كتب ملعونة..كان يريد أن ينثر الشك في كل الاتجاهات

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

ثلاثية الجنس.. الدين .. السياسة
|   4   |
 علــي حســين
العشرون من آذار عام 1932 الحكومة المصرية تعقد اجتماعاً طارئاً، لم يكن على جدول أعمالها سوى قضية واحدة، وبعد ربع ساعة من الاجتماع خرج رئيس الوزراء إسماعيل صدقي الى مندوبي الصحف الذي تجمعوا بانتظار قرارات المجلس ليعلن لهم :"استناداً الى الصلاحيات المخولة لنا.. قرر مجلس الوزراء فصل الموظف بوزارة المعارف العمومية طه حسين أفندي من خدمة الحكومة".. بهذه الكلمات  أعتبرت الحكومة المصرية أن الأزمة التي استمرت ست سنوات كاملة، قد انتهت.
كان طه حسين قد بدأ بكتابة"في الشعر الجاهلي"في كانون الأول عام 1926، وأنجزه بعد شهرين لينشر في أيار من العام نفسه، وبعد خمسة اشهر من توزيع الكتاب أصدر رئيس نيابة مصر القرار التالي :"بتاريخ 30 أيار سنة 1926 تقدم بلاغ من الشيخ خليل حسنين الطالب بالأزهر لسعادة النائب العمومي يتهم فيه الدكتور طه حسين بأنه ألف كتاباً اسماه (في الشعر الجاهلي)، وفيه طعن صريح بالقرآن الكريم. حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي الكريم.. وبتاريخ 5 حزيران أرسل فضيلة شيخ الأزهر لسعادة النائب العام خطاباً يُبلغ به تقريراً رفعه علماء الجامع الأزهر عن كتاب ألفه طه حسين المدرس بالجامعة المصرية أسماه (في الشعر الجاهلي) كَذّب فيه القرآن صراحة وطعن على النبي (ص). وأهاج بذلك ثائرة المتدينين، وأتى بما يخل بالنظم العامة، ويدعو الناس للفوضى. وطلب اتخاذ الوسائل الفاعلة الناجعة ضد هذا الطعن على دين الدولة الرسمي وتقديمه للمحاكمة.وبتاريخ 14 أيلول سنة 1926، تقدم إلينا بلاغ آخر من حضرة عبد الحميد البنان افندي عضو مجلس النواب، ذكر فيه إن الاستاذ طه حسين المدرس بالجامعة المصرية نشر وعرض للبيع في المحافل والمحلات العمومية كتاباً اسماه (في الشعر الجاهلي) طعن وتعدى فيه على الدين الإسلامي بعبارات صريحة واردة في كتابه. وحيث إنه نظراً لتغيب الدكتور طه حسين خارج القطر المصري.. قد أرجأنا التحقيق الى ما بعد عودته". هكذا توالت البلاغات على النائب العام حيث وصل عددها الى أكثر من ثلاثين بلاغاً جميعها تطالب بتقديم طه حسين الى المحاكمة وحرق كتابه"في الشعر الجاهلي"بالساحات العامة.كان طه حسين آنذاك في السابعة والثلاثين من عمره، يقضي إجازة الصيف في فرنسا، لكنه فوجئ ببرقية مستعجلة يرسلها صديقه محمد المرصفي يخبره فيها :"عرض على البرلمان كتابك في الشعر الجاهلي. ناقش البرلمان طردك من الجامعة. هدد رئيس الوزراء بالإستقالة. تدخل سعد زغلول، أحيل الموضوع الى النيابة العامة. النيابة تطلب حضورك للتحقيق معك".