تلبية لنداء الرئيس!

ما يقرب من ٦ سنوات فى تيار

د. ايلي حداد - 
 
دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الشعب اللبناني الى الثورة ضد الفساد تذكرنا بدعوته للشعب نفسه للانتفاض ضد الاحتلالات عام ١٩٨٩.
 
حينها، توجه الجنرال الى اللبنانيين عارضاً لهم الموقف مقترحاً الثورة ضد الوضع القائم، واضعاً نفسه في قيادة هذه الثورة ولكن فقط اذا وافق الشعب واعطاه التفويض. فهبّ المواطنون من كل حدب وصوب في مشاهد لم يألفها وطن الأرز سابقاً وكانت بعدها أسطورة بيت الشعب وولادة تيار جارف تمكن بالنتيجة وبقيادة جنراله من الانتصار.
 
ومنذ البداية، عرف العماد عون ان معركة التحرر هي التي ستلي التحرير وستكون اصعب منها بكثير لأنها معركة ضد الذات وضد المجتمع. وها هو الْيَوْمَ وقد وصل الى سدة الرئاسة والتحرر يبقى همه الاول. ولكنه بحكم مسؤولياته، فهو يقاتل أيضاً لحفظ السلم الأهلي ولدحر الاٍرهاب ولإعادة انتظام الحياة السياسية والدولتية ولتصحيح الخلل في الحكم وإعادة التوازن المفقود، وكلها أولويات اساسية وقد تتداخل في ما بينها فيضطر الرئيس  الى اعتماد سلّم للأولويات.
 
يعي الرئيس ولا شك ان محاربة الفساد هي أم المعارك لأن اي تنظيم وأي تحديث في الدولة يبقى هباء اذا ما ظل وباء الفساد مستشرياً في جسم الوطن. ولكنه يعي أيضاً، بفضل باعه الطويل ومعرفته لطبيعة البلد، ان هذا الوباء هو مرض عضال، على علاجه ان يأخذ بعين الاعتبار الوضع الصحي العام فلا يؤدي الى قتل المريض.
 
حين عاد الجنرال شارل ديغول الى فرنسا محرِّراً عام ١٩٤٨، كان قد غادرَها كل المتعاملين مع المحتلين فاستطاع وضع أسس دولة جديدة حديثة. اما العماد عون، فقد عاد من المنفى وكل من كان عميلاً لمحتل او فاسداً في النظام قد استطاع تبديل ملبسه وتقوية سلطته وبسط نفوذه في الوطن فبقي في موقعه. وقد تكتل كل هؤلاء ضده بالرغم من مشاربهم السياسية المختلفة. أما الْيَوْمَ وقد صار رئيساً، فهو بحاجة من جديد الى الدعم الشعبي لاستكمال معركته التحررية ضد الفساد.
 
على المواطن ان يثور أولاً على المستوى الفردي فيرفض الإفساد اليومي الذي يواجهه في كل دائرة وفِي كل شركة وفِي كل مكان. لقد فوّت المواطن فرصة التغيير التي سنحت أمامه في الانتخابات النيابية الاخيرة، فتقاعس البعض عن التصويت او اقترع البعض الاخر لمن يعرفه فاسداً فمدد بذلك للنظام الفاسد القائم. ولكن صحوته اليوم وقراره بمواجهة الفساد في كل لحظة وحتى في محاسبة نوابه يمكنها ان تكون الارضيّة لتغيير الواقع.
 
على المواطن ان يثور أيضاً على المستوى الجماعي فيدخل المعترك السياسي ولا يترك الارض للفاسدين فيستقيل من دوره. ان السياسة أساساً هي علم إدارة المدينة ومحاربة الفساد هي الشرط الاول لإدارة صالحة رشيدة. لذا وجب على المواطنين استرجاع قرارهم والمشاركة بالحياة السياسية. ان اَي عمل مدني مستقل يبقى بلا طائل وجعجعة بلا طحين؛ وهذا  ما أثبتته كل الجمعيات التي أسمت نفسها "مجتمعاً مدنياً" محاولة احتكار المطالبات وخارجة بشعارات شعبوية اثبتت عقمها فانتهت الى التناحر في ما بينها والى الاختفاء كلياً من المشهد العام. من هنا الاستنتاج ان العمل المدني يجب ان يكون مدروساً، منهجياً وليس شعبوي، مدعوماً بقرار سياسي قوي وبمكينة داعمة وكتلة نيابية وشعبية.
 
لم يتّهم الرئيس اللبنانيين بالفساد كما حاول بعض صغار النفوس وذوي النوايا السيئة الإيحاء به. بل على العكس هو دعاهم الى الانتفاض والثورة عليه. وهو سيكون أمامهم تماماً كما كان أمامهم في كل المعارك الكبيرة. ولكنه بحاجة اليهم كي يهبّوا، مرة جديدة، فيقفوا وراءه ويدعموه في هذه المعركة وهي معركتهم المصيرية ومعركة اولادهم اولا وآخرا.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على