هل ينجح العبادي في امتصاص الغضب الشعبي بـ٣ مليارات دولار؟

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

تصاعدت الاحتجاجات العراقية المناهضة للفساد والبطالة بشكل متسارع بعد سقوط قتلى وجرحى بين صفوف المتظاهرين خلال التظاهرات التي خرجت منذ أسبوع والتي بدأت من مدينة البصرة وامتدت إلى مدن عدة.

وانطلقت المظاهرات التي تنادي بوقف الفساد وتحسين مستوى الخدمات المُقدمة للمواطنين في عدد من المدن بينها مدينتا العمارة التي اُحتل مقر محافظتها والناصرية مع تصاعد الغضب الشعبي بسبب البطالة وسوء الخدمات الأساسية.

محاولات للتهدئة

وبعد اشتعال المظاهرات وسقوط ثلاثة قتلى بإطلاق نار لم تتضح ظروفه، أعلنت الحكومية العراقية، مساء السبت، اتخاذ إجراءات تنموية لاحتواء الاحتجاجات، ولإعادة فرض الأمن لا سيما في محافظة البصرة.

وأصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي بيانًا وجّه فيه "بتوسيع وتسريع آفاق الاستثمار للبناء في قطاعات السكن والمدارس والخدمات وإطلاق درجات وظيفية لاستيعاب العاطلين عن العمل وإطلاق تخصيصات مالية إلى محافظة البصرة بقيمة 3.5 تريليون دينار فورا أي نحو ثلاثة مليارات دولار".

اقرأ أيضا: وسط مخاوف أمنية واقتصادية.. العراق يدخل مرحلة «الفراغ التشريعي»

وطالب العبادي بضرورة إطلاق تخصيصات للبصرة لتحلية المياه، وفك الاختناقات في شبكات الكهرباء وتوفير الخدمات الصحية اللازمة، كذلك أمر بحلّ مجلس إدارة مطار النجف، غداة اقتحامه من قبل المتظاهرين، بحسب "السومرية نيوز".

لم يقتصر الأمر على القرارات التنموية فقط، فقد شملت خطوات أخرى للحد من الاحتجاجات والتي شملت فرض حظر تجول في محافظة البصرة من الساعة العاشرة مساء حتى السابعة صباحًا، كما انقطعت خدمة الإنترنت في جميع أنحاء العراق.

وتحدثت مصادر عن لجوء الحكومة إلى إيقاف موقعي "فيسبوك وتويتر" في أغلب المدن العراقية، منعًا لما وصفه "تأجيج الفتن واستثارة الناس على التظاهر"، مشيرة في الوقت ذاته إلى ارتفاع عدد القوات الأمنية التي وصلت لمناطق الاحتجاج، إلى أكثر من 30 ألف عنصر.

وذكرت المصادر أن وحدات مدرعة انتشرت في أجزاء واسعة من مدينة البصرة، وتحديدًا في مناطق وجود المحتجين، الذين نصبوا سرادقات كبيرة في طرق مرور الشاحنات وناقلات النفط والبضائع إلى المواني العراقية بمياه الخليج العربي، بحسب "أخبار العراق".

استمرار التظاهرات

لكن يبدو أن الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي، لم تحقق الهدف المرجو منها وهو "التهدئة"، حيث تواصلت التظاهرات اليوم وأصيب 4 أشخاص فى أثناء محاولة الشرطة العراقية تفريق مئات المحتجين لدى محاولتهم اقتحام مجلس محافظة البصرة في سابع يوم من الاضطرابات التي تشهدها مدن جنوب العراق بسبب تردي مستوى الخدمات، وفقا للعربية.

مصدر بالشرطة قال: إن "بعض المحتجين حاولوا اقتحام المبنى، وقمنا بمنعهم باستخدام مدافع المياه والغاز المسيل للدموع".

من جانبه يرى المحلل السياسي العراقي أحمد الأبيض، أن الأحزاب العراقية لا تحتاج إلى أحد لينبهها إلى تطبيق القانون من خلال التظاهرات والاحتجاجات، مشيرًا إلى أنها عبارة عن "مجموعات عصبوية" تفردت بحكم العراق، ووصلت الأمور لهذا الشكل.

اقرأ أيضا: «المالكي» يكشر عن أنيابه من أجل الفوز بالحكومة العراقية

وأضاف "الأبيض" أن خطوة الحكومة الاتحادية برئاسة حيدر العبادي، بقطع الإنترنت لمواجهة الاحتجاجات، لها دلالات خطيرة، وتصعد من الموقف بشكل خطير، ورأى أن تلك النصيحة التي قدمت لـ"العبادي" في هذا الشأن، تكشف محاولات قمع المظاهرات، محذرًا من خطورتها، بحسب فضائية "الغد".