لم يخبر المرصفي صديقه طه حسين، بأن أموراً أخرى جرت خلال الأيام الماضية، فطلبة الأزهر ومعهم بعض المشايخ نظموا تظاهرة توجهت الى بيت سعد زغلول تطالبه بالاقتصاص من طه حسين ويتحدث أحد المشايخ نيابة عن المتظاهرين ليقول لسعد زغلول :"نعلن إليك يامولانا إننا كما اتخذناك سلاحاً نحارب به المغتصبين، فسنتخذك سلاحاً نحارب به الملحدين".في مجلس النواب كان هناك مشهدا آخر، جلسة عاصفة وقف فيها النائب مصطفى الغاياتي ليقول :"ما كان المظنون به أن يوجد بين المسلمين في مصر من يجرؤ على الدين الى هذا الحد الذي وصله طه حسين افندي"ثم يطالب بحرق الكتاب ورجم المؤلف.ويتحدث رئيس الجامعة أحمد لطفي السيد ليخبرالمجلس أن الجامعة منعت انتشار الكتاب، بأن اشترت جميع النسخ وحفظتها في مخازنها.كما اتخذت اجراءات لمنع طبع نسخ أخرى.في السادس من تشرين الأول عام 1926 يقطع طه حسين إجازته ويعود الى مصر، وفي اليوم التالي يذهب الى النيابة العامة، فيجد القاعة الكبرى وقد امتلأت بمراسلي الصحف، وبعدد من علماء الأزهر وطلبته وقد انحصر التحقيق في أربع نقاط أساسية : 1- مسألة وجود النبي إبراهيم وولده إسماعيل في الجزيرة العربية 2- مسألة القراءات السبع للقرآن 3- الحديث حول قريش 4- وجود الإسلام في البلاد العربية ويبدأ التحقيق : س: لماذا حاولت في كتابك التعرض الى الدين الاسلامي؟ ج: لم أُعرِض بالدين، وقد اقتصر بحثي على العلم والاستدلال بالعلم س: هل تعتقد إن القران وحده كاف لإثبات الوقائع التي وردت فيه؟ ج: تنقسم الوقائع الى قسمين - الحوادث المعاصرة لنزول القرآن.. وهو صحيح - الحوادث التي حدثت قبل نزول القرآن وهي عبارة عن قصص أراد الله بها إقناع عبيده وهدايتهم.لم يكن طه حسين يتصور أن كتابه يمكن أن يثير كل هذه الضجة، فهو يعتقد إن منهجه في البحث العلمي يتيح له أن يطبق نظرية الشك التي نادى بها الفيلسوف الفرنسي ديكارت على تاريخ الأدب العربي، ولهذا نراه يكتب في مقدمة كتابه"في الشعر الجاهلي :"إن الكثرة المطلقة مما نسميه أدباً جاهلياً، ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة الجاهليين. ولا أكاد أشك في أن ما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئاً ولا يدل على شيء، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي".لعل الجزء الخطير في هذا المقطع، هو إثارة الشك فيما يتعلق بالتراث العربي، إن طه حسين يشك في كل شيء، ويريد لهذا الشك أن يصبح منهجاً يُدرس في الجامعة، فهو يكتب في بعض صفحات الكتاب :"نحن بين اثنين : إما أن نقبل في الأدب وتاريخه ما قاله القدماء، لا نتناول ذلك من النقد إلا بهذا المقدار اليسير الذي لا يخلو من كل بحث، وإما أن نضع علم المتقدمين كله موضوع البحث. لقد نسيت فلست أريد أن أقول البحث، وإنما أريد أن أقول الشك".
