قمم ترامب

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

ريتشارد هاسأصبحت القمم التي عقدها الرئيس دونالد ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جون أون في سنغافورة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي ومع المجموعة 7 في كيبيك والحلف الأطلسي في بروكسل من الماضي. إذ هناك محادثات بشأن عقد قمة أخرى بين ترامب وبوتين في واشنطن العاصمة. فبعد مرور 30 عاما على نهاية الحرب الباردة التي دامت لعشرة عقود والتي شهدت حوادث خطيرة، استأنف رؤساء أمريكا ونظراؤهم في الاتحاد السوفييتي عقد قممهم رفيعة المستوى.وينبغي معرفة أن كلمة «قمة» ليست دقيقة في معناها. فقد يقصد بها الاجتماعات رفيعة المستوى بين الأصدقاء وكذلك بين الأعداء. وقد تكون القمم ثنائية الأطراف أو متعددة الأطراف. وليست هناك أية قواعد متفق عليها بالإجماع تحدد متى يصبح اجتماع ما قمة. وعلاوة على أي شيء آخر، يحمل المصطلح دلالات تتعدى كونه يشير إلى اجتماع عادي فقط.والسبب الرئيسي وراء استئناف تلك القمم هو كونها المقاربة المفضلة لدى ترامب في نشاطاته الديبلوماسية. وليس صعبا شرح سبب ذلك. فدبلوماسية ترامب تتخذ بعدا شخصيا، ويؤمن بفكرة (رغم كونها مثيرة للجدل) أن العلاقات بين الأفراد قد تشكّل العلاقات بين الدول التي يتزعمها، حتى لو تطلّب الأمر تخطي الاختلافات السياسية الكبيرة بينها. إنه بارع في التمثيل أكثر من قيادة دولة ويتقن الاحتفال أكثر من السياسة.ويحب ترامب عقد المؤتمرات لعدة أسباب ذات صلة. فهو يثق في قدرته على القيادة، أو على الأقل النجاح في ذلك. فقبل التحاقه بالبيت الأبيض أمضى ترامب معظم حياته المهنية في العقار، حيث كان دائما يحصل على ما يريد في اجتماعات صغيرة مع شركائه أو منافسيه.وأضاف ترامب العديد من الأشياء إلى الصيغة التي تعقد بها القمم. فعادة ما تدرج القمم في جدول الأعمال بعد أشهر عدة، بل حتى بعد سنوات من التحضير بدقة من طرف مسؤولين على مستوى منخفض. وكانت هذه القمم تحد من الخلافات أو تنهيها. كما أنها كانت تحرر بشكل محكوم. وكانت الاتفاقيات والبلاغات تناقش بشكل جزئي أو بشكل كامل وكان الأطراف على استعداد لتوقيعها. وكانت هناك إمكانية أخذ ورد، لكن احتمال وقوع المفاجآت كان صغيرا. كما أنها كانت فرصة لإعطاء شكل نهائي لما تمّ الاتفاق عليه مسبقا.لكن ترامب يقوم بعكس ذلك. فهو يرى القمة على أنها محرك. إذ كانت التحضيرات لقمتي كيم وبوتين قليلة جدا. ويفضّل ترامب الجلسات المنتظمة التي تنتهي باتفاقيات غامضة، كما حدث في سنغافورة، أو تلك التي تنتهي دون أية اتفاقية كما وقع في هلسنكي.وتشكّل هذه المقاربة العديد من المخاطر. إذ قد تنتهي بتبادل الاتهامات وعدم الوصول إلى أي اتفاق. وهذا ما شهدته باستمرار الاجتماعات التي عقدها ترامب مع الحلفاء الأوروبيين لأمريكا والاجتماعات التي سيطرت عليها انتقادات ترامب لما تقوم به أوروبا بخصوص التجارة أو ما لا تقوم به بخصوص إنفاقها على الدفاع. وعلاوة على ذلك، قد تبدو قمة اتفاقية لم توثق ناجحة في البداية، لكن الوقت أثبت أن ذلك ليس صحيحا. وهذا ما حدث في قمة سنغافورة. وما تم تداوله بشأن انتهاء القمة باتفاق تلتزم كوريا الشمالية بموجبه بالتخلي عن الأسلحة النووية متناقضة تماما مع الواقع الذي يقول إن كيم لا ينوي التخلي عن أسلحته النووية أو صواريخه الباليستية. وهناك احتمال أن تكون قمة هلسنكي أسوأ حالا، حيث لم تنتهِ القمة بأي اتفاق مكتوب، هذا إذا تمت مناقشة أي اتفاق أصلا، خلال المحادثات التي دامت ساعتين بينه وبين بوتين. والخطر الثالث الذي تشكّله القمم التي تنتهي باتفاقيات مبهمة أو بدونها هو أنها تُوجِد عدم الثقة مع الحلفاء وعلى المستوى المحلي أيضا. ولاحظت كوريا الجنوبية أن مصالحها كانت مهددة في قمة سنغافورة، وتخاف دول حلف الشمال الأطلسي أن مصالحها وضعت جانبا في قمة هلسنكي. ورغم محاولة الكونجرس بل حتى المجلس التنفيذي معرفة ما تمت مناقشته، يستحيل القيام بمتابعة فعالة. وستصبح الإدارات المستقبلية أقل التزاما باتفاقيات لا تعرف شيئا عنها، مما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية أقل تناسقا وأقل ثقة.وزاد ترامب من هذه المخاطر لكونه يميل إلى الجلسات الانفرادية دون وضع النقاط. وهذا ما وقع في كل من سنغافورة وهلسنكي. ولا يمكن الاستغناء عن المترجمين الفوريين في مثل هذه اللقاءات. ولا ينبغي على المترجمين ترجمة الكلمات فقط بل حتى نبرات الصوت للتعبير عمّا قيل. لكن المترجمين ليسوا دبلوماسيين ليعرفوا متى يتطلب خطأ ما تصحيحا أو تبادل الاتصالات للتوضيح. إن عدم توثيق ما قيل وما اتفق عليه سيسبب خلافات بين الأحزاب وغياب الثقة بين من لم يحضر الاجتماع.وللتوضيح، فالمشكلة ليست في القمم في حد ذاتها. فقد أبان التاريخ عن قدرتها على حل الأزمات والخروج باتفاقيات من شأنها الرفع من مستوى التعاون والحد من خطر المواجهة. إلا أن توقع الكثير من القمم أمر خطير، خاصة في غياب الاستعدادات أو المتابعة الكافية. وفي هذه الحالات، تزيد القمم من احتمال فشل الدبلوماسية، مما يسبب عدم الاستقرار على المستوى الجغرافي عوض تخفيف حدته، وفي وقت يتعرّض فيه السلم والرفاهية العالميين للخطر، هذا هو آخر ما نحتاج إليه.رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، شغل سابقا منصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية (2003-2001)

شارك الخبر على