السيسي وحسن نصر الله والحريري

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

فاز الجنرال ميشيل عون رئيس التيار الوطني الحر برئاسة الجمهورية اللبنانية بعد فترة فراغ رئاسي استمرت عامين ونصف منذ مايو ٢٠١٤ حيث حصل عون على ٨٣ صوتا من ١٢٧ صوتا للنواب الحاضرين من أصل ١٢٨ عضوا بمجلس النواب اللبناني٬ جاء هذا الفوز المفاجئ للجنرال عون نتيجة تغيير سريع في نمط التحالفات السياسية بلبنان خلال الأشهر الثلاثة الماضية٬ وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول الانتخابات الرئاسية اللبنانية٬ من حيث، لماذا أعلن سعد الحريري تأييده لميشيل عون؟ ولماذا تحفظ نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني على ترشيح عون؟

وما أبعاد الصفقة بين تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري والتيار الوطني الحر بزعامة ميشيل عون؟ وما الدور الذي لعبة حزب الله للتقريب بين الحريري وعون؟ وما السيناريو المحتمل لحزب الله مع نبيه بري في تشكيل الحكومة؟ ويأتي التساؤل الأهم حول الدور المصري في حل أزمة الرئاسة اللبنانية. وهل حدث تراجع للدور السعودي في لبنان؟ وهل تخلي سعد الحريري عن السعودية؟ وما الأسباب التي دفعت سعد الحريري لقبول ترشيح عون المدعوم من حزب الله؟ وهل يمكن أن يؤدي ذلك بالمملكة العربية السعودية للبحث عن بديل للحريري في لبنان؟

(١)

بري وعون

علي الرغم من تقارب الموقف السياسي لحركة أمل مع حزب الله واعتبار الطرفين جزء من تحالف سياسي (٨ آذار) والذي ضم التيار الوطني الحر بزعامة ميشيل عون في أعقاب اتفاق (٦ فبراير) بين عون ونصر الله٬ جاء موقف الرئيس نبيه بري متحفظا علي طرح ميشيل عون كرئيس للجمهورية اللبنانية وكان بري يطرح بجانب وليد جنبلاط وسعد الحريري الوزير سليمان فرنجية٬ ويأتي تحفظ بري على تولي عون منصب رئاسة الجمهورية للعديد من الأسباب منها الشخصية والأغلب سياسية. ويمكن تلخيص موقف بري في قضايا خمس.

القضية الأولي:

تأتي بداية الأزمة بين عون وبري أثناء عقد نبيه بري لجلسات حوار سياسي بين الأطراف السياسية لحل أزمة الفراغ الرئاسي خلال عام ٢٠١٤/ ٢٠١٥ ٬ وكانت تعقد تلك الجلسات في منزل نبيه بري (بعين التينة)٬ وأثناء تلك الجلسات حدث خلاف بين التيار الوطني الحر (ميشيل عون) والحكومة اللبنانية حول تمديد فترة أخرى لقائد الجيش اللبناني والتعيينات الأمنية٬ ونتيجة إصرار ميشيل عون علي موقفة أدى ذلك لحدوث خلاف بين جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني وهو صهر ميشيل عون ونبيه بري في إحدي جلسات الحوار مما دفع باسيل للتهديد للذهاب للفيدرالية٬ وهو ما رفضه نبيه بري واعتبر ذلك تهديدا من قبل ميشيل عون وعلق نبيه بري جلسات الحوار مما اعتبرها ميشيل عون رسالة من بري برفض التعاون معه.

