يوسف شاهين ممثلًا.. تعرض للمحاكمة بسبب «باب الحديد»

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

«قناوي جميل وحبيب مفيش منه اتنين لكن مش قادر، خايف من الناس، زي ما يكون مكسوف من عواطفه»، هكذا وصف المُخرج يوسف شاهين شخصية قناوي على لسان أحد أبطال فيلمه «حدوتة مصرية» الذي تناول خلاله قصة حياته ومشواره الفني، قصد خلال هذا المشهد أن يتذكر قصة الفشل الذريع الذي حققه فيلم «باب الحديد» حينما عُرض في السينمات وكاد الجمهور وقتها أن يقوم بتكسير المقاعد مُطالبًا بأمواله التي دفعها لتذكرة فيلم لم يجد فيه مُتعته الشخصية التي اعتاد عليها على طريقة «سيما أونطة ..عايزين فلوسنا»، لكن الحقيقة باب الحديد لم يكن «أونطه» كُل ما في الأمر أن يوسف شاهين قرر وهو ابن الثانية والثلاثين أن يُقدم الواقع ويبتعد عن الأفلام التي ينتصر فيها البطل في النهاية.

«أنا مش مسلواتي روح شوف أراجوز تفهمه» هكذا كانت رؤية شاهين في أفلامه رافضًا تقديم ما يُسميه بـ«أوهام السينما الأمريكية» غير مُقتنع أن السينما وسيلة للترفيه يبتعد من خلال الإنسان عن «همومه» لأن في حالة ابتعاده عنها ستظل الهموم فوق رؤوسنا، يوسف شاهين لم يكتفِ بالإخراج فقط إنما ظهر على الشاشة كممثل خلال مسيرته وفي أغلب الأحيان كان ظهوره مُقنعًا وكأنه ممثل محترف.

باب الحديد

الظهور الأول لشاهين كان خلال فيلمه «نساء بلا رجال»، والذي ظهر فيه من خلال مشهد واحد فقط وهو مشهد شخص يريد التحدث في التليفون لكن لم يكن هذا الدور بمثابة اختبار تمثيل لشاهين لأنه لم يظهر سوى بلقطة واحدة فقط، لكن الاختبار الحقيقي الذي نجح فيه المُخرج العبقري حينما قدم شخصية «قناوي» في فيلم باب الحديد عام 1958 الفيلم الذي كتبه عبد الحي أديب وأنتجه جبرائيل تلحمي الذي قام بإقناع شاهين لتجسيد دور قناوي قائلًا له «مفيش حد هيعمل الشخصية دي أحسن من مخرجها»، بعدها قام شاهين بترشيح محمود مرسي الذي كان وجهًا جديدًا لم يقم بالاشتراك أو الظهور في أي عمل لكنه رفض بسبب الأجر.

وقام بعدها المنتج بالتعاقد مع فريد شوقي في شخصية أبو سريع، الذي كان سببًا في غضب الجمهور من الفيلم، لأن الجمهور وقتها انجذب لاسم ملك الترسو فريد شوقي وتخيل أن الفيلم سوف يحتوي على معركة ينتصر فيها وحش الشاشة، لكنه لم يجد مُراده ووجد أن بطل الفيلم الحقيقي هو قناوي، الممثل الذي لم يكن معروفًا، بالإضافة إلى أنه لم ينتصر في نهاية الفيلم، عدم تقبل شاهين ممثلًا لم يكن الأزمة الوحيدة لكن أيضًا قُدم للمحاكمة لأنه شارك كممثل ولم يحصل على تصريح أو عضوية من نقابة الممثلين.

وعلى الرغم من أن الفيلم رُشح لتمثيل مصر في الأوسكار وشارك في مهرجان برلين فإن شاهين في أحد المقالات التي كتبها قال «بعد هذا الفيلم انهالت عليّ الكوارث، حجز على عفش بيتي وهرب مني المنتجون، واضطررت أن أعيش ثلاث سنوات اسميها السوداء في حياتي، سلمت بعد ذلك ورفعت الراية البيضاء فأخرجت ثلاثة أفلام ليست سيئة لكنها ليست أبدا الشكل ولا الفكر الذي يعبر عني»، لكن بعد عرض الفيلم على شاشات التلفزيون بعدها بسنوات لاقى نجاحًا جماهيرًا كبيرًا عكس ما كان عليه في السينمات.

