان الحياة في منزل الأم، وتقرر الفتاة الهرب إلى الإسكندرية حيث يعيش الأب، تعاني من معاملة زوجة الأب القاسية، يُقرر الوالد أن يُلحقها بمدرسة فرنسية، وهناك تشارك في الحفلات المدرسية بالرقص والتمثيل والغناء ويمتلئ داخلها حب السينما وتحلم باليوم الذي تصبح فيه نجمة مشهورة.

تنتقل هند للعيش مع جدتها، ومن أجل حلمها الأوحد تقرر هند أن تظهر ككومبارس صامت في 8 أفلام لم تنطق فيها كلمة واحدة، وكانت البداية عندما قادتها الصدفة لمكتب شركة الأفلام المتحدة عام 1946 لتشارك في فيلم "أزهار وأشواك" بدور صغير مع الفنان يحيى شاهين، ليراها المخرج حسن رضا ويُعجب بجمالها وأنوثتها ويقرر أن يتزوجها، وبدأت هند بعدها رحلة النجومية وتقديم أفلام البطولة على يد المخرج حسن الإمام الذي قدّمها في أفلام لاقت نجاحًا كبيرًا مثل "ابن حميدو، صراع في النيل، رجل بلا قلب، لا أنام، الخروج من الجنة، باب الحديد، كلمة شرف، إشاعة حب، الحلوة عزيزة"، وغيرها.

بعد عامين من الزواج أنجبت هند رستم ابنتها الوحيدة "بسنت"، إلا أن الطلاق وقع بينهما أثناء حملها في الشهر الثاني، وتسبب طلاقها في دخولها في حالة نفسية سيئة، بعد أن رفعت قضية على طليقها استمرت في المحاكم لمدة 4 سنوات، وحتى تنفق على ابنتها الوحيدة اضطرت إلى قبول أدوار ثانوية في أعمالها الفنية، وزاد من أوجاعها وفاة والدتها بمرض السرطان، حتى أُصيبت بمرض الوهم، واعتقدت أنها مصابة بسرطان الرحم، وظنت أن أيامها أصبحت معدودة، ما دفعها للذهاب إلى العديد من الأطباء، فبعد أن ينفي لها أحدهم أنها مصابة بالورم الخبيث تتجه لطبيب آخر.

رحلتها تلك كانت سببًا في تغيير حياتها، فمن بين الأطباء التي زارتهم كان الدكتور محمد فياض، المتخصص في النساء والتوليد، والذي أقسم لها أنها سليمة 100%، ورغم قسمه استمر وسواسها، شيء ما آخر كان يدور بداخل الطبيب الشهير، وهو الحب، ما دفعه للتقدم إليها للزواج، بعد أن اجتمعا سويًا خلال جلسة مع أصدقائهما، ليتزوجا بعدها بشهر واحد في عام 1961، وعاشا معًا حياة سعيدة.

ووفقًا لكتاب "روائع النجوم" لمحمود معروف، فإن هند رستم وصفت هذا الارتباط بأنه "جواز صالونات"، إلا أنها قالت إن الحب يأتي بعد الزواج، بعدما أُعجبت بأناقة الطبيب لأنها لا تحب الرجل الفوضوي، كما رأت أنه "شيك ومركزه في المستقبل حلو وقتها"، حيث كان مدرسًا مساعدًا بكلية طب قصر العيني، كما أن ابنتها في تلك الفترة بلغت سن 7 سنوات.

ومنذ أن شاركت لأول مرة في "أزهار وأشواك" -حصلت منه على أجر مئة وخمسين جنيهًا-، وقاطعها والدها الذي كان رافضًا عملها في المجال الفني، واستمرت مقاطعته لها حتى تزوجت من الدكتور فياض: "كلمني فقط لأني أصبحت زوجة طبيب نساء وتوليد مشهور"، وفقًا لكتاب "ذكريات" للكاتب أيمن الحكيم عن هند رستم، الصادر عن دار الكرامة.

حدث ما كانت تتمناه هند رستم، حيث وجدت في فياض الحبيب والسند والزوج، ولعل طفولتها القاسية كانت السبب الرئيسي في تخليها عن كل شيء من شهرة ونجومية وفن حينما وجدت الأمان، ففي الوقت الذي اتجه فيه مؤشر السينما إلى النزول وقلّت أعمال عدد من النجمات، مثل فاتن حمامة وشادية وماجدة، لم توافق هند رستم على وضع اسمها بعد أسماء تعتبر أنهم دونها، وقررت الاعتزال عقب فيلمها "حياتي عذاب" (1979)، واعتزلت بعد مسيرة فنية حافلة وهي في القمة كأشهر نجمة إغراء جسدت الأنثى الشهية الدلوعة الشقية في السينما المصرية، ووضعت بإرادتها كلمة النهاية في سن مبكرة وهي في الـ47 من عمرها.