القضية الثانية:

تفاقمت الأزمة بين بري وعون عندما وصل معلومات لنبيه بري تفيد عقد لقاء بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل بحضور جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني مندوب عن ميشيل عون ونادر الحريري مدير مكتب سعد الحرير وتم عقد اجتماعين في باريس وتم التوصل لاتفاق نصه تسمية سعد الحريري لميشيل عون رئيس للجمهورية مقابل تكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة بجانب الاتفاق على حصص كل طرف في المناصب الأمنية بل وصل الأمر لطرح تصور حول قانون الانتخابات البرلمانية وهذا يعني من وجهة نظر الرئيس بري بتسليم سعد الحريري لميشيل عون الوضع الماروني في لبنان مما يخل بتوازن القوى للأطراف السياسية اللبنانية الأخرى وخصوصا المسيحية منها وبالأخص وضع حزب القوات (سمير جعجع)٬ واتسعت الأزمة وتنامت بعد معرفة الرئيس بري أن هذا الاجتماع بين تيار المستقبل والتيار الوطني تمت برعاية ومباركة من قبل السيد حسن نصر الله وموافقة من قبل مصر.

القضية الثالثة:

غضب الرئيس نبيه بري من ميشيل عون عندما أعلن الأخير فقدان مجلس النواب ورئيسه الشرعية نتيجة انتهاء دورة المجلس وعدم اعترافه بالتمديد لمجلس النواب وهو ما اعتبره بري إهانه لشخصه٬ هـذا الموقف دفع الرئيس بري للتأكيد على شرعية البرلمان في خطبة نبيه بري أثناء حلف ميشيل عون القسم الرئاسي أول أمس بمجلس النواب حيث قال بري لعون (هذا المجلس شرعي وأنت أحد أركان هذا المجلس بعد حلف اليمين الرئاسية)٬ هـذا التصريح دفع عون لقول لفظ (لطشتني) بالعامية اللبنانية وهي تعبير عن المفاجأة والتورط والإحراج.

القضية الرابعة:

عندما طرح سعد الحريري سليمان فرنجية كمرشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية كان وراء هذا الطرح الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط حيث علاقة بري بسليمان فرنجية علاقة تاريخية منذ الوجود السوري في لبنان وهو أحد شركاء بري في النظام٬ ولكن ميشيل عون بالنسبة للرئيس بري هو شخص خارج السيطرة وخارج إطار وحدود الحسابات، حيث يطرح ميشيل عون نفسه دائما بأنه خارج النظام والحسابات السياسية التقليدية بلبنان وخصوصا حسابات نبيه بري. حيث يصنف ميشيل عون نبيه بري بأنه "حليف حليفي" وليس حليفا٬ أي أن حركة أمل حليف حزب الله والأخير حلف التيار الوطني الحر.

القضية الخامسة:

يأتي موضوع النفط اللبناني كواحد من أهم الأسباب التي لعبت دورا في التباعد بين بري وعون وهي أيضا سبب في التقارب بين سعد الحريري وميشيل عون٬ ويتلخص موضوع النفط في آليات بدء التنقيب وتوزيع الحصص٬ حيث تم اكتشاف ٩ آبار نفط في لبنان، بعضها في الجنوب اللبناني والبعض في الشمال، مما دفع الرئيس بري للمطالبة بتشكيل لجنة لإدارة النفط الوطني وقد تم ولكن لم تشكل نتيجة الخلافات بين الفصائل اللبنانية حول تشكيل تلك الهيئة النفطية وأولويات الحفر والتنقيب، حيث يرى الرئيس بري أن يبدأ الحفر في الجنوب أولا وخصوصا في حقل النفط الحدودي مع الأرض المحتلة بفلسطين حتى لا تستفيد إسرائيل بهذا الحقل المشترك٬ وهو ما رفضه التيار الوطني الحر تحت مسمي أن الرئيس بري يريد البدء في منطقة نفوذه حتى يستفيد من مخصصات النفط٬ هذا الأمر تم طرحه بين الوزير جبران باسيل وزير خارجية لبنان عضو التيار الوطني الحر مع الرئيس سعد الحريري، حيث اتفق الطرفان من حيث المبدأ علي بدء تشكيل الهيئة الوطنية للنفط بجانب البدء في حفر حقول الشمال.

في النهاية علاقة نبيه بري مع ميشيل عون علاقة غير مستقرة منذ فترة طويلة وليست لأسباب تاريخية فقط ولكن لأسباب سياسية وشخصية.

