في ذكرى ثورة يوليو.. خطة أمريكا وبريطانيا للإطاحة بــ جمال عبدالناصر

ما يقرب من ٦ سنوات فى الموجز

مصراوي - كتب - محمد الصباغ:
تحل اليوم الاثنين، الذكرى السادسة والستين لثورة 23 يوليو عام 1952، وبعد أيام قليلة سوف تحل ذكرى القرار التاريخي للرئيس جمال عبدالناصر بتأميم شركة قناة السويس في عام 1956.
خلال أيام الثورة؛ تم إصدار عدد من القرارات من مجلس قيادة الثورة بقيادة الرئيس محمد نجيب على رأسها قانون الإصلاح الزراعي، ليلتف الشعب حول القيادات العسكرية التي تقود دفة البلاد لأول مرة بعد عقود سيطر خلالها غير مصريين على حكم البلاد، آخرهم الملك فاروق أحد أفراد أسرة محمد علي الذي ولد في ألبانيا، وأسس الدولة المصرية الحديثة.
بعد أربع سنوات فقط من الثورة وبعد الإطاحة بنجيب وتولي الزعيم عبدالناصر مقاليد الحكم في مصر، أصدر قرار تأميم قناة السويس في خطاب المنشية الشهير بالإسكندرية، حيث انتظر 30 شخصًا أمام مكاتب شركة قناة السويس في انتظار كلمة السر التي سينطقها عبدالناصر من أجل توقيف الموظفين الأجانب المسئولين عن حركة الملاحة في قناة السويس، وإحكام سيطرة الدولة المصرية على القناة التي تتحكم في صادرات النفط المتجه إلى الغرب.
كانت الأجواء احتفالية في الإسكندرية وأنحاء مصر كافة، لكن في لندن كان الوضع على النقيض، فقد كان القرار قد اتخذ بالفعل، وبدأ التخطيط لإسقاط جمال عبد الناصر والضغط على مصر بواسطة مجموعة من الخطوات تم إدراجها على الموقع الرسمي للحكومة الأمريكية، وأظهر فيديو وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية الحكومية "بي بي سي" أن الغضب البريطاني والعمل ضد عبد الناصر وصل إلى حد التخطيط لقتله.
تبع ذلك العدوان الثلاثي على مصر بواسطة إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، والذي فشل بعد المقاومة الشعبية الكبيرة في مدن القناة، وارتكبت القوات الغازية آنذاك مذابح كبيرة لتخرج الولايات المتحدة آنذاك في هجوم ضد بريطانيا ورئيس وزرائها آنذاك أنطوني إيدن.
انتهى العدوان وبعده اختفت بريطانيا كقوة عظمى في العالم، وحلت بدلاً منها الولايات المتحدة الأمريكية، وتوحد تقريبًا الرأي العام العالمي ضد المملكة المتحدة، لدرجة أن وقفت واشنطن آنذاك لتجبر بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على سحب قواتهم من مصر، وسط تهديدات من الاتحاد السوفيتي بالتدخل.
كان التدخل العسكري من بريطانيا الخطوة الأخيرة بعد تنفيذ خطة مع الولايات المتحدة الأمريكية بهدف إضعاف جمال عبدالناصر وصعوده السريع في ذلك الوقت والحد من مواقفه سواء تجاه إسرائيل أو بعد تأميم قناة السويس. وكشفت وثائق لوزارة الخارجية الأمريكية تعود لتاريخ مارس من عام 1956، وأغسطس من نفس العام طريقة الضغط الذي تنفذه الدولتان على مصر من أجل إضعاف حكومتها الجديدة ومجموعة الضباط الشباب.
"الخطة أوميجا"الصورة 1
تحت اسم "أوميجا" تكشف الوثائق الأمريكية التي تعود إلى 28 مارس من عام 1956، السياسة الأمريكية البريطانية المشتركة نحو مصر والجهود التي سيبذلونها من أجل إجبار عبدالناصر على تغيير سياسته المعادية لإسرائيل، وأيضًا منعه من التعاون مع الاتحاد السوفيتي، في وقت كان قد عقد اتفاقات تسليح مع الجمهورية الشيوعية آنذاك.
ونصت الوثيقة على أن السياسات الواجب اتباعها بالتعاون مع المملكة المتحدة بخصوص مصر تشمل عدد من النقاط.
1- نصت على أن بريطانيا وأمريكا ستتوقفان عن تصدير الأسلحة إلى مصر سواء للحكومة أو لأغراض تجارية.
2- ستستمر الولايات المتحدة مع بريطانيا في تأخير إنهاء المفاوضات حول تمويل بناء السد العالي.
3- ستعطل الولايات المتحدة قرارها بخصوص مطالب مصر بشأن القمح والنفط.
4- تؤجل الولايات المتحدة أيضًا القرار بشأن برنامج المساعدات لمصر لعام 1956 (وكان العام الذي سبق ذلك شهد مساعدات بلغت قيمتها 40 مليون دولار)، وربما أيضًا توافق واشنطن فقط على مبلغ 8 مليون دولار عن الربع الأول من العام، دون البت في بقية مساعدات العام.
5- سيتم تزويد العراق بتقنيات إذاعية قوية وممتدة لمواجهة البث المصري.
