«ارحموا عزيز قومٍ ذّل».. رحلة انهيار الجنيه أمام الدولار في نصف قرن

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

في أحد مشاهد فيلم «غني حرب»، إنتاج عام 1947، يظهر الممُثل الشاب كمال الشناوي، في أول أدواره السينمائية، مخاطبًا القدير بشارة واكيم، أحد رواد السينما المصرية، والذي يُجسد دور أحد الأثرياء، يُدعى «حسنين بيه المُخ»، قائلًا: «حسنين بيه.. الآنسة قشطة (إلهام حسين) فسخت خطوبتنا، مع إني خلاص هفتح عيادة تكسب يوميًا 4 : 5 جنيه»، فيرد «واكيم» مصاحبًا حديثه بابتسامة عريضة وترحيب بالغ: «يا سلام!! 4 : 5 جنيه حتة واحدة؟! ده شيء جميل جدًا، 5 جنيه يعني 20 دولار، يعني 100 شلّن»..

من هذا المشهد يتضح مدى تغيّر قيمة الجنيه المصري في عصرنا الحالي عما كان عليه مطلع القرن الماضي، بعدما تم إصداره للمرة الأولى عام 1834، وبدأ صكه وتداوله عام 1836، وفي 3 أبريل من العام 1899، أصدر البنك الأهلي المصري الأوراق النقدية لأول مرة في مصر، أي منذ ما يزيد على 116 عامًا، شهد خلالها «الجنيه» العديد من التغييرات في الشكل والحجم، فضلًا عن القيمة، لينزّل من قمة عرش العملات الأغلى في العالم إلى مستوى متدنٍ أمام نظائره من العملات العربية والأجنبية.

ومن الملاحظ أنه على مدار السنوات الماضية، ومنذ عام 1939، شهدت تعاملات الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي حالة من الارتفاع المستمر، والذي كان بوتيرة واحدة حتى عام 1990، ليشهد بعد ذلك قفزات كبيرة وفترة جديدة في عهد التراجعات القوية التي سجلها الجنيه مقابل الدولار، حيث قفزّ من نحو 0.2 جنيه في عام 1939، ليتخطى حاجز الـ18 جنيهًا في السوق السوداء عام 2016، محققًا رقمًا قياسيًا لم يصل له من قبل.

عهد السلطان فؤاد

عاش الجنيه المصري أزهي عصوره في عهد السلطان فؤاد الأول «1917 ـ 1922»، حيث كان تتجاوز قيمته حينها 5 دولارات، وحمل حينها وجهه صورة جملين، وفي الخلف اسم البنك الأهلي المصري الذي كان يقوم حينها بوظائف البنوك المركزية قبل أن يتفرغ بعد تأميمه في الستينات للقيام بدور البنوك التجارية.

ثم تغيّر شكل الجنيه مرة أخرى، بعد تغيّر اسمه الحكم لـ«الملك فؤاد»، «1922 – 1936»، من اللون البرتقالي إلى الأزرق والبني، ليحمل وجهه رأس أبو الهول، وفي الخلف صورة لأحد المساجد باللون الأخضر.

عهد الملك فاروق

وبلغت قيمة الجنيه في أواخر عهد الملك فاروق «1936 ـ 1952» نحو 4 دولارات، كما تم تغيير شكله مرة أخرى في عام 1950، ليُصبح وجه الملك على وجهه الأول، وفي الخلف صورة لمعبد إيزيس في أسوان.

ثورة يوليو وعهد نجيب

بعد اندلاع ثورة 23 يوليو، واصل الدولار الأمريكي تراجعه، وفي عام 1952 تم تغيير الوجه الأول للجنيه بالشكل القديم الذي صدر في عهد الملك فؤاد الأول، مع الإبقاء على معبد إيزيس في الوجه الآخر.

عهد ناصر

واصل الدولار تراجعه ليبلُغ في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر «1956ــ 1970»، نحو 2.5 دولار، وسجل سعر صرف الدولار قفزّة كبيرة مقابل الجنيه، حيث ارتفع من نحو 0.25 إلى نحو 0.38 بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 52%.

وفي عهد «ناصر» تم تغيير شكل الجنيه مرتين، في عام 1963 تم الإبقاء على الوجه الأول واستبدال معبد إيزيس بزخرفة إسلامية، وفي عام 1968، شهد الجنيه تغييرًا جديدًا، حيث ظهر مسجد قايتباي على وجهه الأول وفي الخلف معبد أبو سمبل.