ابنتها بسنت رضا قالت عن ذلك في حوار ببرنامج "هنا العاصمة": "هي حبت الحياة الأسرية جدًا، وعاشت قصة حب عظيمة مع الدكتور فياض، وفي نفس الوقت ابتدت السينما تنزل، فقد كانت تذهب إلى التصوير ملتزمة بمواعيدها، لتفاجأ بأن هناك فنانين مازالوا في بداية طريقهم يتأخرون عن مواعيدهم، وهو ما جعلها تقرر الابتعاد والاعتزال بسبب تلك الأوضاع".

كانت محبة للكلاب بشدة، وعندما سألها توفيق الحكيم عن أي شيء تحزن أكثر "السينما أم كلبها الميت؟"، أجابت دون تردد: "كلبي الوفي"

ووفقًا للناقد ناهد صلاح، فإن هند رستم قالت لها: "زواجي من فياض القرار الأفضل في حياتي وبعده أعلنت الاعتزال واخترت الحياة الأسرية، خاصةً أنه عامل ابنتي بسنت كابنته، ولم أشعر بندم على الإطلاق"، وفي "روائع النجوم" تقول هند: "كان نفسي أقعد في هدوء ومعي شخص يتحمل معي المسؤولية، وأرغب في بيت وزوج مثل أي امرأة طبيعية، عشان كده فضلت طول عمري أحب فياض".

رغم تمتع هند بقوة شخصية معروفة للجميع، فإنها كانت ترى أن السيادة من حق الرجل، ولا يعيب المرأة أبدًا أن تعامل زوجها على أنه "سي السيد"، بل من واجبها أحيانًا أن تفعل ذلك للرجل الذي يمنحها السعادة والاستقرار، وكانت ترى أن المرأة عليها الدور الأكبر في الحفاظ على الحب، وعلى استقرار الحياة الزوجية، ولابد أن تُشعر زوجها أنه ملك على قلبها، وأنه رجل كامل، ولا تجعله يشعر بنقاط ضعفه، وهو أمر لا ينتقص منها أبدًا، بل يضاعف من مكانتها في قلبه.

في "ذكريات" ترسخ هند رستم لذلك، وتقول: "أتعامل مع زوجي من منطلق أنه سي السيد ومتمسكة جدًا بذلك، مهما مرت السنون وتبدلت الحياة، أحيانًا يستغرب البعض من كوني أقدّم نفسي على أني حرم الدكتور محمد فياض، رغم أن سعادتي لا توصف وأنا أنطق بهذا اللقب، فأنا في النهاية أنثى، حتى لو كنت هند رستم، والست تحب يكون فيه راجل جنبها، ثم لا مؤاخذة الدكتور فياض ده مش حاجة سهلة، ده طبيب معروف في العالم كله، وأي ست تتباهى بيه وتحترمه".

وبأعين مليئة بالدموع، روّت ابنتها بسنت الأيام الأخيرة في حياة والدتها، في لقاء CBC، موضحةً أنها اكتأبت بعد وفاة زوجها الدكتور محمد فياض لمدة عامين، وقالت: "كانت بتتمنى لحظة الوفاة بعده، ولم تحب الحياة"، ومنذ رحيله، وقررت إغلاق غرفة نومها بشكل نهائي ولم تكن تدخلها، وظلت تنام إلى جوار ابنتها في غرفتها، كما أنها كانت تتمنى الموت في كل لحظة.

​الوصية التي تركتها لابنتها قبل وفاتها هي رعاية كلابها

وكما يقولون فإن لكل بداية نهاية، فبعد النجاحات الكبيرة التي حققتها، والجوائز التي حصلت عليها، رغم اعتزالها الفن مبكرًا، عاشت في عزلة تامة عقب وفاة زوجها الدكتور محمد فياض، لترحل هند رستم في 8 أغسطس عام 2011، تاركة خلفها رصيدا كبيرا وتاريخا طويلا من الأعمال الفنية وصلت إلى 70 فيلمًا سينمائيًا.

شارك الخبر على