********
منذ شبابه تملكته رغبة في التعرف على أصل الكون وطبيعة عقل الإنسان وعمل الطبيعة، قال لوالدته أريد أن أبحث عن الحقيقة، وأنا أبدأ من الصفر. يكتب في مقدمة كتابه"المقال عن المنهج"، إنه يسعى من خلال الفلسفة الى :"معرفة واضحة ومؤكدة عن كل ما هو نافع في الحياة". ويذهب رينيه ديكارت المولود عام 1596، في مدينة صغيرة بالجنوب الفرنسي الى المناداة بالإعتماد على الحجج العقلية لإدراك الأشياء، الأمر الذي استفز الكنيسة التي كانت ترى في هذا القول نوعاً من الهرطقة، فديكارت يعلن أن الحكم على الأشياء، لايجوز أن يرتقي مرتبة المعرفة، ما لم يبرهن عقلياً، يعني ما لم يثبت صحته اعتماداً على مدركات واضحة، وهذا يعني إن القول بان اللاهوت وحده هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الحقائق ليس كافياً، وإن الفلسفة ليست مجرد خادمة أو تابعة للاهوت كما تريد الكنيسة، بل هي وسيلة اسمى، ويتعين عليها أن تعمل بمعزل عن تعاليم الدين.بنى ديكارت صورة العقل الجديدة بعد أربع سنوات من إدانة غاليلو غاليلي، كان لابد أن يصبح العقل فاتحاً لعالم جديد، ولم يعد"العقل السليم مسؤولاً إلا أمام نفسه". كانت المعرفة في زمن ديكارت مزيجاً غريباً من الحقيقة والخيال، من الأسطورة والغيبيات والعقائد الدينية.في تلك السنوات وبالذات عام 1629 انتهى ديكارت من تأليف كتاب عن الظواهر الطبيعية بعنوان"العالم"ذهب فيه الى أن الشمس توجد في مركز الكون، لكنه وهو يسعى لنشر الكتاب، كانت الكنيسة تحاكم غاليلو بسبب الفكرة نفسها عن الشمس والأرض. أدرك ديكارت أن طرقه الجديدة في البحث ربما تثير عليه نقمة رجال الدين،فقرر أن يعتزل الناس ويبحث في شؤون الفلسفة بعيداً عن عيون رجال الكنيسة :"ابتعد عن عيون الناس إذا أردت أن تحيا سعيداً".في عزلته بهولندا التي استقر فيها، وضع ديكارت أولى خطوات منهج الشك الذي اشتهر به.ورغم أن هذا المذهب موجود منذ القدم حيث كانت تعيش في اليونان القديمة، مجموعة فلسفية اطلق عليها اسم"الشكاك"يعتقدون إن الإنسان ليس في استطاعته الوصول الى الحقيقة إلا من خلال الشك في صحتها. فذهب هيراقليطس إلى إنه لايمكن معرفة العالم تماماً لأنه دائم التغير، حتى إنه كان يعتقد إن جميع الظواهر خادعة ومضلِلة ومن ثم فهي مثار شك وسؤال، لأننا إذا ما قبلنا شيئاً على أنه معرفة فإن علينا أن نعثر على برهان أو ضمان لهذه المعرفة، وهذا البرهان نفسه يحتاج الى نوع ما من الضمان أو البرهان. وهكذا الى ما لانهاية.بدأ ديكارت يطبق منهج الشك من خلال كتابه"التأملات"الذي كتبه عام 1939، حيث كان يعيش حياة شبه منعزلة، وفي هذا الكتاب يسجل يومياته على شكل تأملات بلغت ستة تأملات، ويخبرنا إن كل تأمل استغرق منه يوماً كاملاً. في خطاب يرسله الى أحد أصدقائه يوضح ديكارت منهجه في الشك :"تخيل أن لديك مجموعة من التفاح تريد حفظها في سلة.إن الرجل الحكيم لابد أن يتأكد أن جميع التفاح سليم.