العلاقة اللبنانية السوريّة مطلوبة وليس للبنان مصلحة بالانعزال عن سوريا (بقلم جورج عبيد)

ما يقرب من ٦ سنوات فى تيار

بقلم جورج عبيد-
أثار كلام رئيس تكتل لبنان القويّ والتيار الوطنيّ الحرّ الوزير جبران باسيل، حول العلاقة الأخوية مع الدولة السورية والشعب السوريّ حفيظة تيار المستقبل بشخص رئيس الحكومة سعد الحريري. ويأتي كلام باسيل في مناسبة إطلاق اللجنة الخاصة بالنازحين السوريين في التيار الوطنيّ الحرّ. إنطلق المراقبون من كلام جبران هذا، ليتساءلوا عن معنى قول سعد عن ضرورة أن تكون للبنان علاقات طيبة مع الإخوة العرب، وتساءل هؤلاء، أليست سوريا جزءًا عزيزًا من الهويّة العربيّة، وليست دولة مؤسسة لجامعة الدول العربيّة، كما هي بشخص فارس الخوري مؤسسة إلى جانب لبنان للأمم المتحدة خلال مؤتمر سان فرانسيسكو؟ وفي الوقت عينه أليس التيار الوطنيّ الحرّ لبنانيًّا ومشرقيًّا؟ فما معنى أن يكون مشرقيًّا من دون التواصل مع سوريا كجزء تكوينيّ للمدى المشرقيّ، يخطو به التيار خطوة مؤسسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حين ذهب إلى سوريا وأقام معها قبل الرئاسة علاقة صداقة وأخوّة بعد خروجها من لبنان تجلّت بشرف وكبر نفس وإباء ذاقها الرئيس السوريّ بشار الأسد بحبّ كبير؟
منذ أشهر عديدة قال الرئيس عون لشخصية مقرّبة منه قامت بزيارته في قصر بعبدا، هل يعقل أن نقطع سلسلة جبال لبنان الشرقيّة ونرميها في البحر؟ وكان فخامته يشير إلى أن ثلاثة أرباع الحدود تربط بين لبنان وسوريا، فيما الربع مع إسرائيل ولا يبقى للبنان سوى البحرغربًا. وفي حوار مع جريدة الأخبار مع الزميل نقولا ناصيف، وبعد فتح معبر النصيب: " لإعادة فتح معبر نصيب فائدة مباشرة تعود علينا لإيجاد متنفس، يستطيع اللبنانيون من خلاله إعادة تحريك حركة التبادل التجاري البري المجمدة والمكلفة. مذ أقفل وأقفلت معه المعابر الشرقية لسوريا الموصلة إلى الداخل العربي، أُعطبت ذهاباً وإياباً حركة التبادل التجاري التي سنكون الآن في طور إعادة إحيائها من الأراضي اللبنانية إلى الداخل السوري، ومنه إلى الداخل الأردني من خلال المعبر المستعاد إلى الدولة السورية، للانتقال إلى العراق ودول الخليج العربي". فما معنى إذًا أن يبقى لبنان منعزلاً عن سوريا ككيان ونظام ودولة، وما معنى أن يصرّ الرئيس الحريري على نأي نفسه عنها ورفضه العلاقة معها، ورفض أيّ كلام يصبّ في الإطار عينه، وجعل الرفض شرطًا أساسيًّا ورابطًا لتأليف الحكومة؟ وفي هذا السياق، وخلال لقاء بين الرئيس حسين الحسيني وصديق كبير له، استذكر دولته مأدبة غداء جمعته إلى الرئيس سعد الحريري بحضور مستشار الأخير السابق نادر الحريري، وكانت العلاقة اللبنانية-السوريّة عنوانًا كبيرًا في الحوار بينهما، قال الرئيس الحسيني للرئيس الحريري خلاله، "ليس حميدًا ربط العداوة مع الرئيس بشار الأسد بعلاقة لبنان بسوريا، فبيننا وثيقة تعاون وتنسيق، وفيها اعتراف صريح من قبل الدولة السورية باستقلال لبنان وسيادته فيما كان النظام يعتبر بأن سوريا يحدّها من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ولا يمكن لأحد أن ينسى مقولة عبد الحليم خدّام الشهيرة بأنّ لبنان غير موجود بل يحدّ سوريا من الغرب البحر الأبيض المتوسّط". وأردف الحسيني قائلاً لمضيفه، إذا رفضت العلاقة مع سوريا ورفضت وثيقة التعاون والتنسيق واعتبرتها غير موجودة، فمن الطبيعيّ أن تلقى من سوريا ردّة فعل تعتبر لبنان غير موجود فهل مصلحة لبنان أن يبتعد عن سوريا ويصرّ على العداوة معها وفي يده وثيقة قانونية ودستورية وافقت عليها الحكومتان اللبنانية والسورية وتمّ توقيعها من قبل الرئيسين آنذاك الياس الهراوي وحافظ الأسد؟"
