قصص رغيف العيش في السينما.. من إبداع عادل إمام إلى نبوءات خالد يوسف

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

في إحدى ليالي العطلات الرسمية، كان الأب جالسًا في شُرفة المنزل يحتسي شاي العصاري، وهو يقرأ الجريدة، ولم يكن يُدرك أنه حين طلب من زوجته تحضير «الغداء»، أنه سيقلب حال البيت السعيد رأسًا على عقب.. «مفيش عيش»، حاولت الزوجة أن تتصرف بهدوء، وطلبت من أبنائها واحدا تلو الآخر أن يذهبوا للوقوف في طابور العيش، لكنهم رفضوا لأكثر من سبب، الأكبر يستعد لحفل زفافه المقرر إقامته بعد ثلاثة أيام، ومن المؤكد أن الطابور سيأخذ وقتًا أكبر من هذا، وابنتها صُدمت بهذا الطلب لأن اختبارات الثانوية العامة بعد أسبوع، وبالتأكيد لا تريد أن تفوتها بسبب طابور العيش، لكن رب الأسرة وعمودها يقرر في النهاية أن يُضحي ويذهب هو، لتبكيه الأسرة وهي في وداعه، حيث أخذ قفص العيش، وهو ذاهب للمعركة.

الفقرة السابقة هي موضوع إحدى المسرحيات القصيرة، التي قدمها المُخرج خالد جلال في سيت كوم «من غير مقص» عام 2007 ساخرًا من مُعاناة المواطن المصري في الحصول على رغيف العيش في هذه الفترة، لذلك في المشهد التالي تجد أن الأب غاب في الطابور لسنوات، تزوج خلالها ابنه وأنجب، وتخرجت ابنته في الجامعة، ثم ظهر وقد بدا عليه التقدم في السن؛ نظرًا للسنوات الطويلة التي قضاها من عُمره في طابور العيش الذي يبدأ من «القللي» وينتهي في «السلوم»، كما يقول الأب في المسرحية.

1- البؤساء

عام 1978 قرر المُنتج والفنان فريد شوقي تقديم فيلم «البؤساء»، المأخوذ عن الرواية الفرنسية التي حملت نفس الاسم للكاتب العالمي «فيكتور هوجو»، وكتب لها السيناريو الكاتب رفيق الصبان، وكان الحوار للكاتب أحمد بهجت، حيث رصدت الرواية الأصلية مُعاناة بطل القصة «جان فالجان» التي أدت به للسجن والظُلم الذي تعرض له داخل أسواره لتكتمل المُعاناة بعد خروجه من السجن أيضًا.

في المشاهد الأولى يكشف الفيلم المصري عن سبب دخول «حامد حمدان» -فريد شوقي- للسجن، من خلال مشهد جمعه بـ«الشيخ عبد الغفار» -عبد الوارث عسر- فيسألة: «قولي أنت دخلت السجن بتهمة إيه؟» فيرد حمدان: «رغيف عيش، سرقت رغيف عيش علشان أكل إخواتي الصغيرين»، ليسرد مُعاناته في الحصول على الرغيف الذي أدى به للحبس 19 عاما، قبل أن يُقرر الهروب منه.

مرجان أحمد مرجان

كعادة عادل إمام السخرية من الأوضاع الاجتماعية الصعبة في أفلامه، تهكم في فيلمه مُرجان أحمد مُرجان «2007»، من تعاطي المسئولين مع أزمة "العيش البلدي"، فحينما أصبح عضوًا بمجلس الشعب، تكلم عن الأزمة قائلًا: «نيجي لرغيف العيش، اللى يقولك دا فيه مسامير واللى يقولك دا فيه إزاز، واللى يقولك دا طعمه مش عارف إيه، طب أنا النهاردة عديت على فرن جبت رغيف عيش»، ثُم يقوم بإخراج رغيف العيش الذي اشتراه، ليظهر بشكل وحجم غير المًعتاد ويُكمل «دا بسكويت يا جماعة مش عيش»، بالطبع مُرجان كان أحد الرجال الفاسدين الذين يصفقون للحكومات، ولم يكن واقعيًا، لكنه قدم للمجلس أسباب تِلك الأزمة، مؤكدًا أن الأزمة كُلها في الطفل الذي يقوم بشراء العيش فيقوم بأكله قبل أن يصل للبيت.

«دكان شحاتة»

في 2009 كانت الأوضاع الاجتماعية والسياسية في مصر على أشدها، وكان هُناك العديد من الأزمات التي يعيشها المواطن المصري، أهمها أزمة الحصول على رغيف الخُبز، وكان من الجرأة للمُخرج خالد يوسف أن يُقدم فيلمًا مثل فيلم «دكان شحاتة»، الذي ظل طوال أحداثه يُذكرك بأزمة طابور العيش، حتى إن المُطرب أحمد سعد قدم خلاله أغنية ضمن مجموعة الأغاني التي سمعناها في الفيلم أغنية «مش باقي مني» ويقول ضمن كلماتها «وإنتي في طابور العيش، بتبوسي إيد الزمن ينولك لقمة من حقك المشروع» في حين أن تعرض الشاشة مع هذه الكلمات، ما تنبأ المخرج بأنه قد يحدث، وهو حالة الهياج التي انتابت الفقراء، جعلتهم يسرقون القطار الذي يحمل القمح لعدم وجود العيش، ولكن جاءت الثورة لتقطع الطريق على هذا السيناريو القاتم.

«كلمني شكرًا»

خالد يوسف  ناقش مجددًا أزمة "العيش"، المتمثلة في سرقة أصحاب ومُلاك الأفران الدقيق المدعوم من الحكومة وبيعه في السوق العادي بسعر أعلى ليكون مكسبه أضعافا، كان يقوم بأداء شخصية صاحب الفرن الفنان صبري فواز الذي يُطلق لحيته، لأنها مظهر تُعطي صاحبها مصداقية، لأن الناس دائمًا ما تأخذ بالمظاهر، ويظهر أيضًا خالد من خلال عدة مشاهد المعارك الطويلة التي تدور في طابور العيش.

الإرهاب والكباب

عام 1992 قدم الثلاثي الكاتب وحيد حامد والمُخرج شريف عرفة والفنان عادل إمام واحدًا من أهم أفلام السينما المصرية وهو فيلم «الإرهاب والكباب»، ورغم أن إمام قدم بعد ذلك "مُرجان"، الذي يُدلس فيه للحكومة، إلا أنه في "الإرهاب والكباب" تناول عدة أزمات يمر بها المواطن المصري، على رأسها البيروقراطية الإدارية، وفي مشهد يُعتبر «الماستر سين» للفنان عادل إمام حينما يشكو أزماته والصعاب التي مر بها، وذكر من بينهم «رغيف العيش»، قائلًا «مفيش حاجة تعباني غير رغيف العيش، بقف في صف طويل عريض، بتعذب لغاية ما بلاقيه وبتعذب كمان وأنا باكله».

اليوم، قررت وزارة التموين إضافة "فيتامينات" إلى رغيف العيش، وبالأمس كانت منظومة الخبز الجديدة، التي قضت على طوابير "العيش"، وربما لهذه الأسباب لم يعد "الرغيف" مادة جذابة للأعمال الدرامية الجديدة.

شارك الخبر على