ترامب وكلينتون و"الواقعية السياسية" إزاء روسيا وبقية الدول الأخرى
أكثر من ٨ سنوات فى قنا
واشنطن في 03 نوفمبر /قنا/ أصبحت العلاقات الأمريكية الروسية محورية هذا العام في تحديد التباين بين برنامجي السياسة الخارجية لدى مرشحي الرئاسة الامريكية هيلاري كلينتون ودونالد ترامب بالنظر إلى عدة أزمات دولية أولها الأزمة السورية وفشل دبلوماسية وزيري الخارجية جون كيري وسيرجي لافروف التي تحولت إلى تصعيد جديد بين واشنطن وموسكو إلى جانب نصب صواريخ الدرع الصاروخي الأوروبي الأمريكي على حدود روسيا بسبب تداعيات أزمة أوكرانيا منذ عام 2014، وثالثهما عودة القطبية الثنائية في النظام الدولي داخل الأمم المتحدة وخارجها وسط التنافس بين روسيا وأمريكا.
وفي حديث خاص لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، قال الدكتور محمد الشرقاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج ميسن إنه يوجد قاسم مشترك مثير بين مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب ومرشحة الحزب الديمقراطي كلينتون في تبني الواقعية السياسية إزاء روسيا وبقية الدول الأخرى ولكن بطريقة مختلفة.
وأوضح أن ترامب يبحث الاعتماد على ميزان القوة ولا يمانع في مشاركة بوتين في إدارة الأزمات المتعددة حاليا في الشرق الأوسط وتحمل المتاعب وتقاسم المكاسب بداية بالقضاء أو على الأقل احتواء تنظيم "داعش".
وأضاف أن ترامب يجمع بين المناداة بالجمع بين الانعزالية السياسية والحمائية الاقتصادية في السياسة الخارجية الأمريكية. أما كلينتون فلها مشروع يقوم على الجمع بين ما يعرف بالقوة الخشنة والقوة الناعمة والقوة الذكية، بمعنى استخدام "العصا مع تقديم بعض الجزرات التحفيزية".
وتوقع أن تضرب كلينتون بيد من حديد على مواقع تنظيم "داعش" وتصعد معارضتها للأهداف الروسية في سوريا، وأنها ستسعى لتعزيز قوة حلف شمال الأطلسي. ولا تمانع كلينتون على حد تعبير الدكتور الشرقاوي في أن توصف بأحد صقور الحزب الديمقراطي، وهي التي تعتبر هنري كيسنجر قدوتها في العمل الدبلوماسي وتفخر برضاه على أسلوبها في السياسة الدولية.
أما عن سياسة المرشح الفائز إزاء منطقة الشرق الأوسط، فقال إن ترامب يرى ضرورة تركيز الولايات المتحدة على الحفاظ على الأمن القومي لإسرائيل وعدم السماح لإيران بالدخول في النادي النووي الدولي.
وأوضح الدكتور الشرقاوي أن هذين هما الخطان اللذان ستسير عليهما السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ماعدا ذلك، سيستمر أسلوب إدارة الصراعات (وليس بالضرورة تسويتها) في العراق وسوريا واليمن وليبيا.
وقال إنه من الواضح أن ترامب يعد بإعادة النظر بشكل جذري في الاتفاق مع إيران و"إن كان يطمع في صفقات مالية وتجارية مع طهران تجعله يظهر في أعين مناصريه بمظهر من يجمع بين المجد السياسي والمجد المالي في التوصل إلى صفقات خاصة وأن السوق الإيرانية وحاجتها من قطع الغيار وتجديد بنية قطاع الطيران والتكنولوجيا وغيرهما تظل مغرية للشركات الأمريكية."
ورأى الدكتور محمد الشرقاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج ميسن،أن كلينتون تسعى بالمقابل للحفاظ على علاقات جيدة مع حلفاء أمريكا في المنطقة إلا أنها ستكون أكثر "براغماتية" من باراك أوباما في تكريس سياسة واقعية تخدم المصالح الاستراتيجية في المنطقة وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب والتطرف.
