قصر الاليزي يتسلم رسالة من السيناتور ولد غده إلى ماكرون (نص الرسالة)

ما يقرب من ٦ سنوات فى أخبار الوطن

رسالة مفتوحة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون السيد الرئيس، مثل كل الموريتانيين، أرحب بزيارتكم لبلادنا . و لقد كان بِوِدي أن أشارك فى الاستقبال الذي سيخصص لكم فى انواكشوط،لأن مجيئكم إلى موريتانيا “أرض المليون شاعر” يسعد كل  واحد منا . و كان بِوِدي أن أخاطب  فيكم الرئيس الفيلسوف وعاشق الأدب بأبيات خالدة  للشاعر الكبير أحمدو ولد عبد القادر: “هل كُتب التيه علينا قدرا أزلا؟ أم أن رحلتنا تنثني ذات يوم مظفرة و غانمة أو بأبيات أخرى للشاعر الكبيرعثمان موسى جاغانا: “بلادي لؤلؤة مكنونة كما الأثر فى الرمل بلادي لؤلؤة مكنونة كما همس الأمواج” كم كان بِودي لو كلَّمتكم مباشرة عن بلدي، موريتانيا، عن همومها وجراحاتها ،لكن أيضا عن  آمالنا و رؤيتنا  لما يجب أن تكون عليه  علاقاتنا مع بلد كم الصديق . لكن، وللأسف، لن تتاح لي الفرصة. إنني أكتب لكم هذه الرسالة من زنزانتي بالسجن المركزي فى انواكشوط، حيث أُعتَقَلُ بشكل تحكُّمي وبدون محاكمة منذ 10 أغسطس 2017. ومع ذلك سوف أقدم لكم رؤيتنا فى المعارضة والمجتمع المدني للوضع الراهن فى بلادنا وللعلاقات بين بلدينا الصديقين. السيد الرئيس، نعلم مدى اهتمامكم بموضوع مجموعة دول الساحل الخمس،وجهودكم فى مكافحة الإرهاب في دول المنطقة،و ندرك تمامًا أن هذا الموضوع سيكون في صميم محادثاتكم مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز. لقد بذل بلدكم  جهدا كبيرا فى حشد التمويلات الدولية لدعم مجموعة الساحل غير أن هذه المجموعة، وبعد مرور أربع سنوات على إنشائها، لم تفلح فى إقناع المجتمع الدولي بفاعليتها. فعلى الرغم من التدخل الفرنسي القوي ، فإن الهجمات الإرهابية لا تزال تُدمِي دول المنطقة. إن أسباب عدم فاعلية مجموعة الساحل ليست عصية على الفهم. فالرئيس عزيز الذي هيمن عليها،لم يقتنع أبدا بالمشروع الإقليمي لمحاربة الإرهاب. واليوم يواصل عناده فى رفض توسيع مجموعة الساحل لتشمل الدول الأخرى المعنية بمكافحة الإرهاب فى المنطقة.   فلا يفاجئكم الخطاب الغامض الذي ستسمعونه فى انواكشوط بشأن الالتزام بمحاربة الارهاب.  فمحاربة الارهاب  – بالنسبة للرئيس عزيز – ليست سوى ذريعة للحصول على دعم فرنسا لمواصلة قمع المعارضين وتحييد كل صوت مخالف. إننا نهيب بكم أن لا يُستغَلَّ دعمكم لبلادنا فى إطار محاربة الارهاب لتعزيز النظام الدكتاتوري للرئيس عزيز،فليس إلى هذا الهدف تصرفون ،دون شك،أموال دافع الضرائب الفرنسي. عليكم أن تعلموا أن الكلام المنمق الذي سيُقدَّمُ إليكم موجَّه فقط للاستهلاك الخارجي،إنه  لا يعدو الخطاب المزدوج الذي دأب عليه الرئيس عزيز, فإنكم تذكرون تصريحاته لجريدة الأهرام المصرين بعيد هجمات نيس حين قال ان فرنسا هي التي تسببت في الهجمات الارهابية على أرضها بفعل تدخلاتها السلبية في بلداننا, فى الوقت الذي يقبع فيه المعارضون السياسيون و مناضلو حقوق الانسان فى السجون، يسرح الارهابيون ويمرحون  دون أن يزعجهم النظام. ولا يترددون فى إطلاق فتاوى نارية ضد هذا الزعيم السياسي أو الديني ممن ينبذون الغلو و التطرف. السيد الرئيس، إن دولة متسلطة ومرتشية غيرُ قادرة على محاربة الارهاب،وتعلمون أكثر من غيركم أنه لا يمكن فصل محاربة التطرف عن النضال من أجل دولة القانون والحريات الأساسية، فالإرهاب منبته الظلم والقمع. لهذا فإن الأولوية الممنوحة لمكافحة الارهاب يجب أن لا تغطي الانتهاكات الخطيرة للديمقراطية وحقوق الانسان في موريتانيا. إن الرئيس عزيز قد داس دستور وقوانين البلد. فبعد مأموريتين تميزتا بالتفرد بالسلطة واستيلاء محيطه على موارد البلد حاول تعديل قوانين اللعبة قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2019 التي