كتب ملعونة .. إننا نناقش كيف ينبغي أن يعيش الإنسان

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

ثلاثية الجنس.. الدين .. السياسة
 علــي حســين
| 7   |
في الرابعة والخمسين من عمره وجد نفسه منفياً الى فرنسا، فالأحوال السياسية في البلاد لاتطمئن، والكنيسة والبرلمان يلاحقان كل من يطرح رأياً مخالفاً، كان توماس هوبز آنذاك يخطط لإصدار كتاب ضخم عن السلطة وعلاقتها بالناس بعنوان"اللوياثان"، وفي هذا الكتاب أراد أن يُشبه السلطة المطلقة بالتنين ذلك :"الحيوان الضخم الذي يُرهبه الجميع، ولا يكاد يشبه أي مخلوق آخر على سطح الأرض". في سيرته الذاتية التي كتبها بنفسه، يخبرنا توماس هوبز أن والدته التي وضعته في العاشر من حزيران عام 1588، ويخبرنا ان أمه وضعت معه توأماً آخر اسمه الخوف، وهو الذي رافقه طوال حياته التي امتدت لأكثـر من تسعين عاماً.
كان والده قساً، أختفى من المدينة بعد مشاجرة حدثت بينه وبين أحد القساوسة، فضربه واضطر الى أن يغادر المدينة ولم يره أحد بعد ذلك، فقرر أحد أعمامه أن يتولى تربيته، فأدخله إحدى المدارس الدينية، إلا أن الصغير لم يجد رغبة في هذا النوع من التعليم، فانتقل بعد أن بلغ الخامسة عشرة من عمره الى أكسفورد ليدرس المنطق وعلم الطبيعة، لكنه أيضاً لم يجد في الفلسفة ومقولات أرسطو وأفلاطون أجوبة على أسئلة كانت تدور في ذهنه عن الدولة المدنية، وفلسفة الحكم والعلاقة بين الدين والسياسة يكتب في اللوياثان :"كانت الفلسفة الطبيعية التي تعلمها المدارس حلماً أكثر منها علماً، فضلاً عن أنها تصاغ في لغة ميتة لامعنى لها.. وأنا اعتقد إنه يندر أن تجد شيئاً أشد سخفاً، يمكن أن يقال في الفلسفة الطبيعية أكثر مما يسمى باسم ميتافيزيقيا أرسطو، ولا شيء أشد نفوراً عن الحكومة أكثر مما قاله في كتابه السياسة، ولا أشد جهالة من القسط الأكبر من كتابه الأخلاق". يقرر أن يغادر الجامعة ليعمل معلماً خاصاً لأحد أبناء كبار اللوردات الانكليز، وقد أتاح له عمله هذا أن يسافر مع عائلة اللورد الى الكثير من بلدان أوروبا، ويطلع على أحدث الكتابات الفلسفية، وأثناء إحدى سفرياته الى باريس وقع بين يديه كتاب"هندسة إقليدس"، فوجد نفسه لأول مره أزاء علم دقيق أثار اهتمامه، حيث لم تكن لديه أية فكرة عن علم الرياضيات، فمناهج التعليم في انكلترا آنذاك كانت تعد الرياضيات بمثابة بدعة شيطانية، وقد ساعدته دراسته للرياضيات، بأن يقرر إن المعرفة قوة، وإن للفلسفة قيمة علمية، وإن الطبيعة والإنسان – لا الله – هما موضوعا البحث الفلسفي.في العام 1634 يسافر الى إيطاليا حيث يلتقي بالعالم غاليلو غاليلي الذي أوحى اليه بفكرة تطبيق المنهج الهندسي على علم الأخلاق، أما في باريس الذي وصل إليها بعد الانقلاب على الملك تشارلز الأول، وعاش فيها حوالي أحد عشر عاماً، حاول ان يدرس أسباب الثورة التي قامت في بلاده، وهناك ينضم الى مجموعة من المفكرين، حيث وجد نفسه وجهاً لوجه أمام الفيلسوف رينيه ديكارت فيكتب نقداً عن كتابه"تأملات ديكارتية"، ينكر فيه على ديكارت بعض أفكاره اللاهوتية، فقد كان هوبز مادياً ولم يكن يتصور الكون كله إلا مادة أو جسماً يتحرك، وعلى ذلك لم يقبل ثنائية ديكارت بين الروح والمادة.. في باريس أيضاً خاض معركة مع أحد الأساقفة حول موضوعة حرية الإرادة، وقد لخص هوبز هذه المعركة بأبيات من الشعر جاء فيها : كانت المشكلة ولا تزال،أنختار بإرادتنا أم بإردة الله،وكانت مشكلة ناتجة عما تقدم،أما هو فقد اتبع المدارس، أما أنا فاستخدمت عقلي.