وفيما يتعلق بالملف الإيراني النووي، قال الدكتور الشرقاوي إن انتقاد ترامب للرئيس أوباما ووزير الخارجية كيري لما وصفه بـ "أسوأ صفقة في تاريخ الولايات المتحدة"، وهو أحد تكتيكات ترامب لكي يلعن جميع إنجازات أوباما ومن خلفه الحزب الديمقراطي على أنها "فاشلة".
وقال إن ترامب، في المقابل، لم يقترح سياسة أو استراتيجية بديلة ينافس بها خطة الديمقراطيين وذلك لسبب بسيط هو أنه "لا يستطيع بلورة برنامج انتخابي قائم بذاته"، مضيفا أنه على مر الأشهر الستة عشر منذ إعلانه الترشح لانتخابات الرئاسة، لم يقدم ترامب خطة متكاملة واحدة سواء في مجال السياسة الخارجية أو الداخلية، ووصفه بـ "مرشح العناوين الفضفاضة."
ودعا الدكتور الشرقاوي إلى عدم الاعتداد بأغلب ما يقوله المرشح خلال الحملات الانتخابية نظرا لأبعاده الدعائية بين الجمهور أكثر من تحوله إلى قرارات نهائية داخل البيت الأبيض. وقال إن انتقاد ترامب لحلف شمال الأطلسي هو خطوة تكتيكية في نجاح ترامب في تكريس منحى جديد في أداء مرشحي الرئاسة وهو يقوم على السياسة الأدائية، أي أن فرص المرشحين لم تعد تقوم على تحديد برامج وخطط سياسية يقتنع أو لا يقتنع بها الجمهور فحسب، بل أيضا أصبحت تعتمد على كيف يقدمها المرشح أمام الكاميرات والتجمعات الجماهيرية.
وحول السياسة المستقبلية للولايات المتحدة تجاه بعض الدول بعد أن أزالت الإدارة الأمريكية الحالية الجليد عن العلاقات مع كوبا، قال الدكتور الشرقاوي بالنسبة للشق الأول، يمكن اختصار الجواب في أن ترامب يرفض الانفتاح على كوبا وجل السياسات التي كرسها الرئيس أوباما خلال السنوات الثماني الماضية، ولا يقدم البديل بما يتجاوز النقد غير الموضوعي والتنكيل السياسي. أما في حال فوز كلينتون، فإنها ستحافظ على إنجازات أوباما في المجالين الخارجي والداخلي، وستكون الأعوام الأربعة أو الثمانية المقبلة بمثابة "حكومة أوباما رقم 3" أي استمرارية لسياسة أوباما مع بعض المزج ببعض السياسات الاقتصادية التي نجحت خلال رئاسة زوجها بيل كلينتون.
أما عن القضية الفلسطينية، فتوقع الدكتور الشرقاوي أن كلينتون لن تحرك المياه الراكدة بعد احتضار الأمل في تطبيق اتفاق أوسلو ونحن في الذكرى السنوية الثالثة والعشرين لإبرامه وسط الزخم الذي أحاط بمسلسل المفاوضات العربية الإسرائيلية في واشنطن.
وأضاف أنها تتعهد بمركزية التحالف الإسرائيلي الأمريكي ومنح إسرائيل ما تحتاجه للحفاظ على تفوقها العسكري والاستراتيجي. وعلى خلاف أوباما الذي ظلت علاقته فاترة مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، فيبدو أن كلينتون حسب قوله تريد استعادة الدفء والقرب التقليدي بين البلدين وإن كانت لا ترضى عن سياسة تشييد مستوطنات جديدة حول القدس وفي الضفة الغربية.
أما ترامب، فقد أعلن إمكانية التدخل في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كوسيط محايد للتوصل إلى "صفقة" تكريسا لعقيدته في النجاح في إبرام الصفقات، وإن ظل الفرق شاسعا بين الصفقات التجارية والاتفاقات السياسية خاصة بالنسبة لنزاع تاريخي وسياسي ووجودي وديني وثقافي وإيديولوجي معقد منذ عام 1948 وحروب 1967 و1973 و2006 وانفصال غزة عن الضفة عام 2007.