صحفي بريطاني يتجوّل في العراق الأمن بدأ يستقرّ وخوف المدنيين يتراجع ببطء

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

 ترجمة: حامد أحمد
خلال زيارته الاخيرة الى العراق هذا الاسبوع نقل مراسل صحيفة الإندبندنت البريطانية الصحفي باترك كوكبيرن انطباعه عن البلد قائلا إنه لم يعد خطرا كما كان في السابق، مشيرا الى انه حتى الفترة الاخيرة كان من أخطر البلدان في العالم عندما كانت أحداث القتل الطائفية على أوجها قبل 12 عاماً حيث كان المئات يلقون حتفهم يومياً. وكان الشباب بالذات من أكثر فئات المجتمع تعرضاً للتهديدات والقتل حيث كان قسم منهم يرسمون وشماً على جلودهم ليتم التعرف عليهم حتى لو تعرضوا للتمثيل بجثثهم من قبل قاتليهم . ويقول كوكبيرن، إن ذكريات مؤلمة ما تزال تعيش في عقول عراقيين حتى فترة قريبة من عام 2014 عندما سيطرت مجموعة من مسلحي داعش على الموصل ومحاولتهم الزحف نحو بغداد وبثهم لأشرطة على شبكة الإنترنيت يظهرون فيها عمليات إعدام بحق مختطفين ليرعبوا الناس ويكسروا معنويات أي شخص يحاول مقاومتهم .ويضيف انه من غير المدهش أن نجد أهالي بغداد يتأقلمون ببطء مع الانحسار السريع للعنف منذ إعادة السيطرة على الموصل قبل عام وإلحاق الهزيمة بداعش. العراق الآن يعاني أقل نسبة عنف من أي وقت كان في السابق منذ الاحتلال الاميركي للبلاد عام 2003. وما هو أفضل أن البلد شارف على إنهاء حقبة 40 عاماً من الحروب الأهلية والخارجية .وتابع: عند حديثي مع أشخاص من بغداد تفاجأت كيف أن هاجس الخوف من العنف لديهم يتراجع بشكل أبطأ بكثير مما هو في الواقع، أنا لديّ احترام كبير لغريزة يتمتع بها العراقيون وهي الإصرار على البقاء ومواصلة الحياة. اختفاء حالات القلق والشكوك لديهم تجري بشكل بطيء. كنت في قرية قرب التاجي هذا الاسبوع والتقيت بمزارع قال لي "أعرف أشخاصاً من هنا لم يذهبوا إلى بغداد منذ عشر سنوات لخشيتهم من احتمالية إلقاء القبض عليهم عند نقاط التفتيش ."وأشار الى أنه مع ذلك فإن الثقة بالأمان تعود ببطء الى بغداد، قد نلاحظ هناك عدداً قليلاً من رافعات مشاريع الإعمار تلوح في الافق بالعاصمة ولكن افتتاح مطاعم جديدة ومتاجر ملابس ومراكز تسوق مركزية (مولات) نجدها مزدهرة على الدوام .ولفت الى أن انتحاريّي داعش لم يعودوا قادرين على الدخول الى بغداد بعد فقدانهم معاقلهم في العراق. وقال مسؤول أمني حكومي "كان الانتحاريون على مدى أشهر يحاولون عبور الحدود السورية لشقّ طريقهم الى بغداد ولكن يتم اعتراضهم هناك أو في الصحراء قبل وصولهم الى العاصمة ." وقال أيضا، إن داعش أصبح أضعف ومن السهل اختراقهم عن طريق مخبرين، وحتى لو نجح انتحاري واحد بتنفيذ هجوم، فلن تكون هناك قدرة على العودة الى الهجمات المتتالية التي كانت تنفذ قبل سنوات قليلة مضت .وأضاف إنّ تحسن الوضع الامني يعني أن الناس ستركز أكثر على عدد لا يحصى من الاشياء السيئة الاخرى التي حلت بالبلد. أول زيارة لي إلى بغداد كانت في العام 1977، الوضع المعماري للمدينة لم يتغير كثيرا منذ ذلك الوقت وذلك لوجود عدد قليل جدا من البنايات الضحمة الجديدة ،أما موارد البلد فقط أنفقت بدلا من ذلك في حروب أو سرقت من قبل المسؤولين عن مشاريع إعادة الإعمار. نتيجة لذلك فإن بنى تحتية أُنشئت لمليوني شخص فقط في بغداد، أصبحت الآن تستخدم من قبل أكثر من هذا العدد بأربعة أضعاف، وأن العاصمة تشهد واحداً من أسوأ زحامات المرور في العالم .وأشار الى أن عوائد النفط ارتفعت بسبب زيادة الإنتاج وصعود أسعار النفط العالمية، ولكن هذا لايكفي لعمل ما يلبي احتياجات 40 سنة من الإهمال. مظهرمحمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء حيدر العبادي يقول "هناك ما بين 400,000 الى 420,000 شاب يحتاجون الى الوظائف سنوياً"، مشيرا إلى أن 4.5 مليون شخص يعملون لدى الحكومة وليس هناك مجال لتوظيف عدد أكثر في حين يوجد 6.5 مليون شخص يعمل لدى القطاع الخاص.وبيّن أن الدافع لمغادرة العراق ومشاكله يراود كثيراً من الناس هنا رغم إحباطهم بالحصول على سمة دخول الدول الاخرى، عند تجوالي في منطقة الكرادة لشراء هاتف التقيت بشخص يدعى، رامي، كان يرتدي تي شيرت، مكتوباً عليه بالإنكليزية (أختار المغادرة) هذه الفانيلة قد عملت بالأصل في المملكة المتحدة لحملة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي عام 2016، ولكن يبدو انه بسبب إنتاج أعداد فائضة منها فإن قسماً منها انتهى بها المطاف في بغداد ولكن مغزى الشعار الذي تحمله الفانيلة له مضمون آخر في بغداد .وتابع: ربما رامي، كان من المتحمسين جدا لمغادرة العراق، حيث أن محله قد أغلق في الكرادة جراء الانفجار الذي تعرضت له المنطقة في 3 تموز عام 2016 وراح ضحيته 323 شخصاً تقريبا، الكرادة تبدو الآن كئيبة ونصفها فارغ مع إغلاق كثير من المحال. مثل هكذا ذكريات شنيعة من المستحيل تجاهلها وأنه لم تمض سوى سنة واحدة منذ أن أُلحقت الهزيمة بداعش. الدولة العراقية ضعيفة والانتخابات العامة الاخيرة غير محسومة. ولكن رغم كل هذه الفظائع السابقة فإن الحياة في بغداد بدأت تعود الى طبيعتها نوعاً ما، حيث أن البقاء على قيد الحياة هو ليس الشاغل الوحيد للناس.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على