طريق ثورة ٥٢.. هل أنقذت الثورة الشعب المصرى؟

ما يقرب من ٦ سنوات فى الموجز

المقال - محمد جمال الدين 
رغم الظروف المحلية والعربية والإقليمية والدولية بالغة الخطورة التى تعاقبت على ثورة 23 يوليو ورجالها، فإن عجلة التشييد والبناء المتنوعة لم تتوقف قط طوال مسيرتها، علمًا أن رجال الثورة تسلّموا مصر فى وقت كان مجتمعها يحكمه الإقطاعيون ورأسماليون محتكرون ويساندهم ملك فاسد يعيش لنفسه، ومحتل بريطانى يسيطر على جُل مقدرات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مدعومًا بجيشه المكون من 80 ألف جندى بريطانى، هذا بخلاف المعاناة من الطبقة العميلة التى أنشأها من المصريين ومن الجاليات الأجنبية التى استوطنت مصر لتمص خيراتها وتنهب ثرواتها، بمشاركة الأسرة المالكة الدخيلة التى غرقت فى الفساد والانحلال، وأصبحت فضائحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على كل لسان.
حينها كان المشروع القومى لحكومة الوفد قبل قيام الثورة هو مكافحة الحفاء، ورغم وجود قوى سياسية أخرى؛ مثل الإخوان المسلمين والاشتراكيين والشيوعيين «جميعها كان لا حول لها ولا قوة»، فلم تستطع أن تغير من الأمر شيئا، مثلها فى ذلك مثل الوطن العربى المُقسم بفعل سياسات الدول الاستعمارية، التى بدورها انفردت بكل قرار يخصه بعد أن سيطرت على ثروته البترولية ومواد الصناعة الخام، ولا تسمح بأى مشروع نهضوى.
يحدث هذا فى ظل اشتعال الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالى والاشتراكى على مناطق السيطرة وفرض النفوذ، ورغم تلك الظروف بالغة الصعوبة تفجرت ثورة يوليو على يد جمال عبد الناصر ورفاقه، وعملوا بكل جهد فى بلد متخلف صناعيًّا، وفى الزراعة لا يعتمد سوى على محصول القطن الذى يتم تصديره خامًا للخارج.. بلد محاصر باقتصاد ضعيف بل عاجز، يسيطر عليه الأجانب واليهود، ومَلك باع الوطن وباع فى طريقه الجيش فكان من الطبيعى أن تفشل الجيوش العربية فى حرب فلسطين، ما أدى إلى ضياعها، وعندما تسلّم عبد الناصر البلد وهو فى هذا الوضع المأساوى، بادر بإصدار قانون الإصلاح الزراعى، الذى صاحبته مشاريع وقوانين تنظم وتطور كل ما له علاقة بالزراعة، من أهمها مشروع بناء السد العالى فى أسوان، الذى يعد من أهم المشاريع القومية التى شيّدتها الثورة، والذى وافق البنك الدولى على تمويله بما يساوى ربع تكاليف إنشائه، بعد إقراره بجدوى المشروع فنيًّا واقتصاديًّا، ولكنه سرعان ما سحب عَرضه بعد ضغوط من إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذى دفع عبد الناصر إلى الرد عليهم بإعلان تأميم قناة السويس «التى حُفرت بدماء المصريين فى حين كان خيرها يذهب للأجانب» للاستفادة من إيراداتها فى تمويل مشروع السد بمساعدة قوية وقتها من روسيا «الاتحاد السوفييتى سابقًا».
ما ساعد كثيرًا فى التحكم فى تدفق مياه النيل والتخفيف من آثار فيضانه، كما تم استخدامه فى توليد الكهرباء، وأسهم فى زيادة مساحة الأراضى الزراعية. وعقب ذلك التفت إلى الصناعة فشيَّد العديد من المصانع فى ربوع مصر؛ مصانع غزل ونسيج ومصانع متخصصة فى الصناعات الحربية ومصانع للكيماويات والأسمدة، وإن كان أهمها -بالطبع- مصنعًا للحديد، خصوصًا بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان، وظل هذا النشاط «المصنع» فى إطار الحلم المجرد رغم أن فكرته طُرحت للنقاش فى عام 1932، حتى ظهر على أرض الواقع عندما أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مرسومًا بتأسيس شركة الحديد والصلب يوم 14 يونيو 1954، فى منطقة التبين بحلوان، كأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب فى العالم العربى برأسمال 21 مليون جنيه.
حيث تم فتح اكتتاب شعبى وكانت قيمة السهم جنيهين مصريين، يضاف إليهما خمسون مليمًا مصاريف إصدار، وفى يوم 23 يوليو 1955 قام عبد الناصر مع أعضاء مجلس قيادة الثورة بوضع حجر الأساس الأول للمشروع على مساحة تزيد على 2500 فدان شاملة المصانع والمدينة السكنية التابعة لها والمسجد الملحق بها، بعد توقيع العقد مع شركة «ديماج ديسبرج» الألمانية «ألمانيا الشرقية آنذاك» لإنشاء المصانع وتقديم الخبرات الفنية اللازمة.
