بروفايل في ذكرى اختيار البابا وميلاده.. هكذا يراه من حوله

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

- سكرتيرا البابا والمتحدث الإعلامي والعاملون بالكاتدرائية يتحدثون عنه لأول مرة

- البابا أوقف عيدية العاملين.. واعتبر يوم «فض رابعة» يوم أسود

- عرف بحبه للموسيقى.. ولقب بـ«عاشق الأطفال»

صباح 14 أغسطس 2013، قوات الأمن تبدأ فض اعتصامي رابعة، والمواجهة تحتدم مع أنصار جماعة الإخوان، وفي جانب آخر من العاصمة، وبالتحديد في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، يجلس البابا تواضروس أمام التليفزيون؛ ليتابع تطورات الأحداث، وتأتيه الأخبار تباعًا لتفيد بحرق عشرات الكنائس، ليتلقى اتصالات متتالية - لا تفرق بين كل منها إلا ساعة تقريبًا - لإبلاغه بالاعتداءات.. إلا أن أكثر ما آلامه ليس الحجر، وإنما البشر، فيقول «البشر أهم والكنائس يمكن تعويضها».

هذا اليوم الذي وصفه البابا بـ«اليوم الأسود»، ولا ينساه السكرتير الشخصي له، القس إنجيلوس إسحق، ويراه «أكبر دليل على حكمته».

البابا الذي يكمل اليوم عامه الـ64، وسنته الرابعة على الكرسي الباباوي، حكيم وهادئ مثل أغلب من يعيشون حياة الرهبنة، ويفضل أن يختلي بنفسه كثيرًا، لكن رغم ذلك فهو - كما ذكر القس إنجيلوس - «يكشر عن أنيابه إذا اقتضى الأمر».

يمكن أن يستوقف هذا الرأي المتابعون لمواقف البابا وحديثه والبيانات الرسمية الصادرة عنه، والتي لا تخلو من «نبرة التهدئة»، لكن يفسر القس إنجيلوس ذلك بأن وضع البابا يحتم عليه اتخاذ موقف معين في العلن في مقابل مواقف أخرى - لا يصح وليس من الحكمة - أن يُعلنها.

لا يفضل البابا أن تكون تلك المواقف والقرارات «منفردة»، لذا يستشير بعض المحيطين به خاصة لو أنهم مختصون بالأمر الذي يبحثه، فربما يرجع ذلك لدراسته الإدارة بعد حصوله على بكاروليوس الصيدلة، ما أثر بشكل واضح على عمله الذي دائمًا يصفه بـ«تحديث النظام الإداري للكنيسة لتتحول إلى العمل المؤسسي»، وظهرت نتائجه في تشكيل لجان متخصصة، وتأسيس مركز إعلامي للكنيسة حصل منذ أشهر على «شهادة الأيزو».

مسؤول هذا المركز والمتحدث باسم الكنيسة، القس بولس حليم، يرى أن البابا يعطي له وللعاملين الحرية في تحديد رؤيتهم للعمل بهذا النظام الجديد لكنه يتابعهم ويوجههم بفكرِ منفتح، خاصة وأنه مطلع جيد لكل ما يُنشر عنه وعن الكنيسة. 

المتابعة المستمرة والسريعة من البابا ترجع إلى حبه للقراءة، ما يجعله يُلم بالتقارير والأخبار والبيانات بسرعة ودقة.

أيضًا جزء من النظام الخاص بالبابا، هو حرصه على استخدام «التابلت» خلال عظاته الروحية الأسبوعية واجتماعاته، ومتابعة الهاتف المحمول، والرد على الرسائل سواء على الهاتف أو البريد الإلكتروني.

التواصل الإلكتروني يحتاجه البابا تحديدًا مع أقباط المهجر، لمعرفة شكواهم وسؤالهم عن وجود كنيسة قريبة من مناطقهم والتزامها باقامة الاجتماعات وقيام الأباء الكهنة بدورهم، وهو ما ذكره القس يوحنا يوسف، سكرتير البابا لشئون أقباط المهجر، الذي ضرب مثال على ذلك: «حرص على تخصيص كاهن وأسقف لزيارة البلدان التي بها عدد قليل من الأقباط مثل أوكرانيا».

خلال قيامه بهذا العمل وغيره، يحب البابا أن يستمع إلى الموسيقى، والتي كانت موضوع عظته منذ عدة أسابيع.

حبه للموسيقى وهواية التصوير التي رافقته منذ أن كان صغيرًا، كانا السبب في النزعة الفنية بداخله، التي لاحظها المحيطون به، فأجمع كل من القس بولس حليم، والقس إنجيلوس إسحق على أن البابا يحب الإبداع في الأفكار وتنظيم الخدمة وحتى في الهندسة الخاصة بمبنى جديد.

كان والده يعمل مهندسًا، ومحبًا للنظام، وربما أخذ هو منه هذه الصفات أكثر من شقيقتيه، فأوضح المرافق الشخصي له، القس إنجيلوس، أن أكثر شيء يزعجه هو عدم النظام. 