في عام 1942 يصدر هوبز كتاباً صغيراً بعنوان الدولة أو المجتمع السياسي، يؤكد فيه تعارض حالة الطبيعة أو الفطرة مع الحالة الإنسانية، ونادى فيه بضرورة إعطاء السلطة السياسية الحق في تنظيم الأمور الدينية وعمل الكنيسة، وقد سبّب له هذا الكتاب عداء رجال الدين في انكلترا وفرنسا، الذين وجدوا فيه تعريضاً بسلطة البابا، عام 1951 تنتهي سنوات النفي ويعود هوبز الى انكلترا، ليتفرغ لإكمال مؤلفاته، يصدر له كتاب عن المادة يتضمن آراءه في الظواهر الطبيعية، وبعدها بثلاث سنوات يصدر كتاباً اخرا بعنوان"في الإنسان"يدرس فيه سايكولوجية اللغة والعواطف، بعدها يصدر كتابه الاهم"اللوياثان أو التنين"الذي أثار حفيظة البرلمان الانكليزي والكنيسة بنفس الوقت، فصدر قرار يمنع هوبز من إصدار أي مؤلفات أخرى في الفلسفة أو السياسة، ليضطر في آخر أيام حياته الى العودة للاهتمام بالدراسات الأدبية، يترجم الى الانكليزية الإلياذة والأوديسة، وينشر سيرته الذاتية، ليتوفى في الرابع من كانون الثاني عام 1679..يطلق جون لوك لقب الفيلسوف المغامر على هوبز ويكتب :"لقد أبدى هوبز شجاعة ملحوظة في نشر أفكاره كان يعلم إنها ستثير ضده السلطات الكنسية والسياسية معاً.. والحق إنه لم يرتعد قط وهو يدخل معارك فكرية بالغة العنف والقوة، ولم يشعر بوهن وهو يكيل الضربات المتلاحقة للكنيسة ورجال الدين والفكر الأرسطي وأنصاره". *********الدفن على طريقة فولتير
عندما قرردينيس ديدرو وضع أول موسوعة في العالم عن العلوم والفنون، طلب من صديقه الشاب روسو أن يكتب مقالات في الموسيقى والاقتصاد السياسي، مقابل فرنكات تعينه على دفع أجرة الفندق البائس، إلا أن الحال لم يستمر طويلاً حيث سجن ديدرو بتهمة الإلحاد بعد نشر كتابه الشهير"رسالة الى العميان"، الذي دافع فيه عن فلسفته الماديّة، مجاهراً بإلحاده، حيث أراد أن يثبت من خلاله أن أفكارنا عن الصواب والخطأ ليست مستمدة من الله، بل من خبرتنا الحسية، بل وحتى فكرتنا عن الله يجب تعليمها، وهي أيضاً مثل فكرتنا عن الأخلاق، نسبية متنوعة، وإن وجود الله مشكوك فيه لأن البرهان على أصل الوجود فقد كثيراً من قوته.وقد أثار الكتاب ضجة، دفعت فولتير الى أن يرسل له رسالة حماسية يقول فيها :"قرأت في سرور بالغ كتابك الذي يذكر الشيء الكثير ويوحي بشيء أكثر. وكنت منذ أمد أقدرك أعظم التقدير، بقدر ما أحتقر أولئك الأغبياء الذين ينقصون من قدر ما لا يفهمون، ولكني أعترف لك أني لست من رأي صاحبك الأعمى الذي ينكر وجود إله، لأنه ولد أعمى. وربما كنت مخطئاً، ولكن لو أني في مكانه لاعترفت بوجود كائن أعظم بارع وهبني إضافات كثيرة تكمّل البصر. أود من كل قلبي أن أتحدث إليك، وليس يهمني أن تعتقد إنك واحد من مخلوقاته، أو إنك جزء دقيق التنظيم من مادة أبدية ضرورية. وقبل مغادرتي لونفيل أرجو أن تشرفني بتناول عشاء فلسفي معي، في داري بصحبة بعض الحكماء".ويرد عليه ديدرو قائلاً :"سيدي الأستاذ العزيز: إن اللحظة التي تسلمت فيها خطابك من أسعد لحظات الحياة، ليس يهمني مطلقاً أن تؤمن بالله أولا تؤمن به، لقد قال مونتاني إن العالم كرة تخلى عنها الإله للفلاسفة ليهيموا على وجوههم مطوفين حولها".