إسماعيل يس في الطيران

بعد ذلك ظهر شاهين في واحد من الأعمال الكوميدية في سلسلة أعمال حملت اسم «إسماعيل يس»، حيث ظهر في فيلم «إسماعيل يس في الطيران» وذلك بشخصية المخرج الشاب، الذي يصور أحد مشاهد المعارك في فيلم سينمائي، ويطلب من البطل، الذي يجسد شخصية «دوبلير» في كل مرة يضرب فيها أن يعيد المشهد، لتحدث مجموعة من المفارقات الكوميدية، ولعل أبرز إفيهات، الفيلم، والتي جاء على لسان يوسف شاهين: «هايل يا سمعة.. كمان مرة.. عايز ضرب واقعي».

فجر يوم جديد

فيلم من إنتاج عام 1965، تدور أحداثه حول مجموعة من الأشخاص من الطبقة الأرستقراطية، تراكمت عليهم الديون، وصاروا مديونين، بسبب رفضهم الوضع الذي فرضته عليهم ظروف المجتمع، وإصرارهم على العيش في نفس المستوى، وظهر فيه «يوسف شاهين»، بشخصية «حمادة بيه»، زوج «نايلة» -سناء جميل، الذي يعيش حياة ترف وحفلات زائفة على عكس واقعة، بعد أن أفلس، إلا أنه ما زال مصرا على حياة الترف.

أفلام سيرته الذاتية

واحدة من الأفلام التي تتناول السيرة الذاتية للمخرج يوسف شاهين، تحت اسم «يحيى شكري مراد»، حيث يتناول تعرضه خلال تصويره فيلم «العصفور» إلى أزمة قلبية تستدعي التدخل الجراحي، وخلال رحلته العلاجية، تجرى وقائع محاكمة داخل قفصه الصدري يقف فيها «يحيى» المخرج، أو الطفل الصغير موقف الخصوم، وخلال هذه المحاكمة الخيالية، يسترجع الذكريات، ويظهر «شاهين» خلال الفيلم بشخصيته الحقيقية في مشهد واحد فقط، وواصل سرد سيرته الذاتية في فيلم إسكندرية كمان وكمان وظهر أيضًا بشخصيته الحقيقية حيث يروي تفاصيل حياته بلسانه من خلال شخصية يحيى واختلط الفيلم بين النمط التمثيلي والتسجيلي الذي تسمعه على لسان بطله ومخرجه الحقيقي.

اليوم السادس

اليوم السادس فيلم شارك يوسف شاهين في كتابته، والتمثيل فيه أيضًا، بالإضافة إلى الإخراج، ويتناول فترة انتشار وباء الكوليرا في عام 1947 في القاهرة، وبعض المدن المحيطة من خلال قصة صديقة «داليدا» التي ظهرت للمرة الأولى كممثلة على يد شاهين، وخلال أحداث الفيلم يصاب حفيدها الوحيد بهذا المرض، فتحاول إنقاذه بكل ما أوتيت من قوة، خاصة بعد موت جميع أفراد أسرتها، وقبل مرور مهلة الأيام الستة حيث يكون المصير الوحيد وقتئذ هو الموت، فتذهب بحفيدها إلى رشيد من أجل محاولة علاجه الشخصية التي يجسدها «يوسف شاهين».

العمل الفني في المقام الأول قائم على «الإحساس» وشاهين يمتلك هذا بقوة فكيف من برع في ضبط أداء وإيقاعات وتعبيرات الممثلين من وراء الكاميرا، لا يستطيع أن يكون ممثلًا بكل حرفية، وأن تكون طلته أمام الكاميرا مختلفة، ولها تأثيرها في نفوس المتلقين.

شارك الخبر على