يوم النهضة الخليجية

ما يقرب من ٦ سنوات فى الشبيبة

فريد أحمد حسنالساعون للمصالحة بين شخصين متخاصمين، شقيقين أو صديقين أو زميلين أو زوجين، يركّزون عادة على الجانب العاطفي ويوظّفون ما يحفظون من آيات كريمة وأحاديث شريفة تحض على ذلك، فتحدث المصالحة المطلوبة وتعود المياه إلى مجاريها. لكن هذا الأسلوب لا ينفع في المصالحة بين دولتين اتخذتا قرارا بمقاطعة بعضهما البعض؛ فالخصام بين الدول ليس كالخصام بين الأفراد، وكذلك المصالحة بينها. والساعون لإحداث مصالحة بين دولتين أو مجموعتين من الدول يدركون أن أداة العواطف وغيرها من الأدوات المستخدمة في إحداث مصالحة بين الأفراد لا تأثير لها عند العمل على إحداث المصالحة المطلوبة، فالأداة الفاعلة هنا هي أداة المصلحة والمكاسب التي يمكن أن تتحقق من المصالحة، والدليل هو أن المصالحة إن تمت فإن العلاقات تعود إلى سابق عهدها وأفضل مما كانت عليه وغالبا بسرعة البرق وكأن شيئا لم يكن.مثال ذلك المصالحة الأخيرة التي تمت بين دولتي إثيوبيا وإرتيريا اللتين استمرتا في حرب امتدت إلى عقدين وتكبدتا بسببها خسائر بشرية ومادية كبيرة. ما حدث وأدى إلى إعادة العلاقات فيما بينهما وتبادل الزيارات بين رئيسيهما والاتفاق على تنفيذ مشاريع يعود نفعها على البلدين هو أن الذين عملوا على إحداث المصالحة عملوا على تبيان المكاسب التي يمكن أن تتحقق لو تمت المصالحة واجتهدوا في توسيع المساحة المشتركة بينهما حتى وصلوا إلى إقناع الطرفين بأن المشترك بينهما أكبر وأن إعادة العلاقات وتطويرها سيعود بالخير على البلدين والشعبين.الخلاف بين الدول أمر وارد في كل حين، وإعلان أي دولتين قطع العلاقات فيما بينهما ممكن الحصول دائما، وعليه فإن حصول العداوة بينهما أمر وارد أيضا، ويحدث أن القطيعة تمتد في بعض الحالات إلى سنين وعقود، ولكن يحدث أيضا أن تتبيّن الدولتان المتخاصمتان أن المصالحة أفضل لهما من المقاطعة والخلاف والعداوة فتحدث المصالحة التي تتم عادة من خلال وسطاء يتدخلون ويعملون على تحقيقها مستفيدين من المساحة المشتركة والتي يعملون على توسيعها. واقع الحال يقول إن المشكلة بين الطرفين في ازدياد وأنها تتعقد وأن الأمور تسير في غير الطريق الذي تتمناه شعوب مجلس التعاون والشعوب العربية، لكن هذا لا يعني أن إنهاء المشكلة أمر غير قابل للتحقق خصوصا إن تم تغليب المصالح وتمّ تبيّن المكاسب التي يمكن أن يجنيها الآخرون المستفيدون من الخلاف والمقاطعة، فهناك دائما من يستفيد من الخلاف والمقاطعة بين أي دولتين أو مجموعتين، وهناك دائما من يتضرر من حصول المصالحة بينهما.الخلاف الخليجي الخليجي يستفيد منه البعض، لهذا لا يدفع هذا البعض في طريق إيجاد حل لها لأن في هذا خسارة له فيدفع بدلا عن ذلك في تأجيج الصراع وتوسيع الخلاف وتكريس المقاطعة. وسواء كان المستفيدون من الخلاف والمقاطعة هنا أفرادا أم مؤسسات أم دولا فإنهم جميعا يدفعون في اتجاه ضمان مصالحهم لا مصالح الدول المتخاصمة والمتقاطعة ويعملون على تزيين المقاطعة وبيان سلبيات التصالح كي لا يخسروا، وهذا أمر طبيعي ومنطقي. مشكلة الخلاف الخليجي الخليجي أنها تتعقد بسبب الدخول في التفاصيل وبسبب تدخل الجميع فيها، شعوب الدول المختلفة، والدول التي لها مصالح في المنطقة، وهذا يجعل من توسيع المساحة المشتركة أمرا صعبا ويجعل من تغاضي الدول المتخاصمة عن بعض الأمور أمرا شبه مستحيل، ولهذا لا يوجد حتى الآن ما يبشر بأن في الأفق حلا يُعيد المنطقة إلى ما كانت عليه حتى مع استمرار الوساطة الكويتية وحرص صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت على الوصول إلى نهاية مفرحة ببيان حجم المكاسب التي يمكن تحقيقها لو حدثت المصالحة المنشودة.من الأمور التي ينبغي التركيز عليها والاستفادة منها بتوظيفها في عملية إيجاد حل لهذه المشكلة أن شعوب الدول الأطراف فيها وإن كان من الطبيعي أن تقف إلى جانب الدول التي تنتمي إليها وتدافع عنها إلا أنها في قرارة نفسها تأمل حصول المصالحة المطلوبة وفي أسرع وقت ممكن، فهي تدرك أن ما حصل لا يخدم الدول ذات العلاقة ولا يخدم المنطقة ويتسبب في هدم كثير من الذي تم بناؤه على مدى أربعة عقود هي عمر مجلس التعاون. هذه الشعوب تأمل أن يتم في السنوات التالية الاحتفال باليوم الذي تتم فيه المصالحة تحت أي مسمى، تماما مثلما تحتفل كل دولة بيوم عيدها الوطني، ومثلما تحتفل سلطنة عمان بيوم النهضة الذي يعتبر مثالا على إمكانية الإنسان الخليجي تحقيق الكثير مما يعتقد أنه صعب التحقق، فما تحقق في السلطنة بدءا من ذلك اليوم ينبغي الاسترشاد به، ففيه تغيّر حال السلطنة من حال إلى حال، وفيه وفّر صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم المثال على قدرة الإنسان على فعل المستحيل إن توفّر العزم وتوفّرت الهمّة.فهل تحتفل دول التعاون ذات يوم قريب بيوم النهضة الخليجية؟كاتب بحريني

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على