حديث السفير الفرنسيّ برونو فوشيه واضح بمدلولاته وعلى الرئيس الحريري السير في التأليف (بقلم جورج عبيد)

ما يقرب من ٦ سنوات فى تيار

بقلم جورج عبيد-
 كلّ الكلام على صراع الأحجام في التمثيل الحكوميّ وصولاً إلى العقد الطائفيّة والمذهبيّة ما هو سوى لغو وغلوّ في الفراغ، وانغماس في السراب، وانكباب على اليباب، واختباء خلف الحجاب.
كلمة واحدة خرجت من فم السفير الفرنسيّ في لبنان برونو فوشيه في العيد الوطنيّ لفرنسا وفي حديث له كشفت الرؤى. قال فوشيه بوضوح، هناك دولة وهنالك معارضة، الأكثرية تؤلّف الحكومة، ومن لا يرى نفسه متوافقًا معها فليتجه نحو المعارضة. وحين سئل فوشيه على أنّ الأكثرية منضوية أو مؤيدة للخط الإيرانيّ في المنطقة جاء جوابه جازمًا ولكنّها الأكثريّة، والأكثرية في النظم الديمقراطية، المنتخبة من الشعب وهو مصدر السلطات هي التي تحكم أو تتمثّل في السلطة، وتفترض الديمقراطية أن يبنى النظام السياسيّ، كلّ نظام على الجدلية الدائمة في المحاكاة والمحاسبة والرقابة بين السلطة والمعارضة.
بعيدًا عن التوصيف الشرعيّ في تقليديته أو كلاسيكيّنه لهذا الكلام، والمنسكب في تمتيبن وترسيخ البعد الديمقراطيّ للنظام السياسيّ اللبنانيّ، فإن كلام السفير فوشيه يصبّ في سياق بعيد عن النمط التقليديّ المفترض ان يكون سمة حقيقيّة في العلاقة ما بين الأكثرية الظافرة والأقليّة الخاسرة، أيأنّ الأكثرية الظافرة تؤلّف الحكومة والأقلية الخاسرة تعارضها ببرامدج منهجيّة واضحة وليس بالفولكلور السياسيّ السطحيّ والسخيف. ما يبيح أخذ تحليل فوشيه إلى سياق آخر سلوكيات رئيسه إيمانويل ماكرون، وهي سلوكيات وصفت بالواقعية والجريئة والموضوعيّة قياسًا إلى مواقف المجتمع الدوليّ وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركيّة. لقد واجه ماكرون قرار دونالد ترامب فيما خصّ إنسحابه من الاتفاق الدوليّ مع إيران، وأصرّ على بقاء فرنسا على الاتفاق ووفائها بالتزاماته، وفي سياق مكمّل أيضًا أصرّ في أحاديثه وكما نقلت بعض المعلومات وبخاصّة للرئيس سعد الحريري وسواه على ابتكار نمط سياسيّ جديد تجاه المنطقة بأسرها ومستقبل سوريا، حيث بشار الأسد باق على رأسها، إلى أنّ قرّر ماكرون انتداب سفير فرنسا في إيران فرنسوا سيمينان مفوّضًا أو موفدًا شخصيًّا له في سوريا، والفرنسيون لم ينقطعوا البتّة عن التواصل مع سوريا ومنذ أسبوع زار وفد فرنسيّ نخبويّ سوريا وساحوا في بعض أرجائها ومن المنااطق التي زاروها قلعة الحصن وقد كانت ملجأ للتكفيريين، ودير مار جرجس الحميراء في بلجة المشتاية في وادي النصارى.
لقد بات الفرنسيون منفتحين على الواقع السوريّ، بعدما عاينوا حسم الوضع كلّه لصالح الجيش السوريّ في 90% من الأراضي السوريّة. وفي هذا بدا الفرنسيون براغماتيين أكثر من سواهم. إنّ كلام السفير الفرنسيّ فوشيه ناهل من هذه الرؤية وباثّ بقوّة لها ومتفاعل بل مفعّل لجوهرها القائم على تماه وتنسيق واضحين بين دولته وإيران وروسيا، بالنسبة لمسألة التسوية في السياسيّة في سوريا وبالنسبة لتأليف الحكومة في لبنان. تجهد المملكة العربيّة السعوديّة مقابل ذلك مستندة على "دعم استنزافيّ أميركيّ" من أجل جعل لبنان والعراق مدخلين أساسيين وكبيرين للمنطقة بالتأثير على واقع التسوية في سوريا وواقع القضيّة الفلسطينية. هذا الاستناد وصفته أوساط سياسيّة مراقبة بالأجوف والهشّ. ذلك أنّ الأميركيين وإن بدوا متشدّدين بعدائيتهم لحزب الله وإيران، إلاّ أنهم يدركون وبحسب ما رشح عن إوساط دبلوماسية، بأنّ الذهاب بعيدًا في العدائيّة لن يكون سهلاً بل على العكس سيكون مكلفًا