، وبسبب هذا الكتاب قامت الشّرطة باقتياد ديدرو إلى السّجن، فقرر روسو أن يزوره، ولأنه لم يكن يملك أجرة الباص، قرر أن يذهب مشياً، وفي الطريق يقف عند أحد بائعي الصحف فتقع عيناه على إعلان عن مسابقة طرحتها أكاديمية الفنون، وكان الموضوع عبارة عن جواب للسؤال التالي :"هل أسهم تقدم العلوم والفنون في إفساد الاخلاق أم في تهذيبها؟"يخبرنا روسو في اعترافاته :"في لحظة قراءة هذا السؤال، رأيت عالماً آخر، وغدوت إنساناً آخر". ولد"دينيس ديدرو"في الخامس من تشرين الأول عام 1713 في مدينة لونكريه بفرنسا. وكان ذلك بعد سنة من ميلاد جان جاك روسو. أدخله والده أحد المدارس الدينية ليصبح قساً، لكنه تركها بسبب سوء معاملة رجال الدين للطلبة، بعدها اتجه لدراسة القانون، لكنه لم يستمر به طويلاً، وقال لوالده انه لا يريد أن يصبح محامياً، وحين سأله ما هي المهنة التي يرغب بها، أجاب :"إني أهوى المطالعة، ولا شيء سواها اقترحه لنفسي، لأني لا أطمع بشيء أكثر"، بعدها يعمل في التدريس، وكانت مهنة متعبة بالنسبة له، فتركها ليعمل في عدد من المهن، عام 1741 يصبح حاسماً في حياته حيث يلتقي بشاب جاء الى باريس من الريف ليجرب حظه في المسرح، كان هذا الشاب اسمه جان جاك روسو الذي ارتبط معه بصداقة وثيقة منذ ذلك التاريخ.كان ديدرو يشبه نفسه بالريح، فهو دائم الإندفاع نحو الاطلاع على أي نوع من أنواع المعرفة، عام 1749 ينشر مقالاً يتساءل فيه عن العمى لمنفعة من يبصرون، وفيه يطرح موضوعاً مهماً حول أهمية أن تعود المعرفة الإنسانية الى التجربة، وإن الأفكار ليست مقياساً للوجود، كما أن فهم رأي من الآراء وإدراكه لايمكن أن يصبح برهاناً عليه، وإن التجربة الإنسانية لايمكن أن تكون الحد النهائي لحقيقة وجود الكائنات، وهي الأفكار التي دفعت السلطات الفرنسية الى إلقاء القبض على ديدرو وإيداعه السجن، وفي السجن كان يخطط لإصدار موسوعته الشهيرة، التي كانت فكرتها قد ظهرت لأول مرة عندما اقترح عليه أحد تجار الكتب القيام بترجمة قاموس فلسفي من الانكليزية الى الفرنسية، لكن ديدرو اقنعه بأن يجمع مقالات مختلفة بأقلام رواد الفكر في ذلك العصر وإصدارها في مجلدات متسلسلة لتصبح موسوعة تمثل الآراء الجديدة في الفلسفة والعلوم والآداب، ليصدر الجزء الأول عام 1748 ولتستمر في الإصدار أكثر من ثلاثين عاماً، حيث صدر منها خمسة وثلاثين مجلداً، كتب فيها روسو عن الموسيقى وعن الاقتصاد، وقدم مونتسكيو مقالاً عن الذوق، ونجد فولتير يكتب في القسم الأدبي، فيما كتب ديدرو عن الطبيعة، حيث طرح آراء في النشوء والتطور سبقت نظرية داروين، وقد أثارت الموسوعة حفيظة الكنيسة،التي وجدت فيها موضوعات علمية تستهدف الهجوم على الدين، الأمر الذي دفع مجلس الدولة الى إصدار أمر بمنع الموسوعة عام 1752.. كانت الموسوعة صرحاً للمعرفة شاركت فيه أكبر العقول، حيث سعى ديدرو من خلالها الى إبراز المعارف الجديدة، مستهدفاً زعزعة مجتمع مدفون في ماضي مغبر، وقد بلورت الموسوعة فلسفة الأنوار التي شهدت بروز النهضة الأوروبية الحديثة، بعدها أصدر ديدرو كتاباً بعنوان"اعترافات راهبة"وجه فيه نقداً شديداً للأديرة.. وقد أثار الكتاب سخط الكنيسة فتم منعه