"الأبيض" أشار أيضًا إلى أن البعض يحاولون اختزال الأزمة، فى أنها نقص في الخدمات، لكنها في الأساس امتهان لكرامة العراقيين.

وتابع بأن الأحزاب التي تمثل الطوائف العراقية لم تقدم شيئًا للمواطنين، مؤكدًا أن التي عبرت عن "شيعة العراق" منها، هي أحزاب غير وطنية، نشأت وتربت خارج العراق، ولا تمتلك أي رؤية أو انتماء لهذا الوطن.

نتيجة تراكمية

نائب رئيس الجمهورية ورئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي قال: إن "انتفاضة محافظة البصرة ليست وليدة اللحظة، إنما هي نتيجة تراكمية لسوء الإدارة والفشل في التعامل مع أبسط متطلبات أهلها من قبل الحكومات المحلية والاتحادية المتعاقبة".

وأضاف علاوي أن البصرة ليست بحاجة لمسكنات، بل لحلول جذرية تضع حدا لمعاناة أهلها وفق برامج وخطط حقيقية ضمن توقيتات زمنية محددة، متسائلاً: "كيف يكتب للمريض شفاء إذا استخدمت في علاجه ذات الأدوات التي أدت لتردي وضعه الصحي؟!".

وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة العراقية احتواء الوضع المتصاعد، نجد أنها أمام مشكلة أكبر بعد أن اتجهت أصابع الاتهام إلى إيران بالتورط في تحريك المتظاهرين بالعراق ودخول مندسين بين المتظاهرين.

اقرأ أيضا: لماذا «الثعلب الإيراني» موجود في العراق؟

لكن مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، يؤكد أن الوجود الإيراني في العراق استشاري وإن أراد العراق أن نخرج سنخرج فورًا، مؤكدًا أن العراق وحده لن يكون قادرًا على مواجهة الإرهاب المتوسع في دولته، بحسب "سبوتنيك".

تضامن السيستاني

أما المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله السيد علي السيستاني، فقد حمل الكتل السياسية مسؤولية ما وصفه بالأوضاع المزرية التي تشهدها محافظة البصرة الجنوبية، واتهمها بالفشل في إدارة المحافظة بسبب المحاصصة والفساد، معلنًا تضامنه مع المحتجين هناك، ودعا الحكومتين المركزية والمحلية إلى العمل على تحقيق ما يمكن من مطالب أهل المحافظة بصورة عاجلة.

وأكد السيستاني ضرورة اتباع سياسة حازمة وشديدة مع الفاسدين، ومنع استحواذهم على موارد البلد بأساليبهم الملتوية، على حد وصفه.

من جانبه قال الشيخ عبد المهدي الكربلائي معتمد المرجع السيستاني في خطبة الجمعة بمدينة كربلاء: إن "محافظة البصرة الجنوبية ومحافظات أخرى تشهد هذه الأيام احتجاجات شعبية للتعبير عن مطالب مواطنيها الذين يعانون من سوء الخدمات العامة والانقطاعات الطويلة للطاقة الكهربائية، رغم ارتفاع درجات الحرارة وعدم توفر المياه الصالحة للشرب وللاستخدامات الأخرى، إضافة إلى انتشار البطالة وقلة فرص العمل وعدم كفاءة معظم المؤسسات الصحية مع ارتفاع في الإصابات المرضية الخطيرة"، معلنًا تضامنه مع المحتجين في مطالبهم العادلة وحقوقهم المشروعة.

اللجنة الوزارية التي شكلتها الحكومة العراقية الثلاثاء الماضي لدراسة مطالب سكان البصرة الذين يتجاوز عددهم المليوني نسمة، أعلنت عن تخصيص 10 آلاف فرصة عمل وتنفيذ خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة الأمد لمشاريع خدمية نصب وحدة تحلية المياه بطاقة 3 آلاف متر مكعب وإيقاف التجاوزات وضخ كميات من المياه لشط العرب لتقليل ملوحة مياه المحافظة، إلا أن تلك القرارات أيضًا لم تنجح في تهدئة المتظاهرين.

اقرأ أيضا: «قوات الناتو».. انتهاك لسيادة العراق أم حماية لها؟

تجدر الإشارة إلى أن نسبة البطالة بين العراقيين تبلغ رسميا 12%، حيث تشكل شريحة العمر دون 24 عامًا نسبة 60% من عدد سكان العراق البالغ 38 مليون نسمة، مما يجعل معدلات البطالة أعلى مرتين بين الشباب.

شارك الخبر على