ووفقًا لما جاء بكتاب سيمون سي سميث "إعادة نظر لما حدث بالسويس: آراء حول الأزمة وتوابعها"، ففي أبريل من عام 1956 وتنفيذًا لخطة "أوميجا"، أجلت الولايات المتحدة وبريطانيا المساعدات المفترض وصولها إلى مصر، وفي نفس الوقت قدمت مساعدات إضافية لما يسمى بحلف بغداد، الذي يضم العراق وتركيا وإيران وبريطانيا لمواجهة النفوذ السوفيتي الشيوعي في المنطقة.
وفي مايو، بدأ التحرك وفق الخطة الأمريكية البريطانية بشكل مكثف، حيث بدأت واشنطن بدعم المملكة العربية السعودية كمنافس لمصر وخططت لانقلاب في سوريا بدعم من العراق.
وبحسب "سيمون سميث"، فمن بين الخطوات الأمريكية كان التلكؤ ثم رفض منح مصر القرض الذي تريده من أجل بناء السد العالي وهو المشروع القومي الكبير، وذلك من أجل تقويض حكم عبد الناصر.
ووفقًا لسميث ووثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية يحمل اسم "الجانب الآخر من السويس" أو "The Other Side of Suez"، فإن الهدف من ذلك كان إثارة الرأي العام في مصر ضد عبد الناصر من أجل الإطاحة به.
وبحسب الوثائقي البريطاني فإن رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدن عمل على إقناع الرأي العام البريطاني أن عبدالناصر يمكن الإطاحة به بعد تراجع شعبيته، وكان على خطأ.
وكانت خطوة رفض تمويل مشروع السد العالي هي المحرك الرئيسي لقرار الرئيس جمال عبدالناصر نحو تأميم شركة قناة السويس، وهو ما تبعه العدوان الثلاثي على مصر والذي أطاح برئيس الوزراء البريطاني وأنهى حياته السياسية.
أشار وثائقي بي بي سي أيضًا إلى أن "إيدن" أوهم البريطانيين بأن عبدالناصر سوف يسقط وأن الشعب سوف يرحب بعودة القوات البريطانية مرة أخرى في مصر، واعتمد في ذلك على اسم عميل مخابرات غير موجود بالأساس.
"عبدالناصر وقوة بلا حدود"
على موقع الحكومة الأمريكية وفي القسم الخاص بالوثائق التاريخية، نجد تفصيلًا للسياسة الخارجية الأمريكية ولم يُكتب عليها نحو مصر أو الشرق الأوسط، بل السياسية الأمريكية المتعلقة بعبدالناصر.
تحمل الوثيقة التابعة لوزارة الخارجية تاريخ الرابع من أغسطس عام 1956. وفيها أبرزت الخارجية الأمريكية أن هناك مشكلة تواجه واشنطن بعد خطاب تأميم قناة السويس في 26 يوليو من العام ذاته.
وحذرت الخارجية الأمريكية آنذاك من أنه بات واضحًا أن عبدالناصر ينوي استغلال كل موارد العالم العربي، وخصوصا قناة السويس والنفط، والموارد والاضطرابات في القارة الإفريقية، بجانب دعم المستمر للمسلمين في إندونيسيا والصين وسيام وبورما ومناطق أخرى، في إدارة ناجحة لنفوذه من أجل الحصول على "قوة بلا حدود".
كما حذرت أيضًا من أن عبدالناصر لا يطمح ليكون دمية في يد السوفييت بل لإقامة "قوة ثالثة" في المنطقة بعيدًا عن الشرق أو الغرب، مشيرة إلى أن ذلك ضد مصالح الغرب والكرملين أيضًا.
وبإضافة ما حدث بعد العدوان الثلاثي ونجاحه في إدارة معركة السويس، لا يمكن –بحسب الوثيقة- أن تضيع الولايات المتحدة أو بريطانيا اي وقت في تنفيذ سياسات تهدف إلى التقليل من نفوذ عبدالناصر كقوة في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وأبرزت الوثيقة عدد من الخطوات السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تؤدي إلى تنفيذ الأهداف الأمريكية والبريطانية.
أول هذه الخطوات هو تقوية حلف بغداد وخصوصا العراق، وأيضًا تقليل الدعم لإسرائيل حتى لا يتم الرد على ذلك من الجانب المصري بشكل عنيف.
أما الأمر الثاني فكان العمل على إقناع الأردن ولبنان برغبة واشنطن في مساعدتهم اقتصاديا وبعد المساعدات العسكرية القليلة. بجانب أيضًا السعي نحو تهدئة التوتر بين الملك سعود والهاشميين في الأردن والعراق.
أما اقتصادياً، فقد أشارت الوثيقة الأمريكية إلى أن واشنطن ولندن يجب عليهما إنهاء عمليات  بيع المعدات العسكرية لمصر تمامًا، إلى جانب العمل على إقناع الدول "الصديقة" على اتخاذ نفس الموقف.
أيضًا أوصت الخارجية بضرورة عدم التشجيع على السياحة في مصر من أجل الضغط على القاهرة التي تعتمد بشكل كبير على السياحة في الحصول على العملة الصعبة.

شارك الخبر على