حرب كرموز.. موقعة الإسماعيلية كما يرويها السبكي

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

نجاح ما زال يُحققه فيلم "حرب كرموز" بدور العرض السينمائية، توقعناه منذ طرح إعلانه الدعائي أواخر أبريل الماضي، والذي امتاز ببراعة الإبهار وضخامة الإمكانات المستخدمة خلاله، وبين أن المنتج محمد السبكي يخوض مغامرة غير مسبوقة في تاريخه، لكنها أتت أُكُلها، حيث حقق الفيلم إيرادات تخطت 35 مليون جنيه في أسبوعين، وتصدر بطله أمير كرارة، في أول أعماله السينمائية، موسم أفلام عيد الفطر بفارق يقترب من 15 مليون جنيه عن الذي يليه وهو فيلم "ليلة هنا وسرور" لمحمد إمام.

السبكي بذكائه التجاري المعتاد، نجح في استغلال توهج أمير كرارة بعد نجاح مسلسله "كلبش" بجزأيه، في "حرب كرموز" الذي كتب له السيناريو والحوار وأخرجه بيتر ميمي، وهو ما بدا واضحًا جليًا في العمل، ويميز "حرب كرموز" اعتماد السينما المصرية من جديد على الحكايات القديمة حول أسطورة شعبية "هيرو" وهو البكباشي يوسف المصري، وتدور أحداث العمل خلال فترة اﻷربعينيات من القرن العشرين، ويستلهم فكرته الرئيسية من موقعة الإسماعيلية، التي حدثت بالفعل عام 25 يناير 1952، حينما رفضت قوات الشرطة المصرية تسليم أسلحتها وإخلاء مبنى المحافظة للقوات البريطانية، رغم أن الفيلم تدور أحداثه في حي "كرموز" بالإسكندرية.

في "حرب كرموز" يُقدّم كرارة نسخة جديدة سينمائية من شخصية "سليم الأنصاري"، ويرتدي فيها ثوب "يوسف المصري"، والعمل في مجمله يُمجد بطولات البكباشي، الذي رفض أن يسلم الإنجليز شابين مصريين قتلا اثنين من جنودهم بعد أن اغتصبا فتاة مصرية، كما اعتقل ضابطًا بريطانيًا جاء ليتفاوض معه، ما يجعله ورجاله عُرضةً لدفع حياتهم ثمنًا لتنفيذ القانون، ما يرسخ لـبطولات الشرطة المصرية قديمًا، وهو الأمر نفسه الذي فعله بطل العمل في جزأي مسلسله "كلبش"، وإن كان الفيلم لم يعتمد على البطل بشكل منفرد.

ما طرحه بيتر وأمير في "كلبش" من أننا أمام ضابط شرطة بطل لا يُقهر حتى وإن مرّ بأحلك الظروف، عززاه أيضًا في "حرب كرموز" وأكدا أننا أمام بطل شعبي خارق جديد، لا يموت، فكما نجا من عدد لا نهائي من الرصاصات في "كلبش" واكتشفنا أنه ما زال على قيد الحياة بنهاية المسلسل، يتم إنقاذه أيضًا في آخر لحظة من حبل المشنقة في الفيلم، ويتغلب على كل الصعاب، وينتصر نهايةً في الحرب، وبالتالي فإن وزارة الداخلية ورجالها هم أكبر مستفيد من نجاح الفيلم، كما كانوا كذلك أكبر مستفيد من نجاح المسلسل جماهيريًا.