للغاية، وبالتالي فلن يغامروا إطلاقًا. وتقدّم تلك الأوساط كوريا الشمالية كمثال، فتقول بأن الرئيس الأميركيّ نشط في مهاجمة كوريا الشمالية وتهديدها، حتى انخفض منسوب الكلام العنيف واتجه إليها وعقد اتفاقًا مع زعيمها. وتتايع تلك الأوساط، بأنّ أميركا مهتمة بهزّ العصا لإيران لكنها غير مهتمّة بتقليم أظافرها وقلع أسنانها، فقد يرتدّ ذلك على أميركا التي عيش جوًّا تجديديًّا وتغييريًّا على المستوى الاجتماعيّ والاقتصاديّ والماليّ بنسبة عالية كما بيّنت الإحصاءات مؤخّرًا. دونالد ترامب والأميركيون لن يغامروا. فإيران بالنسبة لهم حاجة لترسيخ التوازن في المنطقة أكثر من إسرائيل والسعوديّة. وهم بالتالي يعلمون بأنّ روسيا حليفة إيران في الجوهر، وعلى عكس ما رسب مؤخّرًا فإنّ العلاقة بين إيران وروسيا ليست سيئة أبدًا، لدرجة أنّ سفيرًا روسيًّا قال بأننا نصر على بقاء حزب الله في سوريا وإن قرر هو الانسحاب منها، إلى نهاية التطهير الميدانيّ وبلوغ سوريا نحو تسوية سياسية. ووزير الخارجية سيرغي لافروف على هامش قمّة هلسنكي التي عقدت اليوم قال بأن الدولة السورية هي صاحبة القرار ببقاء إيران وحزب الله على أرضها ولسنا نحن.
كل تلك المنطلقات تفضي إلى كلام السفير الفرنسيّ في لبنان برونو فوشيه، وقد سبقه نائب رئيس المجلس النيابيّ إيلي الفرزلي إلى الرؤية عينها. القضيّة بأنّ السعودية تحاول التموضع في لبنان لمواجهة تلك المنطلقات عن طريق رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدميّ الاشتراكيّ وليد جنبلاط، وبواسطتهما ضغطت وتضغط على الرئيس سعد الحريري المستكين في دائرة الضعف والراني إلى الرضى السعوديّ عليه، حتى يتمكنوا من الاندراج في الداخل اللبنانيّ عن طريق توزير القوات اللبنانية بأربعة وزراء وإعطاء القوات وزارات سياديّة أساسيّة، وثلاثة وزراء لوليد جنبلاط. لكنّ سعد الحريري يحاول أن يولّف بين علاقته المتينة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وانكبابه على الرضى السعوديّ. وفي قرارة نفسه لن يرضى الحريري بأن يتمّ إعطاء وزير الخارجية أو وزارة الداخلية لقواتيين كما كشف الوزير جبران باسيل في حديثه التلفزيونيّ إلى برنامج بموضوعيبة على شاشة الMTV. ما حصلت عليه السعوديّة أنها ساهمت بشدّة بانشطار الدروز والسنة والمسيحيين، وعلى الرغم من ذلك فإنّ الحلّ الوحيد الممكن أن ينتفض سعد الحريري على ذلك الواقع ويؤلّف حكومة حتى ولو كانت حكومة أكثرية. ففي هذا الاصطفاف الجديد القائم في المنطقة لن يجرؤ أحد زعزعة الاستقرار اللبنانيّ وكسره لا أمنيًّا ولا عسكريًّا ولا اقتصاديًّا. كل الدول المعنية في المنطقة بحاجة إليه معافى، وهي غير مهتمّة بأن تعطّل السعوديّة السيرورة السياسية للبنان أو تخدش كينونته بهتك توازنه. هذا أمر غير قابل للنقاش.
سعد الحريري أمام حلّين، بحسب الأوساط المتابعة:1-الحلّ الأوّل إمّا يتجه إلى التأليف على الرغم من التعثّر شاء من شاء وأبى من أبى مستندًا على فهم دقيق بأن الاستفرار مؤمّن ولا قدرة لأحد على زعزعته. فحزب الله المتين والقويّ جزء من الخصوصيّة اللبنانية، ولا تملك أميركا فرصة الانقضاض عليه، لأن تدحرج تلك الخصوصية إلى قعر الهاوية يعني تدحرج لبنان إلى عبثيّة قاتلة.2-الحلّ الثاني أن يصارح اللبنانيين عن أسباب فشله، بالكلام الصريح والفصيح. حينئذ يستطيع رئيس الجمهورية أن يكلّف شخصيّة سنيّة من الأكثرية لتأليف الحكومة.بين الحلّين يبقى الأوّل الأفضل، وإلاّ نكون مستلذّين الإقامة خلف الحجاب أو مجموعة حجب إلى أن تنسكب كلمة السر ونمشي نحو التأليف بعد طول مخاض...

شارك الخبر على