على رئيس الحكومة سعد الحريري الإسراع في تأليف حكومة وحدة وطنيّة وإصلاحيّة قبل حلول ليل الندم الطويل

ما يقرب من ٦ سنوات فى تيار

على رئيس الحكومة سعد الحريري الإسراع في تأليف حكومة وحدة وطنيّة وإصلاحيّة قبل حلول ليل الندم الطويلبقلم جورج عبيد
أسئلة كثيرة بدأت تستعاد من جديد لتتراكم على ضفاف معركة تأليف الحكومة وحفافيها بشدّة منها:1-هل الأزمة محصورة فقط بطبيعة التأليف وجوهره وما صاحبه ويصاحبه من خطاب سياسيّ مشتله الداخليّ والمحليّ صراع الأحجام بالسياق التمثيليّ؟2-أو أنها أزمة كيانات تكوينيّة أو مكوّنات كيانية تكوينيّة، مضطرة نسبيًّا إلى التوافق وتأمين حالة الاستقرار، ليس بسبب التوق الداخليّ بل بسبب تقاطع المصالح بين القوى العديدة الخارجيّة الممسكة بالقرار السياسيّ اللبنانيّ، وحتى الآن لم تقرّ بعد إلى الائتلاف التوافقيّ لأن الانتظارات مشدودة إلى القمة الروسيّة-الأميركيّة وما سيتفرّع عنها منها من رؤى، وبعضها الآخر مأخوذ إلى نتائج الحسم الميدانيّ للدولة السوريّة والجيش السوريّ في درعا وصولاً إلى معبر النصيب الاستراتيجيّ على الحدود السوريّة-الأردنيّة، يصل الحسم بمداه حتى الحدود الأردنيّة-السعوديّة بالنتائج، وثمّة من لا يزال يشخص ويرنو نحو باب المندب في اليمن ليبني على الشيء المقتضى؟3-هل الأزمة أزمة حكومة أو أزمة نظام سياسيّ، ينتظر نهوضه بطبعة جديدة، إستتباعًا لما كتبه فؤاد بطرس كوصية له في كتاب المذكرات، الأزمة اللبنانية لا تحلّ بظواهرها بل بجوهرها؟4-وأخيرًا وليس آخرًا، هل ستؤول الأزمة المفتوحة إلى أزمة كيانية وجوديّة أو أنّ لها حدودًا وخطوطًا حمراء من المستحيل تخطّيها حتى لا ينهار لبنان متى انهار التوازن فيه؟ليست الأسئلة المطروحة طارئة ومن المعيب أن ينظر إليها بتسطيح عابر. بل هي جديّة وحادّة للغاية، لأنها صادقة في التوصيف والتعبير وملامسة الجراح المثخنة، ولأنّها في الوقت عينه تبحث عن أجوبة صادقة وشفّافة ومتينة، وتائقة إلى أن تكشف الأجوبة عن حلول جذرية تدرأ عن لبنان اجترار الأزمات تلو الأزمات فتقوده إلى ميناء الخلاص ومضارب الضياء.حين انتخب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة، تكوكب معظم اللبنانيين حوله لأنهم وجدوا فيه رجل دولة عامدًا وعاملاً على الإصلاح الجذريّ في هيكلية الدولة، والإصلاح ثلاثة أنواع:-إصلاح قيميّ في الرؤى فتستعيد السياسة أخلاقياتها المفقودة، سواء بالعلاقات بين الفئات والأحزاب والسياسيين، والأخلاقيات قائمة على الاحترام والتقدير وقبول الواحد للآخر على الرغم من أيّ خلاف طارئ، وعدم استغلال الناس باستتباع غنميّ وتحجيمها بتخلّف عقليّ وشعبويّ، وجعلها وقودًا في حروب المصالح الضيقة فيما يبقون فقراء والمتحاربون أثرياء.-إصلاح سياسيّ، عنوانه تطبيق الدستور، وترسيخ الفلسفة الميثاقية الواردة في مقدمة الدستور وبعض موادّه. ومتى طبّق الدستور برأي رئيس الجمهورية دخلت الحركة السياسيّة انتظامها الموضوعيّ، فينتظم تأليف الحكومة وفقًا للقواعد الدستورية والفلسفة الميثاقية وأصولها المتّبعة.