من ويلات الحروب لقصص النجاح.. مودريتش اللاجئ الذي يحمل آمال أمة

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

يبدو أن الأمر غير مقبول بالنسبة للوضع الحالي، إلا أن لوكا مودريتش يملك كل الأسباب لأن يقضي معظم أوقات مسيرته الاحترافية كارهًا كأس العالم، فعندما كان يبلغ نجم ريال مدريد 20 عامًا، لم يشارك مودريتش في مونديال ألمانيا 2006 سوى في مباراة واحدة فقط وكبديل ليودع رفقة منتخب بلاده البطولة من الدور الأول.

ومن ثم لم تتأهل كرواتيا إلى مونديال جنوب إفريقيا 2010، وبعدها بأربع سنوات وصل مودريتش إلى مونديال البرازيل بطلًا لدوري أبطال أوروبا وواحدا من أفضل لاعبي وسط الملعب في العالم، إلا أنه من جديد ودع البطولة من دور المجموعات بالخسارة في المباراة الأخيرة أمام المكسيك بنتيجة 3-1.

وبعد مونديال البرازيل بعامين قال مودريتش: "ذكرياتي عن كأس العالم 2014 ليست جيدة، لم ألعب بصورة جيدة، وكنت متعبا للغاية من موسم طويل، وعندما أشاهد البطولة أدرك أنني قدمت أسوأ مستوياتي".

ولكن دائمًا ما يمنح كأس العالم اللاعبين طاقة إضافية لإخراج أفضل ما لديهم حتى بعد موسم طويل وشاق، وهو ما ينطبق على مودريتش الذي يستعد لخوض نهائي كأس العالم غدًا في موسكو، وستكون كل الأنظار مسلطة عليه باعتباره الملهم الأول للمنتخب الكرواتي بعدما حصد جائزة أفضل لاعب في المباراة 3 مرات في المونديال الحالي.

ومنذ بيليه 1958 إلى إنييستا 2010، دائمًا ما تسمى كل نسخة من كأس العالم باسم أحد اللاعبين، ويمكن إطلاق اسم مودريتش على مونديال 2018.

"لوكا حقق كل شيء ممكن سواء على صعيد الأندية ولكنه لم يقدم نفس النجاحات مع المنتخب الوطني، والآن يمر بأفضل لحظاته الكروية ويقدم أفضل مستوى في مسيرته بالكامل".. زلاتكو داليتش، مدرب كرواتيا عقب الفوز على إنجلترا في نصف النهائي، والآن بعد الوصول إلى المباراة النهائية بات أفضل إنجاز للكرة الكرواتية في تاريخ كأس العالم باحتلال المركز الثالث في مونديال 1998 جزءا من التاريخ.

مسيرة مودريتش إلى قمة كرة القدم تم توثيقها جيدًا، حيث بدأ كلاعب واعد في صفوف دينامو زغرب قبل أن يصبح لاعبا جيدا في توتنهام إلى لاعب لا يصدق في ريال مدريد.

إلا أن سنواته الأولى غير معروفة بعض الشيء حاله حال زملائه في المنتخب الكرواتي من ماريو ماندجوكيتش وديجان لوفرين وإيفان راكيتيتش، حيث نشأ في أسرة من النازحين بسبب حرب الاستقلال الكرواتية، وفي الوقت الذي قطن فيه زملاؤه الثلاثة السابق ذكرهم في البلدان الأوروبية، توجهت أسرة مودريتش إلى فنادق اللاجئين في زاردار.

"دائمًا ما شعرنا بالخوف، هذا ما أتذكره جيدًا، حيث أطلقت العديد من القنابل من التلال المحيطة بنا، وكانت تتساقط في الملاعب في تلك السنوات، وكنا نتسابق من أجل الوصول إلى المناطق الآمنة، وكانت كرة القدم هي الوسيلة الوحيدة للهروب من واقع حياتنا".. توميسلاف باسيتش، أحد مدربي مودريتش في فريق زاردار.

"ذاك الفتى الذي اعتاد على ركل الكرة في جراج الفنادق كل اليوم، كان نحيفًا للغاية وصغيرا في الحجم بالنسبة لعمره، ولكن كان من السهل مشاهدة شيء خاص يتمتع به".. رئيس نادي زاردار متذكرًا مودريتش عندما كان يبلغ من العمر 6 سنوات.

تبدو فنادق اللاجئين الآن قاحلة وقاسية، ولم تختلف عما كانت عليه منذ 27 سنة، فالتهديد من قبل القوات الصربية كان حقيقيًا ولا يمكن الهروب منه، وعاش جد مودريتش في منزل على إحدى الطرق، وعندما ذهب لتمشية الماشية الخاص به قتل بدم بارد من قبل القوات الصربية.

وهناك الكثير من قصص اللاجئين المشابهة في عالم كرة القدم وفي هذا المونديال بالتحديد، مثل نجوم المنتخب السويسري شكودران شاكيري وجرانيت تشاكا وفالون بيهرامي، الذين جميعًا حولوا معاناتهم من ويلات الحروب إلى قصص نجاح في عالم الكرة لمنح حياة أفضل لأسرهم.

ومع ذلك لا يتذكر مودريتش طفولته بنفس الشكل، حيث سبق أن صرح في عام 2016 لموقع الفيفا: "على الرغم من صعوبة فترة الحرب ووضع اللاجئين، حظيت بفترة طفولة طبيعية، مثل باقي الأطفال، حيث قدم والدي كل شيء كي أعيش أنا وشقيقتي حياة طبيعية، لم نعش في حياة مرفهة، ولكننا لم نحرم من أي شيء، كان هناك جو أسرى جيد، وكان هذا الأمر الأهم في نهاية المطاف".

ويبدو أن هذا السلوك أثر كثيرًا على مودريتش اللاعب، حيث لا يعاني من أي مركبات تعقيد، فمن دينامو إلى توتنهام إلى مدريد إلى الفوز بثلاثة ألقاب في دوري الأبطال والوصول إلى نهائي كأس العالم والترشيح إلى الفوز بالكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم، لا يزال مودريتش هو نفس الشخص الهادئ.

ومن شأن الفوز بكأس العالم لدولة صغيرة مثل كرواتيا يبلغ عدد سكانها 4,5 مليون نسمة، أن يجعل مودريتش مرشحًا بقوة لإنهاء سيطرة كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي على الكرة الذهبية، ولكن كما قال مودريتش أمس الجمعة: "لا يريد مودريتش أيا من الجوائز الفردية، فكل ما يهمه هو الفوز".

تحقيق الفوز على فرنسا يمثل أكبر تحد لكرواتيا في تاريخها مع كرة القدم، ولكن عندما يكون قائد الفرق قادرًا على تبسيط كل شيء صعب في الحياة، فكيف سيتفاعل مع نهائي بطولة بحجم كأس العالم؟

شارك الخبر على