مشكلة الرئيس سعد الحريري بأنّه لا يزال ينظر إلى سوريا من زاوية مذهبيّة مستترة، فيما يعرف دولته بأنّ فرنسا وروسيا بشخص الرئيسين إيمانويل ماكرون وفلاديمير بوتين نصحاه غير مرّة بأن يظهر المزيد من المرونة تجاه سوريا، سيّما وأنّ الحلّ السياسيّ في سوريا سيولد من الميدان وستتوثّب الأفكار من واقعية النتائج الظاهرة على الأرض، أرض الواقع. وفي مقالتين سابقتين أظهرنا البراغماتية الفرنسية والموضوعيّة في التعاطي مع الملفّ السوريّ وفي أبعادها الحقيقيّة، وأبدينا بأنّ الأميركيين لن يتورطوا في مواجهة مع إيران بل على العكس وعلى الرغم من خطابهم الحاد والفاجر فإنّ ثمّة تقاطعًا مع الإيرانيين أكثر مما هو قائم مع السعوديين لتأمين الاستقرار وتكوين عناصر التوازن تمهيدًا للشروع في التسوية السوريّة وثمّة من يرى بأن الأنموذج اللبنانيّ قد يكون عماد التسوية السوريّة، وتمهيدًا أيضًا للشروع مع الروس في التسوية الكبرى أي تسوية النزاع العربيّ-الإسرائيليّ. مأساة الرئيس الحريري أنّه لم يتخلَّ عن نظرته غير الواقعية تجاه سوريا، بل قادها وشدّها باتجاه إيديولوجيّ مثير ومعقّد ومغلق، ويشاء بها أن يبقى تحت جناح من قام باستدعائه وإهانته بل إهانة لبنان معه.
لا يخفي المطّلعون بأنّ العلاقة اللبنانيّة-السوريّة، عنوان خلافيّ كبير بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، وما بين التيارين البرتقاليّ والأزرق. البون كبير بينهما في القراءة، ذلك أن التيار الوطنيّ الحرّ وإن بدا مشرقيَّا هويّةً، إلاّ أنّه يقرأ بواقعيّة متوثّبة منعطفة على فاعلية النتائج المحققة على الأرض، وترى أوساط سياسيّة بأنّ لتيار الوطنيّ الحرّ رأى ويرى بأن عودة النازحين لن ولم تتحقّق إلاّ بالحوار الصادق والمتين مع الحكومة السوريّة، وفيها اعتراف مزدوج بسيادة البلدين واستقلالهما وترابطهما في هوية واحدة كما قال الرئيس الحسيني، وتمايزهما في خصوصية النظامين. وترى الأوساط عينها بأنّ ثمة من تاجر ويتاجر على ظهور النازحين السوريين أو يتاجر بهم ويستعملهم كأوراق ضغط بوجه النظام في سوريا، ويستهلكهما داخليًّا بالمعنى المذهبيّ، من أجل ذلك التيار الوطنيّ الحرّ مختلف مع الرئيس الحريريّ، حيث يفترض منه أن يقف وقفة جريئة ويساند رئيس الجمهورية في مسألة تمتين العودة وتأليف الحكومة للشروع في برنامجها الإصلاحيّ.
لا يعني هذا بأنّ التيار الوطنيّ الحرّ سيتخلّى عن مسلّمات اللقاء مع تيار المستقبل ومع رئيسه، ولكنه لن يسلّم بالإرادة السعودية المحرّكة للقوات اللبنانية والحزب التقدميّ الاشتراكيّ في سبيل فرض شروط تعجيزيّة مرفوضة سلفًا. التيار الوطنيّ الحرّ مصرّ على تجسير التسوية التي أدت إلى وصول العماد عون إلى السلطة وتكليف الرئيس الحريري بتأليف حكومة العهد الأولى، ولكنّه لن يحيد عن مسلّمات أخرى تتعلّق بعلاقات لبنان العربيّة والدوليّة، فكما يفترض بلبنان أن يمتن علاقاته مع الخليج العربيّ بسبب المصالح المشتركة فهو مصر على وبحسب قراءة التيار أن يمتّن علاقته مع الجارة الأقرب سوريا، ويقدّم مثلاً عن تعيين الرئيس الفرنسي سفيره في إيران مندبًا شخصيًّا له في سوريا، وثمّة أمثلة عن زيارة وفود تلتقي مع القيادة السورية والمسؤولين وتسوح في أرجائها. ويطرح سؤالاً جوهريًّا لماذا يراد للبنان أن يدخل إلى ملفّ النازحين عن طريق المنظمات الدوليّة ولا يدخلها عن طريق الحوار مع سوريا؟ لماذا المنظمات الدولية تدفع الأموال للنازحين في لبنان ولا تدفعها في سوريا لمساعدتهم؟ وتصرّ اوساط التيار على ضرورة التقيّد بما قاله الوزير باسيل وهو عدم دفع الأموال لهم.
على الرئيس سعد الحريري أن يدرك وكما قال الرئيس حسين الحسيني بأن لبنان لا يستطيع الاستمرار في الانعزال أو عزل نفسه عن سوريا. مصلحة لبنان بالحوار مع السوريين، فإذا رأى أنه لن يتحمّل كلفتها وتبعتها أمام السعوديين فليستعف من التكليف وليكفّ عن التأليف وليتجه مع القوات والاشتراكيين نحو المعارضة. لقد قال السفير الفرنسيّ برونو فوشيه كلمته: "الأكثرية يعني الأكثريّة"، والأكثرية المنتصرة في لبنان هي المؤمنة بضرورة إعادة الاعتبار للعلاقة اللبنانية-السوريّة بمنطق سياديّ محترم. فإمّا أن يتصرّف الرئيس الحريري كرجل دولة ويقبل بتلك النتيجة وليؤلف حكومة من الأكثرية وإلاّ فلرئيس الجمهورية حلول منطقيّة، ولا يمكن الإبطاء بعد الآن في ظلّ تراكم الاستحقاقات الكبرى على صعيد لبنان والمنطقة.

شارك الخبر على