قصة خسارة محاميّ السكة الحديد ٧٠٠ قضية في يوم واحد

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

إحالة 94 محاميا بالسكة الحديد من أصل 200 في الشئون القانونية إلى المحاكمة
محام يتسبب فى خسارة الهيئة 30 قضية.. وآخر كلفها 2 مليار جنيها لإهماله فى عمله​

جاء مسلسل حوادث القطارات بهيئة السكك الحديدية، ليزيل الستار عن كوارث عديدة تعرضت لها الهيئة خلال الفترة السابقة، وما زاد الطين بلة، قرار وزير النقل الدكتور هشام عرفات، بإحالة 94 محاميا بالإدارة القانونية بالهيئة القومية لسكك حديد مصر للمحاكمة التأديبية، وفقا للمادة 21 من قانون الإدارات القانونية رقم 47 لسنة 1973، ليكشف القرار كم المخالفات الجسيمة التى ارتكبت خلال الـ3 سنوات الأخيرة بالإدارة المركزية للشئون القانونية بهيئة السكك الحديدية تحت سمع وبصر المسئولين وقيادات الوزارة.

قرار وزير النقل، جاء استنادا لتحقيقات قطاع التفتيش الفنى بوزارة العدل عن قضية تسببت فى خسارة السكة الحديد أموالا طائلة -حسب بيان سابق لوزارة العدل- وتوصلت إليها بناء على الشكوى رقم 711 لسنة 2018 التى قُدمت إليها، وضمت القائمة الأولية للمهتمين 88 محاميا ثم تبعها 6 آخرين يعملون فى إدارة الشئون القانونية بهيئة السكة الحديد، وذلك لارتكابهم مخالفات مالية وإدارية جسمية من شأنها الإضرار بالمال العام.

بداية الحكاية

فى منتصف 2016، صدر قرار من وزير النقل رقم 703 لسنة 2016، بالموافقة على إعارة  "محمد أحمد الشناوى" لشغل منصب رئيس الإدارة المركزية للشئون القانونية بالسكة الحديد لمدة عام واحد فقط، رغم عدم انطباق الشروط الوظيفية عليه، حيث أكد ذلك كتاب مساعد وزير العدل للإدارات القانونية بوزارة العدل بتاريخ 11 /1 /2017، بأنه بناءً على رد الأمانة العامة للجنة العليا لشئون الإدارات القانونية قد انتهت إلى: "لا يتم التعيين فى الوظائف الفنية بالإدارات القانونية سواء بالتعيين المبتدأ أو بطريق الترقية إلا طبقا للقانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية وتعديله، رقم 1 لسنة 1986 وقرار وزير العدل رقم 781 لسنة 1978 ولا يطبق القانون 5 لسنة 1991 بشأن الوظائف المدنية القيادية فى الجهاز الإدارى للدولة أو القطاع العام".

الغريب فى الأمر، أن هيئة السكة الحديد تلقت خطابا فى مايو 2017 من مجلس الدولة ينص على أن وظيفة رئيس الإدارة المركزية للشئون القانونية من الوظائف القيادية بالإدارات القانونية، وبالتالى فإن تعيين "محمد أحمد الشناوى" لا يجوز قانونا، لأنه لا تتوافر فيه شروط شغل الوظيفة طبقا لبطاقة الوصف، حيث إنه غير مقيد بنقابة المحامين أمام محكمة النقض لمدة ثلاث سنوات، ولم يقضِ مدة بينية على الأقل عام فى الوظيفة الأدنى مباشرة "مدير عام".

وكذلك ردت لجنة الفتوى لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والنواب ووزارتى التخطيط والبيئة، بنفس الأسباب على كتاب وزير النقل الوارد بتاريخ 23/8/2017 بشأن إمكانية تجديد إعارة اللواء الشناوي من عدمه لمدة سنة جديدة تبدأ فى 7 /11 /2017، كما كشف خطاب من الجهاز المركزى للمحاسبات عن عدم وجود أى سند قانونى يؤيد تعيين محمد أحمد الشناوى، فى تلك الوظيفة، كما أنه منذ توليه منصبه انهالت القضايا ضد الهيئة وخسرت معظم القضايا المرفوعة ضدها لصالح الغير، بسبب إهمال وتقصير العاملين بالإدارة، وفى مقدمتهم محمد الشناوى رئيس الإدارة.

