لماذا ستفشل العقوبات الأمريكية على إيران في تحقيق أهدافها؟

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مايو الماضي، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.

وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، أصدرت إدارة ترامب مزيدًا من التفاصيل عن خططها لفرض عقوبات على إيران، حيث أشارت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية، إنها قد تكون سياسة طموحة لتغيير سلوك إيران، إلا أنها تقوم على افتراضات خاطئة، وقد تؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية.

فقبل شهرين، حدد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قائمة من 12 طلبًا لإيران، وتضم عدد من الأنشطة التي لا ترغب إيران في التراجع عنها، حيث هددت بإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران ما لم تغير تماما فلسفة سياستها الخارجية.

والآن تقول وزارة الخارجية الأمريكية، إن أحد أهداف فرض عقوبات جديدة، على النفط هو خفض صادرات إيران النفطية إلى الصفر، حتى تبدأ بالتصرف "كدولة عادية".

ووضعت الصحيفة عدد من الافتراضات، حيث يقول الافتراض الأول إن هذه السياسة ستكون فعالة، إلا أن عدة دول قالت إنها لا تنوي احترام العقوبات الأمريكية الجديدة، ومن المرجح أن يجد أكبر مستوردي النفط الإيراني سبلًا للحد من فعالية العقوبات الأمريكية.

كان لتركيا تاريخ طويل في استيراد النفط من العراق وإيران، على الرغم من العقوبات المفروضة عليهم، ولا تعتقد أنها مقيدة بالعقوبات الأمريكية، وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على تركيا، ما سيؤدي إلى المخاطرة بخسارة جهود أنقرة في مواجهة الأنشطة الإيرانية في سوريا.

اقرأ المزيد: بعد العقوبات الأمريكية.. 10 شركات تغادر السوق الإيرانية

وقالت الهند، أيضًا، إنها لا تعترف بالعقوبات الفردية، وفي الماضي، اتخذت الهند إجراءات مختلفة مع إيران لشراء النفط بالروبية، لتجنب العقوبات الأمريكية، وعلى الرغم من أن هذه الصفقات ليست مربحة بالنسبة لإيران، إلا أنها تسمح بوجود طريق للتصدير.

الهند بالتأكيد ليست البلد الوحيد الذي قد يسعى إلى تجنب العقوبات واستبدال الدولار بعملتها المحلية، الصين كذلك في وضع جيد، باعتبارها أكبر مستورد للنفط الإيراني، يمكنها من التفاوض على شراء النفط باليوان.

في نهاية المطاف، سيكون السؤال المطروح هو كم صفقة يمكن لإيران توقيعها لتقويض العقوبات الأمريكية الجديدة؟ وفي الوقت الذي ستتسبب فيه العقوبات ببعض الأضرار، سيكون من المستحيل خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر دون تحمل الولايات المتحدة تكاليف باهظة.

الافتراض الثاني هو أن هذه السياسة فكرة جيدة، لكن فرض عقوبات اقتصادية جديدة الآن هو مناورة محفوفة بالمخاطر، وقد يؤدي إلى نتائج عكسية.

ففي الوقت الذي تستهدف فيه العقوبات الجديدة إيران، فإنها قد تفرض أيضًا على أي دولة تتعامل مع إيران، وقد تعتقد إدارة ترامب أن بوسعها فرض عقوبات على تركيا والهند، دون حدوث أضرار ضخمة، ولكن إلى أي مدى يمكنها العمل على منع الصين من استيراد النفط الإيراني؟

ويأتي هذا التهديد بفرض عقوبات جديدة في وقت تستعد فيه الإدارة الأمريكية، لشن حروب تجارية متزامنة مع جيرانها وحلفائها وأقرب شركائها التجاريين.

