شمس العرب الساطعة

ما يقرب من ٦ سنوات فى الشبيبة

أحمد المرشدمرّت 66 عاما على ثورة 23 يوليو التي قادها الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر وما زلنا نحصد ثمارها بما فعله لمصر والعرب وكل الدول التي عانت من نير الاستعمار الأجنبي الذي ابتلع ثروات تلك الدول واستعبد شعوبها. فإذا كانت دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا تحيا مستقلة في وقتنا الراهن وتملك قرارها واستقرارها، فهذا يعود إلى شخص واحد لن يتكرر في التاريخ، وهنا نقول ومعنا كل الحق إن التاريخ توقف عند جمال عبدالناصر الذي نجح في هز ركائز الاستعمار في العالم حتى تعالت أصوات كل الشعوب المحتلة تنادي باسمه بأعلى صوتها.. وإذا كنا نقول إن كثيرا من دول العالم باستثناء بعض الدول العربية ما تزال تحصد ثمار ثورة يوليو، إلا أن واقعنا الأليم في قلب منطقتنا العربية في هذه الآونة يجعلنا نشعر بالألم من هول مأساتنا بسبب غياب ناصر عنا، ويكفي أن الصحافة المصرية عن بكرة أبيها تذكرت ناصر وأفردت له معظم أعدادها في ذكرى يوليو الحالية، وكانت قبل أشهر وتحديدا في 15 يناير الفائت تحدثت طويلا عن الزعيم خالد الذكر حيث رافق هذا التاريخ الذكرى المئوية لميلاده.66 عاما مرّت على ثورة يوليو وما زلنا نستمع لصوت جمال عبدالناصر، الصوت الذي ملأ الزمان العربي وكل فضاءات الكون وبشّرنا بقدوم مارد بقامة أمة عربية حرّك الشعوب ومشاعرها، فما زلنا نستمع للصوت الذي أذن بعصر عربي جديد، فهو الصوت الذي تغنى بالأمل وأعلن استقرار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.. إنه ناصر الذي أجمعت عليه الشعوب العربية التواقة للسلام ليكون زعيمها للأبد بلا منافس، فالكل اتفق على حبه مهما اختلفوا معه، حتى الذين هاجموه وهجوه بأقذع الأوصاف في حياته عادوا وكتبوا فيه قصائد المديح، فلم يكن غيابه مدعاة للشماتة بل لعودة وعيهم.. لقد قلّب الجميع في صفحات تاريخ ناصر بحثا عمّا كتب معاصروه سواء محبوه وحواريوه أو أولئك الذين اختلفوا معه ثم اعترفوا بأمجاده التي تبقى حتى الآن خالدة مثله لتخلد سيرته حتى وإن كانوا كتبوا عن أخطائه. فناصر هو الزعيم الذي وصفوه بربيع الأمة الدائم، وبالغصن الباسق عاليا، هو من يبحثون عنه في كل مكان لعله يعود لينقذهم من عذاباتهم الآنية، فكل العرب يحدوهم الأمل في رمز يُعيد لهم ناصر لتعود لهم كرامتهم وعزتهم.إنه ناصر صاحب الشعار «ارفع رأسك يا أخي» الذي هز أركان العالم ليُعيد للمصري كرامته وحريته وحياته، الشعار الذي سمعه الملايين من العرب ودول آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، ليسيروا وراءه حيث كانوا متعطشين لأفق جديد يكون بديلا لحياة القهر والظلم واليأس والاستبداد، وعندما سمعنا نحن العرب بهذا الشعار عادت لنا بسمتنا وبدأنا كتابة تاريخنا من جديد، فكان الشعار عابرا لحدود الجغرافيا لنستقبل غدنا بأمل أصبح واقعا ولتكون يقظتنا متجددة في ظل عودة الشمس وضوئها الساطع إلى منطقتنا.وربما نستعين بمواقف ناصر حيال قضية عربية جوهرية وهي رغبة الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة دوايت أيزنهاور العام 1957 في التحكم بالقرار السوري بحجة أن الشيوعيين يسيطرون على مقاليد السلطة في دمشق وهذا يقربهم من روسيا غريم أمريكا التقليدي في ذاك الوقت.. فقد رأى ناصر في حواره مع محمد حسنين هيكل نشرته صحيفة الأهرام في التاسع من سبتمبر 1957: «أن المواقف المعادية التي تتبنّاها أمريكا حيال سوريا سببها إسرائيل، وأن الهدف الحقيقي للسياسة الأمريكية هو التخفيف عن الدولة العبرية وتحويل الأنظار عنها، وتوجيهها إلى أهداف أخرى تتماشى مع مصالح السياسة الأمريكية.. وأن أمريكا حاولت بشتى الوسائل أن تجر العرب إلى صلح مع إسرائيل، فلما فشلت هذه الوسائل، جاء دور الوسيلة الجديدة: إيجاد أخطار أخرى، حتى ولو كانت أخطارا صناعية حتى يتفتت الإجماع العرب وتتفرق قواه.. فبدأت عملية التخويف بنغمة الخطر الشيوعي، ثم بدأ التركيز على مصر وسوريا، ثم اتجهت كل قوى الضغط