الهيئة تشتكي

بتاريخ 12 سبتمبر 2017، نشرت "التحرير" وقائع المخالفات التى حصلت عليها، والتى تفيد بتورط رئيس الإدارة المركزية للشئون القانونية، فى خسارة الهيئة لقضايا عديدة، علما بأن تلك الوظيفة "رئيس الإدارة المركزية للشئون القانونية" تقع على قمة وظائف الإدارة المركزية للشئون القانونية وتختص دون غيرها، بالحفاظ على حقوق الهيئة من خلال مباشرة القضايا والمنازعات التى قد تكون الهيئة طرفًا فيها ويمثل الهيئة أمام المحاكم ولجان التحكيم والجهات الرسمية، بالإضافة الى إجراء التحقيقات وإبداء الرأى القانونى فيما يحال إليها من تلك الموضوعات، وهذا ما لم يتوفر تحقيقه فى رئيس الإدارة المركزية للشئون القانونية الحالى اللواء محمد أحمد أبو الهنا الشناوى.

وأثبتت المستندات التى تم نشرها عدم أحقية "الشناوى" فى تولى هذا المنصب، نظرًا لمخالفته شروط التعيين وعدم انطباقها عليه، وقد تمت إعارة محمد الشناوي إلى الهيئة القومية لسكك حديد مصر، لتولى الإدارة المركزية للشئون القانونية فى 1 يونيو 2016.

وأفادت المستندات بأنه من ضمن شروط التعيين بالوظيفة، أن يكون حاصلا على ليسانس الحقوق ومقيدا أمام محكمة النقض لمدة ثلاث سنوات على الأقل أو مقيدًا أمام محاكم الاستئناف مع قضاء 15 عامًا فى الاشتغال بالمحاماة، وهذا ما لم يتوفر فيه.

بداية خسارة القضايا

كشف أحد الخطابات المرسلة من رئيس الإدارة المركزية لشئون العاملين بالسكة الحديد، عن إهدار الإدارة المركزية للشئون القانونية أموال الهيئة فى عهد "محمد الشناوى" وذلك بعد خسارة الهيئة لكثير من الأحكام القضائية مؤخرًا وتكليفها أعباء مالية غير عادية بموازنة الهيئة لصرفها كتعويضات لعشرات الموظفين الحاصلين على أحكام ضد الهيئة.

وأرسل رئيس شئون العاملين خطابًا إلى رئيس الشئون القانونية بتاريخ 8 أغسطس من العام الماضى، يوضح خلاله أنه قد تلاحظ فى الفترة الأخيرة صدور العديد من الأحكام القضائية ضد الهيئة من المحكمة الإدارية لوزارة الصحة وملحقاتها، هذا وقد تعددت تلك الأحكام بالمئات شهريا مما ترتب عليه أعباء مالية غير عادية بموازنة الهيئة. 

وزير النقل ينهى إعارة الشناوي ثم يتراجع

فى 30 أكتوبر 2017، أصدر وزير النقل الدكتور هشام عرفات، قرارًا بإنهاء إعارة محمد أحمد الشناوى رئيس الإدارة المركزية للشئون القانونية، بالهيئة القومية لسكك حديد مصر من منصبه، وذلك بعد إرسال هيئة السكك الحديدية خطابا الى الوزير تطلب فيه إنهاء إعارة الشناوى لعدم انطباق الشروط الوظيفية عليه وعدم خضوعه لأحكام قانون الإدارات القانونية رقم 47 لسنة 1973 والتى تشترط قيده بجداول نقابة، حيث إنه من ضمن شروط التعيين بالوظيفة، أن يكون حاصلًا على ليسانس الحقوق ومقيدًا أمام محكمة النقض لمدة 3 سنوات على الأقل، أو مقيدًا أمام محاكم الاستئناف مع قضاء خمسة عشر عامًا فى الاشتغال بالمحاماة، وهو ما لم ينطبق عليه.