اقرأ المزيد: آثار العقوبات الأمريكية على إيران تصل إلى أفغانستان

وأشارت "ذا هيل" إلى أن نهج ترامب في السياسة الخارجية قد يكون غير فعال، فمن المشكوك فيه أن يحقق فرض مثل هذه العقوبات الواسعة النطاق على العديد من الحلفاء والشركاء والخصوم، النتائج المرجوة في مثل هذه البيئة المعقدة من المفاوضات.

الافتراض الثالث، الذي تعتقد الصحيفة أنه خاطئ، هو أن العقوبات يمكن أن تجبر إيران على تغيير سلوكها، ففي حالة عدم رفض الدول الأخرى العقوبات الجديدة، من غير المحتمل أن يتسبب "الإكراه" في دفع إيران إلى إعادة التفكير في برنامجها النووي أو أنشطتها الخارجية.

على العكس من ذلك، تعهدت إيران باستئناف أنشطتها النووية، وهذه ليست مجرد تهديدات، حيث تم تجميد البرنامج النووي الإيراني لسنوات عديدة قبل أن يتم استئنافه في عام 2003، ولم يحدث ذلك إلا بعد أن تبنت الولايات المتحدة سياسات لتغيير النظام في أفغانستان والعراق، ووضع إيران على "محور الشر".

وعلى الرغم من أن طموحات إيران النووية تتشابك بلا شك مع سعي قادة البلاد للحصول على الاعتراف العالمي، وتحقيق الهيمنة الإقليمية، إلا أن الردع هو شرط أساسي للسعي وراء الأسلحة النووية.

علاوة على ذلك، ستزيد العقوبات من قوة المتشددين في طهران، حيث يرى البعض أن فرض العقوبات على إيران، سيدفع الشعب الإيراني، الذي يعاني في ظل سلطة فشلت في إدارة النظام الاقتصادي، إلى الثورة ضد حكومته وإجبارها على الإذعان لمطالب بومبيو الـ12.

وترى "ذا هيل" أن هذا مجرد حلم خيالي، فمن المستبعد أن يتعاون الشعب الإيراني مع أمريكا ضد حكومته، على الرغم من فشلها، ومن المرجح بدرجة أكبر أن يتم إسكات المعتدلين، وسوف تسود الأصوات المناهضة لأمريكا.

اقرأ المزيد: كيف سيتم فرض العقوبات الأمريكية على إيران؟

فيجب أن نذكر أن الضغوط نفسها هي التي دفعت إيران إلى استئناف برنامجها النووي، وكذلك إلى جلب محمود أحمدي نجاد إلى السلطة.

وعلى المستوى العالمي، من الصعب أن نرى كيف أن استراتيجية الاعتماد على فرض عقوبات على إيران من أجل دفعها إلى الاستسلام، هي في صالح الولايات المتحدة.

حيث تعتقد الأطراف الأخرى الموقعة على خطة العمل المشتركة الشاملة، المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، أن نظام العقوبات الجديد خطوة متهورة.

ومع ذلك، تبدو إدارة ترامب مصممة على الإستمرار وفق السياسة نفسها، ففي سياق المناوشات الاقتصادية المستمرة مع العالم، فإن معاقبة إيران هي مجرد مصدر آخر للتوتر بين الولايات المتحدة والاقتصادات الرئيسية الأخرى في العالم.

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه لا شك أن الولايات المتحدة لا تزال قوية اقتصاديًا بما يكفي لإجبار معظم الدول على قبول هذه العقوبات الجديدة، إلا أن السؤال هنا ما إذا كانت هذه العقوبات ستجبر إيران على تغيير سلوكها، وإلى أي مدى ستتحمل الدول الأخرى هذا الخط المتشدد؟

وفي هذه المرحلة، قد لا تكون الدول مستعدة للتضحية بقدرتها على التعامل مع النظام الاقتصادي الأمريكي، من أجل إيران، ولكن إجبارهم على الاختيار سيكلف واشنطن الكثير من رأس مالها السياسي.

شارك الخبر على