يحاول الفيلم أيضًا إبراز معدن المواطن المصري الأصيل، وأنه دائمًا يعشق تراب وطنه، ويحافظ على كرامته حتى وإن كانت حياته هي المقابل، وذلك من خلال شخصيات أبعد ما تكون عن الاستقامة تم إيداعهم وراء القضبان، وما أن تبدأ الحرب حتى ينقلب الحال، فاللص عصفورة (مصطفى خاطر) يتحول إلى منقذ لأسرة البكباشي، ويحمل سلاحه مع الجنود مدافعًا عن قسم الشرطة، والضابط المتمرد المفصول عزت الوحش (محمود حميدة) يعود فيرتدي زيه الملكي ويقود الجنود في غياب يوسف المصري، وبائعة الهوى زوبة (غادة عبد الرازق) والتي أتت إلى قسم الشرطة لتحصل على إجازة بممارسة الدعارة ترفض مغادرة المبنى لتظل بجانب الفتاة المغتصبة، وأيضًا ضياء الشندويلي (بيومي فؤاد) عضو البرلمان الموالي للاحتلال، والذي ما يلبس كثيرًا حتى تنتصر داخله النزعة الوطنية، وهكذا حتى تنتهي البطولات بوحدة الشعب السكندري ضد المحتلين.

الدخول إلى قلب الصراع مباشرةً هو نقطة مميزة للفيلم، مشهدان فقط قبل "الحرب ابتدت" ليشرحا للمشاهد واقعة البداية، وطبيعة علاقة البكباشي بأسرته، ولكن النمطية والكليشيهات المكررة تطغى على "حرب كرموز"، مشهد الطفلة التي ينقذها البكباشي يوسف المصري بعدما يراها تبكي جانبًا في أثناء الحرب، وخناقته مع "عزت الوحش" لرفض الأخير أن يُسلم نفسه للإنجليز إنقاذًا لروح "عصفورة"، وتوبة الباغية أثناء الحرب وعرضها الزواج على البكباشي يوسف، وسقوط المطر مباشرةً بعد تضرع الجنود المصريين وصراخهم "يا رب"، وغيرها.

دور سيئ للغاية من جانب الاسم الثاني في العمل غادة عبد الرازق رغم أنها تُكرِّس نفسها لـ"فرحة الناس"، وظهور باهت لإيمان العاصي وروجينا، يبدو أن الأخيرة فقط أتت لتكون إلى جانب "يوسف المصري" في "حرب كرموز" كما كانت بجانب "سليم الأنصاري" في "كلبش"، ونفس الأمر ينطبق على محمود البزاوي "صلاح الطوخي" في "كلبش"، والذي تم الاستعانة به في مشهد واحد بـ"حرب كرموز" فقط ليُدلي ببيان مليء بالأخطاء اللغوية حول عصيان "يوسف المصري"، مصطفى خاطر حاضر بقوة في شخصية "الحرامي عصفورة" الذي يقفز من منزل لآخر بسهولة، وإن كنا نرى كغيرنا أن جسده الممتلئ لا يناسب الشخصية، ويبقى محمود حميدة هو محمود حميدة الذي نعهده دائمًا، وهو صاحب العبارة الأشهر في الفيلم "أمك صاحبتي"، الفنان البريطاني سكوت آدكنز الشهير بـ"بويكا" يظهر فقط في دور "الضابط المجنون" لأداء مشاهد قتالية في مشهد واضح معظمها من ركلات "الكونغ فو" والتي من الغريب أن يُجيدها ضابط بريطاني في هذا التوقيت بهذه القدرة التي نعاصرها حاليًا.

"حرب كرموز" رغم أن حواره ضعيف للغاية من قِبل كاتبه بيتر ميمي، إلا أنه بلا شك هو تجسيد جيد لأفلام الأكشن والحركة والإثارة، وهو ما يتوافق مع نوعية ورغبة المشاهد، يتضمن كل أدوات الاشتباك بالأيدي والأرجل وبالمسدسات والبنادق والقنابل اليدوية والمتفجرات والدبابات والمطاردات، بإدارة جيدة من مخرج يتطور كثيرًا، ولكن ليس بالضرورة لتكون مخرجًا جيدًا أن تكون كاتبًا جيدًا، نحن بلا شك أمام إنتاج ضخم بمعايير السينما المصرية، تميز في الديكورات وتصميمات المعارك والصورة تحديدًا مع اتباع نهج أفلام هوليوود الحربية بالتصوير في موقع واحد، إلا أن المونتاج بلا شك هو نقطة ضعف أخرى للفيلم، القطعات حادة بشكل يُثير الاستفزاز لدى المشاهد.

 

 

شارك الخبر على