وسحبه من المكتبات، ولم يعاد طبعه إلا بعد الثورة الفرنسية حيث اعتمده رجال الثورة في إصدار مرسوم الأديرة. عام 1784، يعاني ديدرو من آلام في المعدة، لم تمهله طويلاً، وأثناء مرضه زاره أحد القساوسة طالباً منه أن يعلن توبته، فقال له باسما :"إني أوافقك أيها السيد الخوري، لكن ذلك سيكون من جانبي كذبة وقحة لايصدقها أحد"ثم أضاف :"اسمع أيها السيد، إني أفهم جيداً ما تعني، لقد رفضت حضرتك من قبل دفن فولتير، لأنه لم يكن يعتقد بإلوهية (الابن)، وهذا حسن، فاذا مت أنا، فليدفنوني أنّى شاءوا، غير إني أعلن للدنيا هنا بأني لا اعتقد، بالإضافة الى ما لم يعتقد به فولتير، لا بإلوهية (الاب)، ولا بالروح القدس، ولا بأي فرد من أفراد هذه العائلة كلها". في الثلاثين من تموز عام 1784 يتوفى ديدرو وهو جالس الى منضدة الكتابة.******* الغناء يطيل العمر
شكل هوبز صداعاً مزمناً لمعاصريه الذين اطلقوا عليه لقب"وحش ما لمسبري"نسبة الى مسقط رأسه، ووصفه رجال الدين بانه"زعيم الملاحدة ورسول الكفر"، فيما اعتبره رجال السياسة مصدر إزعاج في البلاد لا حد له، والغريب إن الكنيسة والبرلمان اعتبراه سبباً في انتشار الطاعون عام 1665، وحريق لندن الكبير عام 1666، وكانت الناس تبحث عن سبب لهذه الكوارث، فقدم لهم رجال الكنيسة كبش الفداء إنه"هوبز الملحد"حيث أشاعت الكنيسة أن كتبه وما فيها من إلحاد وهرطقة هي سبب غضب الرب ونقمته، وقد اضطر البرلمان أن يشكّل لجنة لإعداد قائمة بالكتب الملحدة، وكان كتاب"اللوياثان"على رأس القائمة بل ذهب بعض النواب الى المطالبة بحرق الكتاب ومؤلفه لولا تدخل الملك الذي أنذر هوبز بالتوقف عن الكتابة في أي موضوع يثير حفيظة الكنيسة، وفي سيرته الذاتية نتعرف على السنوات الأخيرة من حياته التي حُرِم فيها من الكتابة فقد كان يستيقظ في السابعة صباحاً، حيث يمارس رياضته المفضلة المشي وخلالها يبدأ بمناقشة بعض الأفكار في ذهنه، ثم يذهب الى البيت ليدونها بشكل سري،، وفي المساء يمارس رياضة صعود بعض التلال، ليعود بعدها يغلق عليه باب حجرته ويبدأ بالغناء بصوت عال، فقد كان يعتقد أن الغناء يفيد الرئتين ويؤدي الى إطالة العمر. يعتبر كتاب"اللوياثان"من الكتب المؤسِّسة لنظرية فلسفة الدولة، ولعله الأكثر تأثيراً في السياسة بعد كتاب الأمير لمكيافيلي، وتقوم فكرة الكتاب على أن البشر أنشأوا تقاليد سياسية للحكم والدولة استناداً إلى قدراتهم ومخاوفهم وطبائعهم الخاصة، وليس بناءً على الغيب أو تعاليم الدين، ونجد هوبز يجعل لإنسان موضوعا أساسيا للقسم الأول من كتابه، فالإنسان :"في سعيه لأن يعيش في سلام ووحدة، وفي تطلعه وميله إلى السعادة فكّر في السلطة، ولكنها (السلطة) رغبة دائمة لا تهدأ، ولا تنتهي إلا بالموت؛ والسبب في ذلك أن الإنسان لا يستطيع ضمان القوة ووسائل العيش الجيد التي يملكها الآن دون أن يقتني المزيد منها، ومن هنا نتج أن الملوك الذين يملكون السلطة الأعظم يوجهون جهودهم نحو ضمانها في الداخل بواسطة القوانين، وفي الخارج بواسطة الحروب، وعندما يتم لهم ذلك تنشأ رغبة أخرى"بعد ذلك يناقش هوبز مفهوم الدولة الذي يقسمه الى ثلاثة أنواع،"نظام ملكي"، أو"ديمقراطي"أو"فئوي"أي أرستقراطي، وهو يحدد الفرق بين هذه الأنظمة بقدرتها على تأمين السلام والأمن للشعب، وهو الهدف الذي أدى إلى إنشائها، ولما كانت أهواء البشر عموماً أقوى من عقولهم، ويشمل ذلك بطبيعة الحال الحكام، فإنهم سيرجِحون مصالحهم الخاصة على المصالح العامة إذا تعارضتا، والحل كما يرى هوبز، أن تكون مصالحهم الخاصة هي مصلحة الناس العامة.