عهد السادات

وفي عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات «1970 ـ 1981» فقد الجنيه جزءًا كبيرًا من قيمته ليبلغ 1.70 دولار، وقفز سعر صرف الدولار بنسبة كبيرة مرتفعًا من نحو 0.40 جنيه إلى نحو 0.60 جنيه بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 50%، كما شهد الجنيه تغييرًا طفيفًا في شكله بزيادة بعد الزخارف الإسلامية مع تغيير زاوية صورتي مسجد قايتباي معبد أبو سمبل.

عهد مبارك

في عهد الرئيس حسني مبارك «1981 ـ 2011»، انخفضت العملة المصرية عن الدولار للمرة الأولى، وقفزّ سعر صرف الدولار بنسب قياسية مرتفعًا من نحو 0.40 جنيه في عام 1989 إلى نحو 0.83 جنيه في عام 1990 بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 107.5%، ومع بداية التسعينيات ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من نحو 0.83 جنيه في عام 1990 ليُسجل نحو 1.50 جنيهًا عام 1991 بنسبة ارتفاع تتجاوز نحو 80%، وفي عام 1992 قفزّ لنسبة 100% مرتفعًا ليُسجل نحو 3 جنيهات، ومنذ عام 1993 وحتى بداية الألفية الجديدة لم يرتفع سعر صرف الدولار بنسب كبيرة، مُسجلًا نحو 3.40 جنيه بنسبة ارتفاع لا تتجاوز نحو 2%، وفي عام 2003 وصل سعر صرف الدولار إلى 4.60 جنيهًا، وفي عام 2004 سجل نحو 5 جنيهات، ومنذ عام 2005 وحتى قيام ثورة يناير 2011 ارتفع سعر صرف الدولار ليُسجل نحو 6.5 جنيهًا.

وفي عهد «مبارك» مرّ الجنيه، الذي لم يشهد أي تغييرات في شكله، بمرحلتين، أولاها قبل سعر تحرير سعر الصرف في 2003، حيث كان الدولار حينها يدور في فلك 3.5 جنيه، والمرحلة الثانية من 2003، فشهد تراجعًا بقيمته ليصل لفلك 5.50 جنيه، فيما شهد عام 2007 سابقة فى تاريخ النقد المصري عندما صدرت عملة ورقية فئة 200 جنيه بتصميم مبتكر يحمل صورة مسجد «قانيباى أميرا خور» الذي يقع في ربوة عالية تطل على ميدان صلاح الدين بالقلعة، وظهر التصميم معتمدًا على صورة لتمثال «الكاتب الجالس» من الأسرة الخامسة ومن حوله مجموعة ملونة من الزخارف الفرعونية وزهور اللوتس وعلى يمينه خرطوشه فرعونية كتب بداخلها «مصر السلام» باللغة الهيروغليفية.

واختفى الجنيه الورقي منذ بداية العام 2010، بعد قرار بطرس غالي وزير المالية الأسبق، بإلغاء العملات الورقية التي لا تزيد فئتها عن الجنيه، والاكتفاء بالعملات المعدنية من هذه الفئات، إضافة إلى سحب العملات الورقية الصغيرة تدريجيًا من الأسواق‏، لتُلغى تدريجيًا في غضون 3 أعوام.

ثورة 25 يناير وحكم مرسي

وبعد ثورة 25 يناير 2011، واصل الدولار ارتفاعه أمام الجنيه ليُسجل مستويات قياسية لم يحققها من قبل بعدما وصل إلى 6.19 جنيه، في ظلّ تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، ليبلغ في نهاية نوفمبر 2012 نحو 15 مليار دولار، ولم تشهد قيمته تغيرات كبيرة عن سابقتها خلال عهد الرئيس المعزول محمد مرسي.

عهد السيسي

كانت أكبر قفزّة شهدها الدولار مقابل الجنيه خلال السنوات الخمس الماضية التي أعقبت قيام ثورة يناير 2011، حيث قفزّ سعر صرف الدولار من نحو 6.50 جنيهًا في نهاية عام 2011، ليُسجل نحو 18 جنيهًا خلال أكتوبر 2016، خلال فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، محققًا ارتفاعات قياسية.

أما بالنسبة للتغير الذي طرأ على شكل الجنيه، فبالتزامن مع حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، عام 2015، تم بدء تداول عملة الجنيه المعدني التي تحمل صورة شعار القناة الجديدة، وفي مايو 2016، عاد الجنيه الورقي للتداول مرة أخرى، بقرار من طارق عامر، رئيس البنك المركزي، بعد غياب 5 أعوام.

وأصدر البنك المركزي، في الثالث من نوفمبر 2016، قرارًا بتعويم الجنيه تعويمًا كاملًا، وفقًا لآليات العرض والطلب، وخفض قيمته بنسبة 48% مؤقتًا، ليُسجل الدولار 13 جنيهًا، تطبيقًا لحزمة إصلاحات اقتصادية بناء على طلب صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار.

شارك الخبر على