وفى 17 ديسمبر 2017،  تراجع الدكتور هشام عرفات وزير النقل، عن قراره بإنهاء إعارة محمد أحمد أبو الهنا الشناوى الذى يشغل رئاسة الإدارة المركزية للشئون القانونية بالهيئة القومية لسكك حديد مصر، حيث أرسل عرفات خطابا جديدا إلى وزارة الدفاع يطلب فيه إعادة ندبه مرة أخرى للعمل بهيئة السكة الحديد. 

وبتاريخ 28 أكتوبر 2017، أرسل الوزير خطابا تحت عنوان "سرى للغاية"، قال فيه: "أود الإشارة لكتاب سيادتكم رقم 54652/3 بتاريخ 10 أكتوبر 2017 بشأن طلب الإفادة بموقف تجديد إعارة محمد أحمد أبو الهنا الشناوى للعمل رئيسا للإدارة المركزية للشئون القانونية بهيئة السكك الحديدية، والتى تنتهى إعارته فى 7 نوفمبر 2017". 

وأوضح الوزير فى خطابه، أن "الشناوى" شاغل للوظيفة بطريق الإعارة، ونظرا لأنه غير مقيد كمحامى نقض بجداول النقض بنقابة المحامين، الأمر الذى يمثل عدم انطباق شروط شغل الوظيفة الأساسية الواردة ببطاقة الوصف للوظيفة الحالية، وفقا لأحكام المادة 13 من قانون الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والوحدات التابعة لها، لذا فقد تعذر تجديد إعارته لشغل وظيفته رئيسا للشئون القانونية بالسكك الحديدية، إلا أنه وبعد رفض وزير النقل تجديد إعارته للعمل بالسكة الحديد، تراجع الوزير مرة أخرى وأرسل خطابا آخر بتاريخ 8 نوفمبر 2017، أى بعد حوالى 10 أيام من صدور القرار الأول، يطلب فيه تجديد الإعارة للعمل بوزارة النقل رئيسا للإدارة المركزية للخدمات العامة بهيئة السكك الحديدية لمدة عام، اعتبارا من 7 نوفمبر 2017. 

من جانبها قالت مصادر بهيئة السكك الحديدية، إن محمد الشناوى لم يترك عمله رئيسا للإدارة المركزية للشئون القانونية ولم يغادر مكتبه منذ صدور قرار توليه رئاسة الإدارة المركزية للخدمات العامة، ولا يزال يمارس عمله السابق ويوقع على كل الخطابات الرسمية الواردة للهيئة والمحالة إلى الإدارة المركزية للشئون القانونية، وهو ما يعد مخالفة للوائح والقوانين المعمول بها داخل هيئة السكك الحديدية.

التفتيش الفنى يكشف

كشفت تحقيقات قطاع التفتيش الفنى بوزارة العدل عن خسارة السكة الحديد أموالا طائلة -حسب بيان وزارة العدل- وقد توصلت إليها بناء على الشكوى رقم 711 لسنة 2018 التى قُدمت للقطاع بشأن عدد من المحامين التابعين للإدارة المركزية للشئون القانونية بالهيئة وعددهم 88 محاميا، حيث تسببوا فى تحميل الهيئة خسائر تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الجنيهات بسبب تحالفهم مع خصوم الهيئة سواء من خلال عدم تقديمهم المستندات التى تؤكد حقوق الهيئة فى القضايا التى يرفعها الخصوم أو الهيئة نفسها، وكذلك التخاذل عن اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الشركات والجهات بما يحفظ حقوق الهيئة لديها.

وقالت التحقيقات إن المحامين المذكورين ارتكبوا هذه المخالفات خلال الفترة من 2013 حتى 2018 بدائرة عملهم ولم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة، وخالفوا القواعد والأحكام المعمول بها من خلال ما ارتكبوه من مخالفات عبر تقاعسهم عن مباشرة القضايا والدعاوى المقامة ضد الهيئة وعدم تقديم المستندات المتعلقة بتلك الدعاوى، والتى أثرت سلبا فى أحقية الهيئة، فضلا عن أن أحد المحامين المتهمين تسبب وحده فى خسارة الهيئة 30 قضية كلفت الهيئة عشرات الملايين من الجنيهات من خلال التقاعس عن تقديم مذكرة بدفاع الهيئة أو عدم الطعن على الحكم الصادر ضد الهيئة من خلال تحرير مذكرة بعدم جدوى الطعن، كما أن محاميا آخر متهم تسبب وحده فى خسارة الهيئة نحو 2 مليار جنيه من خلال تقاعسه عن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، لإقامة الدعوى المطلوب إقامتها من هيئة السكة الحديد ضد الشركات والجهات التى تقوم الهيئة بنقل البضائع لها تنفيذا لتأشيرة رئاسته فى 6 نوفمبر 2016 حتى تاريخ التفتيش على أعماله.

