أبرهة الحبشى المفترى عليه فى كتبنا الدينية ومناهجنا الدراسية

ما يقرب من ٦ سنوات فى الموجز

المقال - رانيا جابر
 كيف أفهمونا أن أبرهة ذهب لمكة لمحاربة الإسلام الذى لم يكن موجودًا أصلًا؟ هل كان ملك الحبشة يريد نشر الدين المسيحى فى جزيرة العرب؟
أبرهة الحبشى هو نفسه أبرهة الأشرم ملك الحبشة وبلاد اليمن والحيرة، ذلك الذى كثرت حوله الأساطير قديما، والأخطاء التاريخية القاتلة حديثا، ولا سيما فى كتبنا الدينية ومناهجنا الدراسية العقيمة، والتى رسخت فى أذهاننا ونحن لا نزال أفرخًا صغارًا بعقول خضراء أن أبرهة هذا ملكًا جبارًا مفتريًا كان يكره الإسلام والمسلمين، ولا يحب ريحة الريحة، لذا فقد ابتنى كنيسة ضخمة فخمة فى مدينة صنعاء كى يحج إليها الناس بدلا من الكعبة الموجودة فى جزيرة العرب ويشرف عليها القريشيون، ولأن الإقبال كان كبيرا على الكبعة فقد كان قرار هذا الملك هو هدم تلك الكعبة.
وفى الحقيقة فإن هذه الحكاية التى درسناها وقرأناها، وأصبحت من المسلمات عند جموع النخبة والبسطاء من المسلمين على السواء تبدو فى ظاهرها صحيحة، لكننا لو حاولنا التأمل فيها والبحث فى كواليسها، وما تخفيه وراءها سنكتشف العجب العجاب ولا بد أن نُحكِّمَ التاريخ إزاء هذا الأمر فصحيح أن أبرهة ذهب إلى مكة لهدم الكعبة، لكنه لم يذهب لمحاربة الإسلام كما أفهمنا الجاهلون فجهلنا فوق جهلهم... لماذا؟
لأنه فى ذلك الوقت لم يكن هناك إسلام أصلًا، فالواقعة وقعت فى عام الفيل، أى فى العام الذى ولد فيه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، أى قبل ظهور الإسلام بأكثر من أربعين عاما، فكيف يقال عن أبرهة أنه كافر وأنه عدو للإسلام؟ وفى الحقيقة وعندما نقرأ عن شخصية أبرهة نجد أنه شخصية متدينة جدا، وملتزمة تماما بتعاليم الديانة المسيحية التى كانت هى السائدة وقتذاك، وذهابه إلى جزيرة العرب كان بدافع محاربة الوثنيين من عبدة اللات والعزى لكى يدخلوا زمرًا فى دين المسيح عليه السلام، وذلك بعد أن فشلت مساعيه فى دعوتهم بالرفق واللين، ويجب أن نعلم أنه قد تم استفزاز أبرهة من قبل العرب بأمرين، الأول أن هناك رجلا من قبيلة «تهامة» يقال إنه لطخ كنيسته بالقاذورات والجيف، والثانى أن العرب قتلوا رجلا آخر كان أبرهة قد أرسله إليهم ملكًا، ومن هنا طار لُبُّه، وثارت ثائرته، فجهز جيشا جرارا يتقدمه فيل ضخم من إهداء النجاشى، وعند ذكر النجاشى لا بد أن نقف فله أيضا دلالة مهمة، فكلنا يعرف أن النجاشى هو ذاك الملك الحبشى النصرانى الشهم الذى لا يضام عنده مظلوم، وذلك بشهادة محمد عليه الصلاة والسلام، والذى أمر أصحابه من المستضعفين والمعذبين من قبل كفار قريش بالهجرة إلى هذا الملك العادل، وهو هنا عندما يساعد أبرهة فى تجهيز جيش لغزو قريش، فهو على يقين بأن ما يفعله هو الواجب تجاه ديانته التى تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
وكما ذكرت سورة الفيل فقد انهزم أبرهة وجنده هزيمة مرة، وذلك بفضل الطير الأبابيل التى تحمل حجارة من سجيل، وليس بفضل القريشيين الذين هربوا فى شعاب الجبل كما أمرهم كبيرهم عبد المطلب ليتفرجوا على المعمعة من بعيد، إنهم القريشيون أنفسهم الذين فتحوا صدورهم على الآخر فى ما بعد، مفتخرين أمام الدنيا كلها بأنهم هم من قهر جيش أبرهة الذى ليس له مثيل، رغم أنهم لو كانوا يملكون عقل بعوضة لأصبحوا مسلمين موحدين بالله قبل ظهورالرسالة المحمدية، وذلك بعد رؤيتهم لتلك المعجزة الإلهية التى لا يأتيها البطل من بين يديها، ولا من خلفها.
نقول إذن إن إبرهة كان يرى من وجهة نظره أن المسيحية لا بد أن تنتشر باعتبارها الديانة الحق والأساسية فى كل أنحاء العالم فى ذلك الوقت، ولذا فقد كان يرى أيضا أنه لا بد من تدمير الأوثان الملتفة حول الكعبة، والتى يعبدها هؤلاء البدائيون الذين يستحلون كل الحرمات، ويفعلون كل الموبقات، وهو بالضبط ما فعله الإسلام فيما بعد عندما غزا قبائل وبلدانا حتى يدخل أهلها فى دين الله أفواجا.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على