(٢)

الحريري وعون والسعودية

تغيير موقف الرئيس سعد الحريري خلال فترة وجيزة من ترشيح سليمان فرنجية لترشيح الرئيس ميشيل عون٬ هذا التغيير طرح تساؤلات عدة حول خلفيات هذا التغيير ولماذا في هذا التوقيت؟ ويمكن حصر بعض الأسباب التي دفعت سعد الحريري لإعلان تأييده لترشيح ميشيل عون ومنها.

نتائج انتخابات البلدية في لبنان والتي أجريت خلال العام الجاري (٢٠١٦) حيث جاءت نتائج الانتخابات علي غير المتوقع بالنسبة لسعد الحريري بل وبالنسبة للرئيس نبيه بري وحركة أمل، مما اعتبر إنذارا قويا لتيار المستقبل ويفرض علي الحريري إعادة النظر في نمط التحالفات القائمة بين تيار المستقبل والأطراف السياسية الأخرى.

إفلاس الحريري المالي وخصوصا مع إفلاس شركة سعودي أوجيه٬ وهو ما اعتبره الحريري تغييرا في الموقف السعودي الداعم له وتخلي القيادة السعودية الجديدة (الأمير محمد بن سلمان) عن دعم الحريري وبدء المملكة في البحث عن حليف جديد بلبنان أو بمعنى أدق بدء المملكة العربية السعودية فى صناعة حليف جديد.

ضعف القدرة المالية للمملكة نتيجة الأزمة المالية التي يمر بها العديد من دول الخليج بل والدول النفطية نتيجة تراجع أسعار النفط خلال الأعوام الماضية، مما دفع الحريري للبحث عن مصادر أخرى للتمويل يمكن أن تتم عن طريق توزيع الحصص النفطية المحتملة.

غياب الحريري فترات طويلة عن الساحة اللبنانية جعل أطراف التحالف (١٤ آذار) بجانب جمهور تيار المستقبل تشكك في قدر الحريري وتفقد الأمل.

تراجع اهتمام المملكة العربية السعودية بلبنان لصالح اليمن وسوريا.

حدوث تباين بين أركان النظام السعودي حول الموقف من الأزمة اللبنانية.

تمسك حزب الله بمشيل عون وعدم التراجع عن هذا الموقف (ملحوظة: تعلم حزب الله التفاوض من إيران والذي يعتبر أفضل مفاوض على الساحة الدولية٬ فدائما أقول إذا أردت تعلم التفاوض وسياسة النفس الطويل وأسلوب المراوغة وتقسيم نقطة التفاوض للعديد من النقاط الفرعية والتفاوض على كل نقطة منفصلة وليس التفاوض الكلي٬ فتعلم من الإيرانيين فهم بارعون).

تقارب وجهات النظر المصرية مع ميشيل عون٬ أو بمعنى أدق كانت المبادرة المصرية نقطة هامة في حدوث تقارب بين الأطراف السياسية اللبنانية حول طرح ميشيل عون٬ وكان هناك ترحيب من قبل أطراف ٨ آذار بالدور المصري الجديد في لبنان.

(٣)

وليد جنبلاط والسعودية

فشل وليد جنبلاط ونبيه بري فى حسم الموقف السعودي تجاه ترشيح سعد الحريري للجنرال ميشيل عون، حيث أرسل الرئيس بري ووليد جنبلاط الوزير وائل أبو فاعور وزير الصحة اللبناني للمملكة العربية السعودية مرتين خلال أسبوع وعقد أبو فاعور عدة لقاءات مع قيادات سعودية وكان آخرها لقاء بين الوزير أبو فاعور ورئيس جهاز المخابرات السعودي وعاد مندوب بري جنبلاط بدون رد حاسم من المملكة العربية السعودية حول الموقف السعودي تجاه ترشيح ميشيل عون٬ وعندها قال الرئيس بري تعليقا علي الموقف السعودي (راح مختار ورجع محتار) مثل لبناني يشير لعدم معرفة الموقف السعودي وغموض الأمر.

