ربيع علم الدين

ما يقرب من ٩ سنوات فى التحرير

أعترف بالتقصير، لم أسمع عن الروائي اللبناني ربيع علم الدين، إلا منذ أشهر قليلة، ولم أكن قد قرأت له عملا واحدا، له أربع روايات ومجموعات من القصص القصيرة، وحتى عندما وقع في يدي مقال بالإنجليزية عنه، عن الدور الذي يلعبه على تويتر، أخطأت في قراءة الاسم، من الصعب قراءة اسم فيه حرف "ع" في اللغات الأجنبية، ولكنه فرض وجوده مؤخرا بعد أن فاز بجائزة فيمينا الفرنسية.

ويبدو واضحا من اسمها أنها تعطى للكتابات التي تهتم بقضايا المرأة، وجاء في حيثيات حصوله على الجائزة، "لقد كتب أجمل شخصية نسائية قدمها الأدب منذ فترة طويلة"، ربيع كاتب مزدوج اللغة والجنسية، لبناني أمريكي، كتاباته بالإنجليزية لم يترجم منها إلا عمل واحد، وهذه إحدى مزايا الأدب اللبناني، بدأت مع موجات الهجرة الأولى للعالم الجديد، ظهر عدد كبير من الكتاب الذين يكتبون بلغات أخرى، فرنسية وإنجليزية وإسبانية، لا يشاركهم في ذلك إلا أدباء الجزائر الذين يكتب بعضهم بالفرنسية، ولكن هذا كان نتيجة لحالة القمع الاستعماري، نوع من اضطراب الهوية، ولكنه في الحالة اللبنانية هو نتيجة انفتاحهم على العالم، فاللبنانيون هم أحفاد الفينيقيين، الحضارة الخفيفة التي فضلت ركوب الأمواج واكتشاف العالم بدلا من بناء الأوابد الراسخة على الأرض كما فعلت الحضارة المصرية.

ربيع علم الدين مثل الكثير من أبناء جيله الذين طردتهم الحرب الأهلية خارج وطنهم، من مواليد 59 ولد في عمان بالأردن، وبدأت الحرب عندما كان في السابعة عشرة من عمره، وأدرك مثل الكثيرين أنه لا عودة لهذا الوطن المشتعل، تواصلت رحلة عائلته إلى الكويت، ثم كانت رحلته إلى الجانب الآخر من العالم، حيث ذهب لتعلم الهندسة في جامعة كاليفورنيا.

كان يمكن أن يكرس نفسه ليكون مهندسا ناجحا، خاصة أنه كان مغرما بالرياضيات ولكن لوثة الأدب لاحقته فبدأ يمارس الكتابة والرسم في الوقت نفسه، روايته الأولى بعنوان "فن الحرب" تدور أحداثها في نفس الدائرة التي يتحرك فيها، بيروت - سان فرانسيسكو، حيث تدور رحى حربين مختلفتين، الحرب الأهلية في بيروت، وحرب الشوارع في سان فرانسيسكو ضد مرض الإيدز، رواية ما بعد الحداثة كما يصفها النقاد، يتناوب على رواية أحداثها أكثر من راو، فقراتها وجملها قصيرة لكنها عميقة، يكتمل السرد فيها بصفحات من يوميات، وأجزاء من مقالات ورسائل إلكترونية، ويتداخل كثيرا مع تيار اللا وعي، كلها تتجمع لتقدم صورة عن عالم مضطرب مليء بالموت والعنف والجنس.

بعد ذلك كانت رواية "الحكواتي" وتم الحفاظ على العنوان على غلاف الرواية دون حاجة لترجمته، واعتمد فيها على النبع الثري للحكايات الشرقية، خاصة ألف ليلة وليلة التي أخذ منها شكل الحكاية داخل الحكاية، كانت الرواية سببا رئيسيا في شهرته، وترجمت للعديد من اللغات إلا العربية، ولا أدري لماذا، ربما لأنه من الصعب ترجمته، لغته في الإنجليزية ليست صعبة فقط ولكن شديدة الدقة، محملة بظلال من ثقافته الموسوعية، ورغم ذلك فقد ترجمت روايته "أنا سارة وسارة أنا" إلى العربية.

ولكن الحديث لا بد أنه يقودنا إلى روايته الأخيرة "امرأة غير مهمة" التي فازت بتلك الجائزة المهمة، وكانت من قبل قد رشحت لجائزة الكتاب الوطني عندما صدرت في الولايات المتحدة، وقال عنها أحد النقاد: لا أذكر آخر مرة استولى على الراوي في روايته بهذا الشكل.