ويؤكد هوبز إن جميع المصائب والكوارث التي تلاحق الإنسان، إنما تنشأ بسبب الحروب، وهو يحدد الحروب الأهلية بشكل خاص، لأن من هذه الحروب تنشأ المذابح، والعزلة، والإفتقار الى كل شيء.لكن سبب الحرب ليس هو أن الناس يريدونها، بل لأن الناس تجهل أسباب الحرب وأسباب السلم أيضاً. فالحروب الأهلية تحول دون كل صناعة، وكل زراعة، وكل رفاهية، وكل علم، وكل أدب، وكل نشاط اجتماعي، بل انها تخلق ما هو أسوأ من هذا كله، الخوف المستمر من الموت العنيف إن الحياة"متوحِدة وفقيرة وفظة وحمقاء وقصيرة"ولهذا ينبغي الخروج من هذه الحالة، لئلا يتم دمار الجنس البشري، والإنسان يملك إمكانية الخروج من هذا الخراب، إذا ما استطاع أن يضع بنوداً للسلام يتفق عليها مع الناس الآخرين، ويناقش هوبز موضوعة التنافس على الثروات التي يجد إنها الدافع إلى النزاع والعداوة والحرب، وهو يؤكد أن الناس المعجبين بحكمتهم يملكون استعداداً للطموح، والجهل بالأسباب، والتكوين الأصلي للحق والإنصاف والقانون والعدالة يجعل الإنسان مستعدًّا لأن يتخذ من العادة والمثل قاعدة لأفعاله، والجهل بالأسباب البعيدة يجعل الناس مستعدين لنسبة كل الأحداث إلى مباشرة وذرائعية، والجهل بالأسباب الطبيعية يجعل عند الإنسان استعداداً للسذاجة؛ فيصدق أشياء مستحيلة :"حين يكون المرء متأكداً من أن هناك أسباباً لكل الأشياء التي حدثت في السابق وستحدث فيما بعد يكون في حالة قلق دائم".وبناءً على طبيعة الإنسان وغرائزه ينشئ هوبز فهماً للحق والحرية وقانون الطبيعة، فالحق بمقتضى الطبيعة هو حرية الإنسان في أن يستخدم قوته وفق ما يشاء هو نفسه من أجل الحفاظ على طبيعته، وبعبارة أخرى الحفاظ على حياته، وبالتالي في أن يفعل كل ما يرى بحكمه وعقله إنه أفضل السبل لتحقيق ذلك. والحرية هي غياب المعوقات التي تمنع الإنسان من استخدام القوة طبقاً لما يمليه حكمه وعقله. وقانون الطبيعة هو مبدأ يتخذه العقل لمنع الإنسان من فعل ما هو مدمر لحياته، أو ما يقضي على وسائل الحفاظ عليها.وكانت الدولة هي الوسيلة الوحيدة لإنشاء السلطة القادرة على الدفاع عن البشر في وجه احتياجات الغرباء، والإساءات المرتكبة بحق بعضهم، وحمايتهم حتى يتمكنوا من الشعور بالرضا، فتكمن في جمع كل قوتهم وقدرتهم باتجاه شخص واحد أو مجموعة أشخاص تستطيع بغالبية الأصوات حصر كافة إرادتهم في إرادة واحدة.ويعالج هوبز علاقة الحكومة المدنية بالكنيسة، وذلك بمناسبة أن الكتاب قد وضع في ظل حروب أهلية سياسية ودينية معقدة، فالناس كما، يقول هوبز يجب أن يطيعوا قوة تضبطهم، فلا يمكن أن تترك مصالحهم وأعمالهم لتنظم فوضوي، وهكذا تتشكل الأمم حول التعهد بين الناس لمنح طاعتهم لشخص واحد هو الحاكم وليس النظام السياسي، او الكنيسة، لأجل أن يعيشوا بسلام!. ويعطي هوبز مفهوماً جديداً حول الطاعة الضرورية التي يجب أن يقدمها المواطن لبناء الدولة، وهو بهذا يقترب من ميكافيللي الذي ربط عجلة الدولة وازدهارها بما يقدمه لها المواطنون من طاعة وتنفيذ للقانون.

شارك الخبر على