-إصلاح إداريّ عنوانه اقتلاع الفساد من جذوره، والمعركة بوجه الفساد تبقى أمّ المعارك، ويقين الكثيرين بأنّ من يعرقلون تأليف الحكومة هم أرباب الفساد في لبنان، ويشاؤون ويسعون أن تأتي الحكومة ضامنة لاستمرار موجوديتهم في دائرتها وفي الدائرة السياسيّة اللبنانية. وبرأي متابعين إن اقتلاع الفساد من جذوره يضمن الإصلاح الإداري ويضمن ديمومته وانتظام مؤسسات الدولة، ويضمن أكثر فاكثر الدخول والاندراج في الاقتصاد المنتج، ويسمح للدول بأن تساهم بثقة في بناء الاقتصاد اللبناني عبر القروض أو المنح.معظم تلك العناوين محتشدة في معركة تأليف الحكومة، في جزء كبير من السياق الداخليّ. خطورة العناوين الداخلية المطروحة لا تقلّ شأنًا عن العناوين الخارجية المتصارعة على أرض لبنان. فمنها ما يتوازى، ومنها ما يتلاقى. الشيء الأساسيّ والكبير، المفترض محاكاته، لو فرضًا إنتهت أزمة التأليف وشكّلت الحكومة، فهل تخبو نيران الخلافات السياسيّة ونبلغ إئتلافًا مؤديًّا بطبيعته إلى وفاق وطنيّ بوظيفة تكوينية ميثاقية جذريّة، بين جميع المكونات السياسيّة والطائفيّة أو أنّ الخلافات ستنتقل إلى داخل الحكومة ضمن مجموعة صراعات بعنوانين حادين: -إستمرار تطويق العهد.-واستمرار الانشقاق العموديّ الخطير داخل الطوائف؟ثمّة متابعون يرون بأنّ الرئيس سعد الحريري لم يحسن على الإطلاق التقاط اللحظة الأساسيّة المعطاة له من العهد والداعمة له بقوّة لإنهاء أزمة التأليف. مشكلته أنه إلى جانب القوات اللبنانية والحزب التقدميّ الاشتراكيّ لا يزال يراهن على دور سعوديّ لم يره أنّه خبا وكبا. أزمته أنه يخلو من البراغماتيّة-الواقعيّة، وفي الوقت عينه يفتقر إلى الإقدام. حين اعتدي عليه من السعوديين كرئيس حكومة لبنان، كلّ لبنان وقف إلى جانبه وتضامن معه. ووقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقفة رئيس قويّ، حاكى العرب والأوروبيين، وكان إلى جانبه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، في حين أنّ حلفاء الحريري الاستراتيجيين طعنوه في ظهره، ووشوا به، وتآمروا عليه، هل ينسى سعد، كيف أنّ أحد حلفائه استغرب في تلك اللحظة أن لا يستقيل. كلّ القضيّة أنّ هذه المؤامرة هدفت إلى تطويق العهد بشخص رئيسه ميشال عون، وإسقاطه وإعادة لبنان قدر المستطاع إلى مقولة الفوضى الخلاّقة، وأبطلها الرئيس إلى جانب نصرالله وقد وقف رئيس الجمهورية الفرنسيّة إيمانويل ماكرون موقفًا نبيلاً وحريصًا على استقرار لبنان، وأجبر السعوديين على إطلاقه وإعادته إلى لبنان. يتعاطى الرئيس الحريري مع مسألة التأليف بخيارات مختلفة. قبل ذلك طلب السعوديون منه إجبار نادر الحريري على تقديم استقالته فقدمها تحت أسباب واهية، فيما السبب الجوهريّ يتمثّل بدوره الشجاع في مواجهة المتآمرين عليه. طلبوا منه إبعاد نهاد المشنوق عن حاضرته القائل نحن لا نساق كقطعان الغنم، ففعل كرمى لمحمد بن سلمان... هل يعقل أن يتخلّى سعد عن المدافعين الأول عنه وكأنّه يتخلّى عن ذاتيّته من أجل كسب الرضى السعوديّ؟ ثم جاء التأليف وطلبوا منه توزير من تنتدبه القوات لتولّي وزارة الخارجية مكان جبران باسيل، فرفض، وقد عبّر باسيل في مقابلته الأخيرة عن رفض الحريري تولية القوات هذا المنصب. فأصر السعوديون على وزارة الدفاع للقوات إصرارًا شديدًا فكان من الطبيعيّ أن يرفض الجيش ويرفض العهد، بسبب الحساسية الملتهبة القديمة بين الجيش والقوات اللبنانية. كما أنّ السعوديين مصرّون على توزير وليد جنبلاط بثلاث وزراء، ويحضونه على رفض توزير شخصيات سنيّة من فريق الممانعة.