أغلب هذه المخالفات كانت التقاعس عن تقديم المستندات التى تؤكد أحقية الهيئة فى الدعاوى المرفوعة ضدها أو من قبلها، وعدم الطعن على الأحكام الصادرة ضد الهيئة، وعدم متابعة القضايا وعدم تقديم المذكرات بدفاع الهيئة فى القضايا، وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية لتنفيذ الأحكام الصادرة لصالح الهيئة مما فوت عليها الاستفادة بالمبالغ المقضى بها لها، وكذلك عدم اتخاذ الإجراءات القانونية التى تحفظ حقوق الهيئة.

عرفات يحيل 94 محاميا للمحاكمة التأديبية

بعد اكتشاف كل تلك المخالفات، قرر وزير النقل الدكتور هشام عرفات إحالة 88 محاميا بالإدارة القانونية بالهيئة القومية لسكك حديد مصر للمحاكمة التأديبية، وفقا للمادة 21 من قانون الإدارات القانونية رقم 47 لسنة 1973، واستكمالا لذلك القرار، أحال الوزير 6 محامين آخرين من العاملين بالإدارة المركزية للشئون القانونية بالسكة الحديد إلى المحاكمة التأديبية،  ليرتفع عدد المحالين للمحاكمة إلى 94 محاميا من إجمالى 101 محام يعملون فقط بالإدارة المركزية للشئون القانونية بمنطقة القاهرة، وعلمت "التحرير" من مصادرها بوزارة النقل، أن الـ6 محامين المحالين مؤخرا للمحاكمة، منهم 5 محامين يعملون بالإدارة المركزية بمنطقة القاهرة، ومحام واحد يعمل بالإدارة المركزية بمنطقة شرق الدلتا "الزقازيق".

مصادر: المحامون خسروا 700 قضية فى رول واحد

قالت مصادر مطلعة بوزارة النقل، إن كل تلك المخالفات حدثت خلال الـ3 سنوات الأخيرة، بعد تولى اللواء مستدعى محمد الشناوى مسئولية الإدارة وندبه رئيسا للإدارة المركزية للشئون القانونية، حيث أخفق محامو الهيئة فى الحصول على أحكام لصالح الهيئة، إلى أن وصل الأمر إلى خسارة محاميّ الهيئة ما يقرب من 700 قضية مرفوعة ضدها، فى رول واحد فقط قادم من محافظة الاسكندرية، وذلك لصالح عدد من العاملين بالهيئة، حيث تقدموا برفع قضايا ضد الهيئة تضم "الراحات والتعويضات وإلغاء عدد من القرارات الصادرة بحقهم"، وحصلو على أحكام لصالحهم واجبة التنفيذ.

السكة الحديد تدافع عن محاميها وتنتظر حكم القضاء

أعربت الهيئة القومية لسكك حديد مصر، عن تقديرها لمجهودات محاميها فى الدفاع عن حقوق الهيئة، وذلك بعد تداول خبر إحالة 88 محاميا بالهيئة للمحاكمة التأديبية. 

وأكدت الهيئة، فى بيان لها، أنها تعتز بأبنائها المحامين، قائلة: "تؤكد الهيئة تقديرها واعتزازها بأبنائها المحامين، وتقدر دورهم ومجهودهم فى الدفاع عن حقوق الهيئة وحماية أملاكها من العابثين بمقدراتها". 

وأضافت السكة الحديد: "فى هذا السياق، تؤكد الهيئة ثقتها الكاملة بجميع أعضاء لجنة التفتيش الفنى، وتكن لهم كل الاحترام والتقدير، وفى انتظار حتى يصدر قضاؤنا الشامخ الحكم النهائى".

شارك الخبر على