وعلى الرغم من ظروف العدوان الثلاثى، سار العمل بهمة ونشاط فى بناء المصنع الذى افتتحه «عبد الناصر» فى 27 يوليو 1958 معتمدًا فى إنتاجه على خامات الحديد المتوفرة بكثرة فى مناجم أسوان، والتى قُدرت مساحتها بـ1250 كيلومترًا مربعًا، بالإضافة إلى جودة الخام المستخرج منها، كما اعتمد على خام الحديد المتوفر أيضًا فى الواحات البحرية والبحر الأحمر، لتدخل عن طريقه مصر إلى عالم الصناعات الثقيلة رغم أنف الدول الاستعمارية الكبرى التى لم تغفل تحدّى عبد الناصر لها ومواقفه ضدها، وهو ما تجلى بوضوح فى «برج القاهرة» الذى تم بناؤه بين عامى 1956 و1961 على يد المصمم المعمارى المصرى «نعوم شبيب» من الخرسانة المسلحة على شكل زهرة اللوتس المصرية فى قلب مدينة القاهرة فوق جزيرة الزمالك بنهر النيل، ويصل ارتفاعه إلى 187 مترًا، وهو أعلى من ارتفاع الهرم الأكبر بالجيزة بنحو 43 مترًا، ويوجد على قمته مطعم سياحى على منصة دوارة تدور برُواد المطعم فى الطابق الـ14 ليروا معالم القاهرة من كل الجوانب، وبذلك يعد من أشهر المزارات السياحية فى القاهرة، وتكلَّف 6 ملايين جنيه مصرى، منحتها أمريكا لمصر بهدف التأثير فى موقفها المؤيد لثورة الجزائر ضد الاحتلال الفرنسى، وهذا شاهد ودليل فعلى على تدخل المستعمر فى سياسات الدول، وهو ما رفضه «عبد الناصر» تحديدًا؛ لذلك جاء تأسيسه ودعمه لسياسة عدم الانحياز التى ترفض مثل هذه التدخلات.
لم تغفل ثورة يوليو الجانب الثقافى والرياضى فى أثناء خوضها معركة البناء والتنمية، فأسست قصور الثقافة الجماهيرية لنشر الثقافة فى كل ربوع مصر، وأسهمت المؤسسة المصرية للسينما، المملوكة للدولة، فى إنتاج العديد من الأفلام؛ مثل «غروب وشروق، والحقيقة العارية، والقاهرة 30، والزوجة الثانية.. وغيرها»، كما شهد المسرح خلال فترة الثورة ازدهارًا كبيرا وظهور مؤلفين جدد؛ مثل: نعمان عاشور، وسعد الدين وهبة، وميخائيل رومان، ولطفى الخولى، ومن المخرجين: جلال الشرقاوى وكرم مطاوع، وسعد أردش، وأحمد عبد الحليم. وفى عهد عبد الناصر أيضًا تم تحديد يوم العلم والفن.
كان يكرَّم من خلاله الفنانون والعلماء «بالمناسبة، هذا الاحتفال اختفى خلال عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك»، وفى الرياضة أقيمت العديد من مراكز الشباب ليمارس أبناء الشعب الرياضة، لهذا تم صدور قرار باستقطاع مساحة كبيرة من نادى الجزيرة، الذى كان لا يرتاده سوى أبناء الصفوة من المجتمع المصرى، ليقام أكبر مركز شباب فى مصر وهو مركز شباب الجزيرة، ليمارس من خلاله شباب مصر المحروم الرياضة كتطبيق عملى لمبدأ «العقل السليم فى الجسم السليم»، وذلك عن طريق توفير البنية الأساسية لكل أنواع الرياضات، وهى الملاعب، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء استاد القاهرة الدولى، الذى تم بناؤه فى عام 1960 فى عهد الرئيس «جمال عبد الناصر» تحت اسم استاد ناصر، ويتسع لـ74,100 متفرج، وهو يعد الأول من نوعه فى منطقة الشرق الأوسط وقتها، نظرًا لالتزامه بالمعايير الأوليمبية، ويقع فى منطقة مدينة نصر، وقام بتصميمه المهندس المعمارى الألمانى «فيرنر مارش» وهو نفس المهندس الذى قام بتصميم الاستاد الأوليمبى فى برلين، الذى استضاف دورة الألعاب الأوليمبية فى سنة 1936.
وقد اكتمل بناء استاد ناصر وافتتحه الرئيس «عبد الناصر» فى عام 1960، فى أثناء احتفالات مصر بثورة يوليو «ملحوظة جديرة بالذكر: بعد وفاة جمال عبد الناصر لم يعجب البعض بفكرة أن يسمى الاستاد باسم زعيم ثورة يوليو، فقرر بجَرّة قلم أن يطلق عليه اسمًا جديدًا هو استاد القاهرة».هذه هى بعض من معالم وليس كل ما حققته ثورة يوليو لشعب عانى من الفساد والرشوة والمحسوبية، ومن ظلم وتعنت وجبروت الملك وأعوانه المحسوبين عليه من الإقطاعيين والرأسماليين الذين استباحوا عرَق الفلاح وكرامة العامل. ثورة رسخت لقيَم عديدة، يأتى فى مقدمتها حب الوطن ولا شىء سواه.

شارك الخبر على