إنها قصة عن عالية صالح، المرأة التي عاشت حياة مدينة بيروت، تحيط بها كمية كبيرة من الكتب، على مدى سبعين عاما لم تغادر هذه المدينة، رغم ما مر بها من أهوال، وهي في الرواية تستعيد ذكريات حياتها الماضية، لقد تزوجت لمدة أربعة أعوام فقط قبل أن تتطلق دون أن تتزوج بعدها، وحتى تخفي شيب شعرها فقد صبغته باللون الأزرق، ثم تفرغت بعد ذلك للعمل في المكتبة التي تملكها، لم تكن مجرد بائعة كتب، ولكنها كانت مغرمة بالترجمة.

ترجمت روائع الأدب الغربي للعربية حوالي 37 كتابا، مع فارق واحد هي أنها لم تنشر منها كتابا واحدا، وضعتها جميعا في غرفة صغيرة مخصصة لخادمة لم تأت، أبقت عاليا حياتها معلقة بهذه المخطوطات التي لم تنشر، وبالمدينة القلقة التي لم تهدأ، الكتب هي أصدقاؤها الوحيدين تقريبا، وهي تقدم شهادتها الخاصة عن الحرب الأهلية من خلال الشخصيات التي عرفتها، وكذلك تتداخل أحداث حياتها مع الحيوات الخفية الموجودة في الكتب، لذلك أطلقت الترجمة الفرنسية للرواية عنوان "حيوات من ورق"، المشكلة أن الزمن لا يرحم، فالشيخوخة تتسلل إلى جسدها دون أن تستطيع التأقلم معها، كما تتسرب المياه من الدور العلوي لتتلف المخطوطات التي لم تنشر.

وفي الحياة الواقعية يبدو ربيع غريبا في ممارسة الكتابة، كثيرا ما يهرب منها للوجه الآخر من شخصيته، إلى الفن التشكيلي، يعتمد على ذائقته الفنية وهو يتعامل مع أدوات التواصل الاجتماعي، فتويتر الذي يمتلئ كثيرا بالشتائم والأكاذيب والنمائم الصغيرة استطاع ربيع أن يحوله إلى ملتقى للفن الراقي، فهو ينشر من خلاله كل يوم عشرات الصور الفنية مصحوبة بتعليقاته، رسوم من عصر النهضة، وأخرى للرسامين المعاصرين، صور فوتوغرافية نادرة، وأخرى من حضارة الشرق البعيد، وأحيانا بعض من قصائده المفضلة، يقول: "كلما عانيت في الكتابة كانت الصور أجمل على توتير، عندما أبث صور (ماتيس) فهذا يعني أني وصلت لخط النهاية، وعندما أنشر "مانيه" فهذا يعني أنني لا أعلم إلى أين أذهب". 
يبلغ عدد المتابعين لربيع علم الدين على تويتر 25 ألفا، وموقعه هو مقصد الكثير من الشباب ويعدونه أفضل من يبث صورا على الإنترنت، والكثيرون منهم لا يعرفون أنه روائي واسع الانتشار، وهو يقول إنه يمارس عملية التوتير أثناء الكتابة، يكتب قليلا ثم يتوقف ليبث صورة أو تعليقا، يحيل كل توترات الكتابة عنده للشبكة العنكبوتية، كان يفعل ذلك من قبل وهو يحل مسابقات "السودوكو" ولكن منذ أن فتح له صديق حسابا على تويتر.

وقد وجد أن هذه هي الطريقة المثلى لتخفيف توتره، يقول: لم أستخدم تويتر أبدا لشئوني الشخصية"، فرغم أنه رسام فإنه لم يستغل تلك المساحة ليضع فيها رسومه، تعود ربيع أن يبدأ يومه كل يوم بالجلوس ساعتين لجمع الصور الفنية التي يراها مناسبة، ثم يبدأ في بثها طوال الفترة التي يمارس فيها الكتابة، وهو يشعر أن التوتر يوفر له نوعا من الحماية لا يجدها في الكتابة، يقول: عندما أنشر كتبي وأتعرض للانتقاد لا أملك وسيلة للرد عليه، ولكن في حالة تويتر أستطيع على الفور إغلاق حساب كل من لا تعجبه صورى".

هذه دعوة للمترجمين العرب لترجمة أعمال هذا الكاتب، وخاصة ونحن في مصر نملك سلسلة رائعة ننشر فيها كل الكتب الحائزة على جوائز أدبية، وقد حان الوقت للنظر للأديب اللبناني الأمريكي ربيع علم الدين.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على