(٤)

موقف المملكة العربية السعودية من فور ميشيل عون؟

لم يصدر موقف رسمي من قبل المملكة العربية السعودية ضد فوز ميشيل عون ولكن هناك العديد من التصريحات غير الرسمية التي تدل على موقف المملكة من فوز عون٬ ويأتي تصريح وزير العدل اللبناني أشرف ريفي المقرب من المملكة العربية السعودية بأن سعد الحريري انتحر سياسيا بترشيح ميشيل عون٬ وجاء تصريح ريفي بتزامن مع هجوم من قبل قناة العربية السعودية ضد فوز عون، حيث اعتبرت قناة العربية فوز عون بمثابة دخول لبنان في المحور الإيراني٬ ولكن كيف سمحت المملكة السعودية بحدوث ذلك؟ ومن متابعة الدور السعودي في لبنان خلال العام الماضي نجد استخدام المملكة كل الأوراق السياسية المتاحة للضغط علي الأطراف السياسية المختلفة داخل لبنان لقبول سليمان فرنجية أو أي مرشح آخر بخلاف عون، حيث أقدمت المملكة العربية السعودية على وقف المساعدات التي أقرها الملك الراحل عبد العزيز للبنان كمساعدات عسكرية بجانب وقف تدفق الأموال إلى لبنان وغلق المصرف الأهلي اللبناني٬ على أمل الضغط المالي على الأطراف اللبنانية لتغيير موقفها وهو ما لم يؤثر علي الأوضاع اللبنانية المالية بشكل كبير، حيث استمر وضع العملة اللبنانية الليرة عند مستوى ١٥٥٥ لليرة لكل دولار٬ ومن ناحية أخري كان هناك تصور لدي القيادة السعودية بأن حسم المعركة في اليمن خلال العام الجاري 2016 سيساعد علي إضعاف الدور الإيراني ويعطي دفعة قوية لحلفاء المملكة بلبنان لحسم معركة الانتخابات الرئاسية ونتيجة تأزم الموقف السعودي باليمن وحدوث تقدم لمحور بشار في سوريا أدى لتنامي نفوذ المحور الإيراني وحلفائه داخل لبنان هذا بجانب دخول مصر تحت مسمي "اللعب على المكشوف".

(٥)

حسن نصرالله وبري وتشكيل الحكومة

من المتوقع أن يلقي حسن نصرالله خطاب يوم الجمعة (بعد غد) حول الانتخابات الرئاسية وفي أعقاب تكليف الحكومة أو بالأحري سعد الحريري لتشكيل الحكومة٬ ومن المتوقع أن يعيد نصر الله تهدئة الأوضاع مع الرئيس نبيه بري بعد استشعار الأخير تخلي حزب الله عنه لصالح سعد الحريري وعليه فمن المتوقع أن يعلن حسن نصر الله تفويض نبيه بري بتشكيل الحكومة مع سعد الحريري أو بمعني أدق تفويض بري بتشكيل حصة الشيعة بالحكومة٬ ومعنى ذلك أن حسن نصر الله حقق ثلاثة أهداف بشكل براجماتي، الأول: التنسيق مع سعد الحريري وحسم مرشح حزب الله ميشيل عون كرئيس للجمهورية اللبنانية والثاني: التقارب مع سعد الحريري وحسم تشكيلة للحكومة والثالث: تفويض نبيه بري بتشكيل حصة الشيعة في الحكومة وبدون موافقة بري على التشكيل مع سعد الحريري يعني عدم تشكيل الحكومة٬ ومن هنا تم إرضاء نبيه بري من قبل حزب الله٬ فالكل أخذ حصته وتفاوض أمام وسائل الإعلام ومن أخذ نصيب الأسد بدون ظهور هو حزب الله.

وللحديث بقية عن الدور المصري ونمط التحالفات الجديدة.

 

شارك الخبر على