ترامب وبوتين بين حدود الممكن والمجهول (الدكتور فريد الخازن)

ما يقرب من ٦ سنوات فى تيار

السياسة الدولية في زمن ترامب- بوتين حالة غير معهودة بالمقارنة مع حقبة الحرب الباردة أو ما بعدها. تعاملت الولايات المتحدة مع النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وكأنها "ام الصبي"، رافعة لواء الليبرالية والعولمة. اما اليوم فمعركة ترامب الاكثر حدة تستهدف ركائز النظام العالمي وقيمه. فاذا كان ثمة إلتباس في ما يخص اداء ترامب ومراميه في بداية ولايته الرئاسية، فلا حاجة للتساؤل اليوم، فمعارك الرئيس الاميركي متواصلة مع محيطه السياسي المباشر ومع العالم، حلفاء كانوا ام اعداء. مع كوريا الشمالية، حصلت المصالحة على الطريقة العشائرية بعد تهديد ووعيد، واجتماع مرتقب بين بوتين وترامب في هلسنكي.
 
في المقابل، معركة بوتين الاولى عنوانها استعادة مكانة روسيا ودورها بعد السقوط المدوّي للاتحاد السوفياتي في "حروب نجوم" اميركية فعلت فعلها دونما حاجة الى حروب تقليدية. في السنوات الاخيرة، وضع الرئيس الروسي حدا لحالة التراجع والانكفاء، في اوكرانيا وقبلها جورجيا واخيرا سوريا. يضرب بوتين ضربته، حيث لروسيا مواقع قوة ونفوذ، وقد يكون ترامب الشريك الانسب لبوتين. فسلوك ترامب غير المحسوب في العلاقات الدولية افضل ما يقدم لبوتين، الجاهز للاستفادة من اي ثغرة جراء سياسات واشنطن الصدامية. لعبة بوتين تقليدية في اطار موازين القوى المتاحة، بينما لعبة ترامب من خارج المألوف في السياسة الدولية وفي اميركا نفسها.
 
في الشرق الاوسط، وظّف ترامب رصيده للاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل. وهو يراهن على طواحين الهواء في صفقة مكلّف اتمامها من ليس له خبرة في النزاع العربي- الاسرائيلي، الا انه الرجل المناسب بحكم زواجه من ابنة ترامب وتبنيه الموقف الاسرائيلي الاكثر تطرفا. وما قد يسهّل المهمة نظريا، عداء مشترك لايران يجمع بين اميركا واسرائيل والسعودية. اما بوتين فساحة الاشتباك سوريا، حيث النفوذ الروسي الاكبر في المنطقة والقدرة على التأثير في النزاع ومع اطراف الداخل والخارج، ومنها اميركا.
 
الواقع ان لاميركا مصالح اقل اهمية في الشرق الاوسط بالمقارنة مع مصالح ايران واسرائيل وروسيا. المرة الاخيرة التي حشدت فيها واشنطن طاقاتها دعما لمصالح حيوية واستعملت نفوذها، للضغط على اسرائيل تحديدا ، جاءت مع اطلاق المفاوضات العربية- الاسرائيلية في عهد جورج بوش الاب في اواخر 1991. فائض القوة الاميركية آنذاك اتى بعد حرب تحرير الكويت وانتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي. لكن مع وصول المفاوضات الى طريق مسدود في العام 2000، انتقل الاهتمام الاميركي بإتجاه الصين في مطلع ولاية جورج بوش الابن، الى ان عاد التركيز مجددا الى المنطقة بعد اعتداءات 11 ايلول، واعلان واشنطن الحرب على الارهاب في افغانستان ولاحقا في العراق. روسيا، بدورها، عادت الى المنطقة في السنوات الاخيرة عبر البوابة السورية بعد الصدام في اوكرانيا، وهي اعتبرت ان ما حصل في ليبيا في 2011 خدعة اميركية بأداة الحلف الاطلسي. وفي سوريا جنّدت موسكو قدراتها العسكرية ووطّدت علاقاتها مع حلفاء الضرورة، ايران وتركيا، وتعاملت بمرونة مع اميركا واسرائيل. 
 
بوتين المتشدّد يذهب الى اقصى حدود الواقعية، بينما ترامب، الاكثر تشددا، لا حدود لحركته، فلا يتردّد، مثلا، في محاولة اقناع الرئيس الفرنسي بالانسحاب من الاتحاد الاوروبي. فالعالم كله والنظام العالمي معاديان لاميركا، في التجارة العالمية والبيئة وحقوق الانسان، حتى ان كندا لا تقل خطرا على مصالح اميركا من الصين، والمكسيك مصدر خطر من نوع آخر.  الواقع ان ترامب في صدام بلا افق واضح باسم شعار "اميركا اولا"، ومن اجل الحفاظ على التأييد الشعبي لاعادة انتخابه لولاية ثانية. فاذا كانت مغامرة بوتين خاضعة لحدود الممكن، فان مقامرة ترامب حدودها المجهول.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على