مرة واحدة إلى سوريا، ثم ألقيت بضعة ملايين من الدولارات، تطبيقا لمشروع أيزنهاور لتكون بمثابة الطعم الذي يلقى الصيد، هذا في نفس الوقت الذي تجري فيه عملية التخويف، جنبا إلى جنب مع عملية الإغراء.. وقد كان ذنب سوريا في نظر السياسة الأمريكية أنها لم تركع تحت أقدامها كما ركع غيرها ولم تأتمر بأمرها، ولهذا تعرّضت دمشق لكل هذا الضغط.. وشنّت أمريكا الحرب النفسية وحرب الأعصاب وهي حروب عنيفة، والحل لمواجهة مثل هذه الضغوط هو أن نبعد أي تأثير لها عن أفكارنا وخطواتنا وأن نجمع صفوفنا ونعرف طريقنا ونفعل ما نؤمن بأنه واجبنا الوطني». لقد استطاع ناصر قراءة فكر أيزنهاور مبكرا وتوقع طبيعة حربه ضد سوريا، ليعلن آنذاك وقوف مصر بجميع إمكانياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية لمساندة سوريا في معركتها، فهي معركة الجميع، معركة القومية العربية كلها.وبمناسبة مواقف جمال عبدالناصر من سوريا وبقية قضايا الأمة العربية، نعود بالذاكرة إلى يوم إعلان الوحدة مع سوريا في 22 فبراير العام 1958 حينما ألقى خطبة من ميدان الجمهورية بقلب القاهرة قال فيها: «أيها المواطنون.. الحمد لله الذي كان في عوننا دائما، ونحن نكافح من أجل الأهداف الكبرى التي نسعى إليها، والتي نعمل من أجلها.. الحمد لله الذي حقق آمال شعب سوريا وشعب مصر، ووحّد بين قلوبهم، ووحّد بين دولتيهما.. الحمد لله فبعونه قامت اليوم الجمهورية العربية المتحدة».. فكان ناصر بهذا الإعلان هو أول زعيم عربي يتجه نحو الوحدة ليؤكد نواياه الصادقة بفكره العروبي، وليحمل الكرامة والقومية في زمن عصي على الأمة العربية وقتها، فهو ناصر الذي حارب الأعداء وحده في طريق صعب ليصنع للأمة العربية مجدا لا ينكسر ولا ينتهي، وهو ناصر الذي رثاه نزار قباني عندما رحل عن دنيانا قائلا: «أكبرت يومك أن يكون رثاء/ الخالدون عهدتهم أحياء/ أَوَيُرزقون؟ أجل، وهذا رزقهم/ صنو الوجود وجاهة وثراء/ صالوا الحياة، فقلت دَيْنٌ يقتضى/ والموت قيلَ فقلتُ كان وفاء/ أثنى عليك وما الثناء عبادة/ كم أفسد المُتعبّدون ثناء/ لا يعصم المجد الرجال وإنّما/ كان العظيم، المجد والأخطاء/ قد كنت شاخص أمّة نسماتها/ وهجيرها، والصبح والإمساء/ ألقت عليك غياضها ومروجها/ واستودعتك الرمل والصحراء/ كنت ابن أرضك من صميم ترابها/ تعطى الثمار، ولم تكن عنقاء/ تتحضّن السرّاء من أطباعها/ وتلُمّ -رغم طباعك- الضرّاء/ قد كان حولك ألف جار يبتغى/ هدماً، ووحدك من يريد بناء/ لله صدرك ما أشدّ ضلوعه».. وزاد فيه الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري: «العظماء لا يموتون هم أحياء في القلوب، ويبقى ناصر خالدا في قلوب البسطاء والفقراء، وأمالهم الدائم ومهدهم الغائب ورمزهم الخالد، فكيف ينسى من أعطى الفقراء وحاول وحده صناعة مجد وطن وأمة رغم حصار الأعداء».قبل الأخير: يوم النهضة العماني....وتمرّ أيضا 48 عاما على الثالث والعشرين من يوليو 1970 على شعب عُمان الشقيق ليعايشوا خلالها صورة بلادهم في أبهى مكان، صورة مشرقة دوما لبلد وجد ليعيش مواطنوه الحضارة الدائمة، صورة تسر القلوب والنفوس، صورة لا تغيب عن مخيلتهم أبدا، لأنها واقع جميل مثل الحلم الذي يريد صاحبه ألا يستيقظ حتى يعيشه دائما ويحقق فيه كل أمانيه، فكل الأماني تحققت منذ يوم النهضة الذي بدأ في مثل هذا اليوم من العام 1970، فالشعب العُماني بفضل من الله وحكمة من جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان يعيش نموذجا فريدا للدولة الحضارية التي تواكب كل عصر بأبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.. وهو النموذج أو لنقُل الدولة التي أسسها السلطان قابوس وتتناغم فيها الأهداف بفعل تطبيق فكر القيادة الحكيمة حتى تغطي النهضة الحقيقية المجتمع كله، ليعيش العُمانيون 48 عاما من الخير والعطاء والتنمية المستدامة، ليكون يوم النهضة اسما على مسمى بكل معانيه الحضارية.عُمان الحضارة والتاريخ. ألف مبروك وإلى الأمام بقيادة السلطان قابوس المعظم.كاتب ومحلل سياسي بحريني

شارك الخبر على