ورغم أن عدد ساعات نوم البابا لا تتعدى الـ3 أو 4 ساعات، بحسب ما يخبر القس بولس حليم، ورغم معاناته من آلام في الظهر، إلا أنه يحب أن يؤدي عمله كما يجب، ولا يغلق بابه في وجه أحد. 

يدلل القس يوحنا يوسف على ذلك، فيقول: «رغم  أنه أكبر مسؤول في الكنيسة إلا أنه لازال محتفظًا بشخصيته كخادم، بمعنى أنه لا يكسف أحدًا يطلب منه شيئًا، ويفتح بابه للجميع.. يهتم بالآباء الكهنة وأسرهم لأنه يعتبرهم خط الدفاع الأول عن الكنيسة، ولا يحب أن يفرض قيادة كنسية لا تحظى بالقبول. كما أنه يحب الأطفال والشباب وقضاء الوقت معهم أكثر من الجلسات الرسمية.. وخلال 4 سنوات حقق رقمًا قياسيًا في عدد الزيارات الرعوية سواء في مصر أو خارجها، وذهب إلى الصعيد ومرسى مطروح، وجعل اجتماعه الأسبوعي ينتقل من كنيسة لأخرى».

أقرأ أيضا: حوار| سكرتير البابا تواضروس: دعم الكنيسة للسيسي عمل وطني مثل تحية العلم

لكن لا يتفق بعض العاملين في الكاتدرائية مع كل ما يراه سكرتيرا البابا والمتحدث الإعلامي، فهم لا يشعروا بوجوده مثل البابا شنودة، الذي يقول أحدهم إن الأخير كان يعرف كل عامل بالاسم ودائمًا ما يعطي لهم فاكهة وحلوى إلى جانب «العيديات»، التي لم يمنحها لهم البابا تواضروس سوى مرة واحدة في أول عيد بعد تنصيبه، ولم تتكرر مرة أخرى.

«الخير قل».. ذكر أحدهم هذه العبارة مستشهدًا بأن أخوة الرب (مصطلح كنسي: الفقراء)، كانوا يحصلون على مساعدات أكبر من الكنيسة في أيام البابا شنودة، ولم يعد الأمر كذلك الآن، بل أصبح هناك «سياج وحراسة بين البابا والشعب في أغلب الوقت».

من هو موجودًا بداخل الكاتدرائية يلاحظ أن البابا تواضروس أراد تغيير الدائرة المقربة منه بحيث لا تكون نفس دائرة البابا شنودة، فبعد أن كان الأنبا أرميا والأنبا يوأنس هما «الكل في الكل» - بحسب وصف العاملين - ألا أن الأول حاليًا دوره مقتصر على الأنشطة الثقافية؛ باعتباره رئيس المركز الثقافي القبطي، والثاني أصبح أسقف أسيوط، كما أن بعض العاملين تم نقلهم من المقر البابوي إلى أماكن أخرى بداخل الكاتدرائية، ومن هم فوق الـ60 تم إنهاء عملهم. 

وحينما طرح الكاتب حمدي رزق على البابا تواضروس، في حوار أجراه مؤخرًا، سؤالًا حول هذه التغييرات، واستبعاد من يسموا بـ«الحرس القديم»، كان رد البابا: أنه من «الحرس القديم»؛ باعتباره أحد أساقفة المجمع المقدس أيام البابا شنودة، وهذا الأمر ليس صحيحًا بالمرة.

 خلال هذا اللقاء أيضًا، رد البابا على دعمه المستمر للرئيس السيسي بقول «لكل وقت ظروفه»، معتبرًا ذلك أنه عمل وطني وليس سياسيًا.

الظروف التي يشير إليها البابا ويقصد بها الأحداث التي تشهدها مصر منذ 30 يونيو، فرضت عليه استقبال أغلب الشخصيات التي تزور مصر، بما فيها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها عاهل سعودي ببابا الكنيسة القبطية، ما جعله حريصًا عند إجراء لقاءاته بالتحدث عن تاريخ مصر والكنيسة، وإظهار مصر بصورة إيجابية وعدم الحديث عن السلبيات أو معاناة الأقباط، فبحسب القس يوحنا يوسف، إلى جانب ما تقضيه الأمور فهو لا يحب الشكوى.

هذا العبء لم يكن يدركه عندما اصطحبته والدته وهو طفل إلى البابا الراحل كيرلس السادس ليرسمه شماساً، وأخرجه كبير الشمامسة لكونه غريبًا. ولكنه توقع العبء عند ترشيح اسمه في الانتخابات الباباوية، فذهب من البحيرة إلى مقر الانتخابات بالقاهرة وشطب اسمه واسم مرشح آخر من ضمن الخمسة المرشحين، وتمنى أن يبقى مسئولًا عن لجنة الطفولة بالمجمع المقدس كما هو، خاصة لما عرف عنه بعشقه للأطفال، وحين أصبح داخل هذا العبء، ظل يردد لمن حوله بأن: «مسئولية النفوس ثقيلة».

شارك الخبر على