كلّ ذلك يعني وبكلّ بساطة، بأنّ السعوديين يحاولون الضغط على سعد الحريري، بهدف الانسجام مع سمير جعجع ووليد جنبلاط في مطالبهما وهي في واقعها مطالب السعوديين أنفسهم. جوهر المطالب عند السعوديين، إستبعاد قوى الممانعة عن الحكومة اللبنانية، فأستغلوا الخلاف بين وليد جنبلاط وطلال أرسلان ليحوّلوه إلى خلاف جذريّ ضمن طائفة الموحّدين الدروز، وساهموا بالانشقاق المسيحيّ العموديّ من جديد بين التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانية، فيما البطريرك المارونيّ بشارة الراعي عاكف على حلّ هذه المسألة من ضمن المسلمات المكروحة حفاظًا على الحضور المسيحيّ في لبنان، ويحاولون منع وصول الشخصيات السنيّة المنتمية إلى جبهة الممانعة إلى الحكومة. القضيّة المحوريّة أن السعوديّة ترمي أوراقها الأخيرة في المدى اللبنانيّ ضمن عنوان تأليف الحكومة، من بعد احتراق أوراقها كاملة في سوريا واليمن وهي على وشك الاحتراق في العراق. ما لم تفهمه بعض القوى السياسيّة اللبنانية، المراهنة على صفقة العصر بأنّ صكوكه الحديثة العهد قد مزّقت وتناثر فتاتها فوق أرض المنطقة، والميدان في سوريا واليمن ممسوك بقوّة من الذين ساهموا بالنصر في البلدين. هل تعلم تلك القوى معنى استعادة درعا وفتح معبر النصيب الحدوديّ مع الأردن؟ هذا يعني سقوط الأطروحة السعوديّة بالكامل في هذا المدى المشرقيّ. هل تعلم القوى عينها ماذا يعني وصول الحوثيين إلى باب المندب في اليمن، المطلّ على المتوسّط، بموقعه الاستراتيجيّ؟ يعني هذا بدوره سقوط الأطروحة السعوديّة في الخليج العربيّ. لقد بات باب المندب مطلاًّ لجبهة الممانعة على المتوسّط، أي على مرفأ بور سعيد في مصر، ومعبر النصيب أمسى مطلاًّ للجبهة عينها على الأردن والسعوديّة، واللافت بأنّ ملك الأردن الحسين أخذ قرارًا بالانفتاح على دمشق والتواصل مع القيادة فيها، وسيحدث لقاء قريب بين القيادتين.تدلّ تلك الوقائع إلى أنّ الأزمة اللبنانية الأخرى إلى جانب الأزمات المحتشدة والمتراكمة، أزمة سوء فهم لمسرى الأمور بمجرياتها، وفي جانب آخر إنها أزمة رهانات ساقطة وفاشلة. لقد قال نائب رئيس المجلس النيابيّ إيلي الفرزلي، كلامًا على شاشة الميادين يجب الوقوف بإمعان امام معانيه ومدلولاته خارج سياق أيّ انفعال. وموقفه متماه بالكليّة وإن كان شخصيًّا مع موقف فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله. لقد دعا السعوديين للكف عن التدخّل في شؤون لبنان، وأعلن جهارًا بأنّ عددًا كبيرًا من النواب على استعداد لحجب الأصوات التي أودعوها لفخامة الرئيس المعطاة لسعد الحريري. ليس هذا الموقف تعبيريًّا بل فعليّ. ذلك أن ثمّة فرصة أهدرتها تلك القوى برهاناتها جاءت من الرئيس عون والسيد نصرالله حين دعيا القوى كلّها لتأليف حكومة وحدة وطنية تضمّ الجميع من دون استثناء. وبحسب المصادر المتابعة الدعوة لا تزال قائمة لتأليف حكومة إصلاحيّة بالمعنى الجذوريّ لكلمة إصلاح، تكافح الفاسدين وتستأصل الفساد من شروشه السرطانيّة. والأفضل وكما دعت أوساط قريبة من الرئيس، أن تتم تلبيتها بسرور، فيدخل الجميع ومن دون استثناء، قطار الحكومة قبل حلول ليل الندم الطويل وصرير الأسنان، وإلاّ، فلات ساعة مندم.

شارك الخبر على