إذ لو كانت إحدى التفاحات معطوبة، فسوف تفسد في النهاية جميع التفاحات الأخرى، ومن ثم فإن أي تفاحة يكون فيها أدنى شائبة. لابد من استبعادها بلا هوادة على إنها لاتصلح". وهذا هو بالضبط ما يفعله الشك الديكارتي. فديكارت يريد أن يخبرنا أن تفاحة المعرفة التي تبقى في نهاية العملية سوف تكون متميزة للغاية. وستكون من الشيء الحقيقي المضمون، وهو المعرفة التي لايمكن الشك فيها. لقد عمل ديكارت على بناء فلسفته على أساس المنهج الذي وضعه :"أصبحت على يقين بأنه ينبغي أن أتخلص مرة والى الأبد من كل الآراء التي سلمت بها من قبل، وأن أبدأ البناء من جديد من الأساس إذا أردت أن أضع بناءً ثابتاً للفلسفة والعلوم".. ولما كان الشك في الأشياء تفكيراً، كان التفكير هو الحقيقة الوحيدة اليقينية الثابتة التي يمكن اتخاذها نقطة انطلاق في بناء هيكل المعرفة. يكتب ديكارت في التأملات :"أفترض إذاً أن كل الأشياء التي أراها كاذبة وأميل الى الاعتقاد إنه لاوجود لكل ما أتذكره، لأن ذاكرتي تخطئ وأحسب أني خالياً من الحواس وأتصور إن الجسم والشكل والإمتداد والحركة والمكان، إنما هي وهم من أوهام عقلي.فما عسى اذاً أن يكون صادقاً؟ لعل شيئاً واحداً لا غير، صادق، وهو إنه لاوجود في العالم لشيء يقيني". لقد كانت صياغة المنهج بالنسبة لديكارت خطوة أولية وأساسية، فقد كان يطمح إلى اكتشاف ما عساها أن تكون معرفة الأشياء الموجودة التي يمكن بلوغها باليقين، وكان يعتقد أن الكثير من المعلومات التي حصل عليها زائفة، ولم تكن لديه وسيلة لتمييزها، حتى وجد منهجاً خاصاً به، وعندما أصبح لديه منهج بادر باستخدامه في التأمل الأول من كتابه التأملات،حيث شرع في الشك في كل شيء يمكن الشك فيه، لكي يكتشف ما هو على يقين منه بصورة مطلقة، لأنه لايستطيع أن يشك فيه بدون أن يفترض وجوده، لقد وجد أن الحواس تخدع الإنسان باستمرار، ولذلك من الأفضل عدم الثقة بها، لقد تذكر إنه حلم في ليلة إنه يرتدي عباءته ويجلس قرب النار، بينما كان نائما في فراشه، فربما يكون يحلم الآن، وقد لايكون على الإطلاق في المكان الذي يفترض نفسه فيه في الواقع، لذلك وجد ديكارت إنه من الممكن نظرياً الشك في شهادة حواسه، وذاكرته وأفكاره ووجود العالم الخارجي، لكنه وجد شيئاً لايمكن الشك فيه، وهو واقعة وجوده الخاص :"أنا أفكر إذاً أنا موجود"، ويسأل ديكارت بعد ذلك"ما عساي أن أكون؟"وإجابته إنه شيء يفكر، أعني شيئاً يشك ويفهم ويتصور وينكر ويريد ويرفض ويتخيل ويشعر، إن الذي يفعل ذلك كله لا بد أن يكون نفساً أي جوهراً روحياً يكون التفكير صفته الأساسية، فلا يمكن أن تكون هناك أفكار بدون مفكر، ولايمكن لصفة مثل التفكير أن توجد، إذا لم يكن هناك جوهر يلازمها. أدرِجت كتب ديكارت في قائمة الكتب الملعونة والمحرمة قراءتها من قبل الكنيسة عام 1663، والقساوسة الذين حاول ديكارت تجنبهم كانوا في طليعة المطالبين بحظر أعماله، وكان قرار حظر أعمال ديكارت هو الأول ضمن سلسلة من قرارات الحظر التي بلغت ذروتها عام 1691، حيث صدر أمر ملكي يمنع تدريس أي شيء عن الفلسفة الديكارتية في أية مؤسسة في فرنسا.
********
تذكر سوزان زوجة طه حسين، الأزمة التي أثيرت حول كتاب "في الشعر الجاهلي" فتكتب في مذكراتها :"الضجة التي اقترنت بهذا الكتاب، وثورة الجهل والتعصب التي اعقبت صدوره نعرفها جميعاً، أما ما لانعرفه فهو ماكانته هذه المحنة في نظر زوجي الذي كانت رزانته الثابتة تمنعه من الشكوى، لقد بدأ كتابة هذا الكتاب في كانون الأول عام 1926 وأنجزه في آذار من العام نفسه."ولم يشأ طه حسين أن يرد على سيل الهجوم، هذا إلا أنه أجاب فيما بعد على أسئلة وجهها له صديقه أحمد حسن الزيات ونشرت في مجلة الرسالة في عددها الصادر في أيار عام 1926. • أية عاصفة تلك التي أثرتها يادكتور؟ - يجيب طه حسين : ضجة كبيرة لأمر تافه، إن الاستاذ الذي يلقي دروسه بأمانة كثيراً ما تُعرض له في المادة التي يُدرسها ملاحظات ومباحث شخصية كما تُعرض له في بعض الأحيان نظريات أيضاً، وطبيعي جداً أن يجمع هذه الملاحظات ويصوغها في قالب تحليلي يعرضه مع شيء من التفصيل. • ولكنك تعرضت لمسائل تُعرف إنها شائكة. - بلى، ولكني طلبت مدفوعاً بشغف مهنتي الى أولئك الذين لا يعرفون مناهج النقد الحديثة والبحث الحر ألا يقرأوا كتاباً لم يكتب لهم، إن كتابي جدير بما هو جدير به، وقد لاتكون له قيمة إلا في نزاهة بحثه.يذكر الدكتور طه حسين في كتابه أسباب انتحال الشعر الجاهلي، فيذكر البواعث الدينية والسياسية، وأثر القصاص والشعوبية والرواة في هذا الانتحال، ثم يستعرض الشعراء مؤكداً ما ذهب إليه من أن أكثر ما يضاف إلى هؤلاء الشعراء الجاهليين منحول، رافضاً الشعر المنسوب إلى شعراء اليمن؛ لأن لليمن لغة تُخالف لغة قريش.ويقول:"إن هجرة اليمنيين إلى الشمال مشكوك فيها أولاً، وليس كل الشعراء هاجروا من اليمن ثانياً، فالشعر الذي يضاف إلى (جُرهم) وسواهم من الذين عاصروا إسماعيل، منحول، وليس لليمن في الجاهلية شعراء، أما ربيعة وهي من عدنان، وتسكن في الشمال، فشعرها دون شعر المضريين، وأما مضر فكان لها شعراء يتخذون الشعر فناً، فالشعر أصلاً في مضر دون اليمن أو ربيعة، فنظرية تنقل الشعر في القبائل غير صحيحة، فالشعر إنما كان في مضر ثم انتقل إلى أقرب القبائل العربية منها، وهم ربيعة ثم إلى القبائل البعيدة، كاليمن، ثم إلى الموالي وليس كما يقول علماء العربية من أن الشعر كان في اليمن، ثم انتقل إلى ربيعة، ثم إلى قيس من مضر، ثم إلى تميم، وشعراء المدينة ليسوا يمنيين، بل هم مضريون".ويتبن لنا أن طه حسين كان يضع صورة ديكارت الذي اغرم به امامه وهو يحاول ان يثير الشك في تراث الشعر الجاهلي، متخلصاً من كل أفكاره القديمة التي عرفها من قبل، ولذلك رأى إن هذه الوفرة في الشعر الجاهلى بالفعل لا يمكن أن يقبلها عقل أو منطق، نظراً لأن هذا الشعر كان يُنقل شفاهة ولم يتم تدوينه، كما أن الكثير من الرواة ماتوا في الحروب وغيرها، وبالتالي لا يمكن أن يُنقل إلينا كل هذا التراث بهذه الوفرة، حيث لم تُعرف الكتابة والتدوين إلا قبل الإسلام بقرن واحد فقط من الزمان، وهو ما ينفى أن يكون كل ما وصل إلينا بالفعل من تأليف شعراء عاشوا في العصر الجاهلي.وفي مواجهة كتاب"في الشعر الجاهلي"صدرت كتب عديدة منها: (نقد كتاب في الشعر الجاهلي) لمحمد فريد وجدي، و(الشهاب الراصد) لمحمد لطفي جمعة، و(نقض كتاب في الشعر الجاهلي) للشيخ محمد الخضر حسين، و(محاضرات في بيان الأخطاء العلمية والتاريخية التي اشتمل عليها كتاب في الشعر الجاهلي) للشيخ محمد الخضري، و(تحت راية القرآن) لمصطفى صادق الرافعي و(النقد التحليلي لكتاب في الشعر الجاهلي) للدكتور محمد أحمد الغمراوي، وعشرات بل مئات غيرها من الكتب والمقالات والأبحاث. والغريب ان مطاردة طه حسين لم تتوقف حتى بعد صدور قرار فصله من الجامعة، فلا بد اذن من رجمه.حيث نشر احد علماء الازهر قصيدة بعنوان طريد الدين، طالب فيها باعدام طه حسين : لو ان شرع الله يجري حكمه لقضى بإعدام الشقي الملحد وهو الامر الذي اثار احمد لطفي السيد رئيس الجامعة الذي قدم استقالته الى رئيس الوزراء، لانه كان يرى في الهجمة على طه حسين، اساءة لكرامة البحث العلمي وكرامة الجامعة.

شارك الخبر على