يمنعه الدستور من الترشح لها. ولم يثنِه عن تعديل الدستور إلا الضغوطات الداخلية و الدولية . ومنذئذٍ  بدأ  حملة شرسة لتقييد الحقوق والحريات هدفها القضاء على أي معارضة لمشروعه بالبقاء فى السلطة. لقد شطب على مجلس الشيوخ فى استفتاء لا دستوري لأن أعضاء المجلس عارضوا بشدة مبادرته لمراجعة الدستور. ولم يتردد فى التلاعب بالقضاء للزج بالمعارضين ،وأنا منهم،و دعاة حقوق الانسان ومناوئي العبودية فى سجونه الرهيبة. ولم يتردد أيضا فى وضع شيوخ وقادة نقابيين ومديري نشر وصحفيين تحت الرقابة القضائية وسحب منهم جوازاتهم ومنعهم من السفر منذ سنة تقريبا. وحتى الحالة المدنية استخدمها سلاحا ضد المعارضين الذين يرفض تجديد جوازاتهم وجوازات أفراد عائلاتهم،ومنَع وزراءَ خارجية سابقين من حقهم فى جوازات دبلوماسية لأنهم فقط ليسوا على هواه. ولخنْق الحريات أكثر عمد إلى تكميم الصحافة.  اسألوا الصحفيين سيخبرونكم أن التلفزيونات  والإذاعات الحرة قد أغلقت وأن الإعلام العمومي مسخر وأن الصحف المستقلة محرومة من التمويل. فى ترتيب منظمة”صحفيون بلا حدود”هبطت موريتانيا من المرتبة 57 إلى المرتبة 72  مسجلة بذلك تراجعا غير مسبوق فى حرية التعبير. منذ استيلائه على الحكم،ضاعف الرئيس عزيز انتهاكات حقوق الإنسان وبات ظلم نظامه للحراطين والزنوج وكل ضحايا الاقصاء الاجتماعي وَقودا للتفرقة وتهديدا خطيرا للوحدة الوطنية التي يتهددها أيضا إفلاس     المنظومة التربوية. لقد باع النظام ست مدارس عمومية فى انواكشوط بهدف تحويلها إلى مراكز تجارية دون أن يفتح مؤسسات تعليمية جديدة. فما هو مصير كل هؤلاء الأطفال المنحدرين أساسا من الأوساط المحرومة والذين لفظَهم النظام التعليمي؟ إن الدول الفاشلة فى توفير التعليم لمواطنيها هي  دول  تُفرخ الارهابيين. أليس هذا جوهرَ النداء الذي وجهتموه لصالح التعليم فى إفريقيا؟ السيد الرئيس، إن الرشوة تفسد بلادنا. فتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2017 حول  تَلَقى الرشوة يُحل موريتانيا فى المرتبة 143 عالميا وفى المرتبة 33 على الصعيد الافريقي. وقد قوَّض سوء التسيير والمحسوبية اقتصاد البلد لصالح الرئيس وحفنة من الاشخاص المحيطين به. فالشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم)،وهي رئة الاقتصاد الوطني،باتت على حافة الافلاس،والمليارات التي حصدتها فى ذروة ارتفاع سعر الحديد خلال سنوات 2010 تم تبذيرها فى صفقات مشبوهة وعمولات غامضة،والآلاف من عمال الشركة هم من يدفعون الثمن اليوم. وقطاع الصيد الحيوي جدا بالنسبة للبلد يخضع لنهب ممنهج للموارد البحرية من طرف شركات آسيوية تستفيد من المحسوبية بالتواطؤ مع أصحاب النفوذ فى النظام. ويستنزف  محيط الرئيس الشركات العمومية التي قرر النظام تصفية بعضها(شركة صيانة الطرق , شركة سونمكس…) لطمس آثار سوء تسييره ضاربا عرض الحائط بمصير عائلات آلاف العمال الذين وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل. لقد ترأستُ شخصيا لجنة برلمانية  فى مجلس الشيوخ للتحقيق فى صفقات التراضي الممنوحة لمقربين من الرئيس،وكان دوري فى هذه اللجنة السببَ الرئيس فى الزج بي فى السجن دون محاكمة. و دون شك  سأقضي شهر رمضان المكرم فى ظروف اعتقال مزرية،لكن أحوال المواطنين الموريتانيين  فى هذه السنة الجدباء العجفاء لن تكون أحسن من حالي فبلدنا العزيز بات سجنا يتسع للجميع. إن هذه أمثلة فقط على التسيير الكارثي لموارد موريتانيا من طرف الرئيس عزيز،وهو تسيير قاد البلاد فى سنوات قليلة إلى مستوى من المديونية وصل 100 بالمائة من إنتاجها الداخلي الخام. السيد الرئيس، إن السياسة الخارجية لبلادنا تتميز  بتوتر العلاقات مع جيراننا،فقد ضحَّى الرئيس عزيز بالمصالح الدبلوماسية للبلد مقابل رغبة شخصية فى الانتقام من معارضيه السياسيين. فلم يتردد […]

شارك الخبر على