أحمد عدوية.. صاحب الجمال وسلطان الغناء الشعبي

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

أحمد عدوية.. أسطورة الغناء الشعبي، الأستاذ والأب الروحي الذي تجاوز أن يكون ظاهرة تمر كغيره، ابن الشارع والحارة الذي عبّر عنهما دون تزويق، السهل الواضح البسيط، لم يعبأ بهجوم المُدّعين، ونجح بصوته وقوته في أن يتحول من رمز للغناء الرديء في بداياته إلى التسلل إلى روح الشعب المصري، ببحة صوت لا يمكن أن تجدها خارج حدود هذا البلد، وبكلمات يستخدمها الكادحون في حياتهم وواقعهم، فحقق نجاحا شعبيا كبيرا ونقل أغنيته إلى مستويات الانتشار الحقيقي بعد أن كانت تتحرك باستحياء في عصر الغناء الرومانسي.

النشأة والبداية

هو أحمد محمد مرسي، المولود في محافظة المنيا بـ26 يونيو 1945، كان ترتيبه في الأسرة قبل الأخير حيث كان له 14 أخا وأخت، لأب يعمل تاجرًا للمواشي، حاول الغناء ولكن والده رفض، فتحدى وانتقل باحثًا عن ذاته في القاهرة العتيقة، حيث شارع محمد علي الذي سكنه 7 أعوام، وفي محاولة لكسب الرزق عمل كضابط إيقاع "عازف رق" في مقهى "الآلاتية".

غنى في الأفراح والحفلات، حتى جاءته الشهرة في عام 1972 من خلال دعوته كسنيد بين الفقرات وملء فراغ فقرات النجوم الكبار، في عيد زواج الفنانة شريفة فاضل، والذي حضره عدد من الفنانين والصحفيين، وكان موجودا في الحفل صاحب كازينو "الأريزونا" وعرض عليه العمل هناك.

الألبوم الأول.. و"السح الدح امبو"

كان من بين الحضور أيضًا الشاعر مأمون الشناوي، وأحب صوت عدوية وقدّمه لصاحب شركة "صوت الحب"، ويُقرر بدوره خوض مغامرة إنتاج أول ألبوم له، وضم أحد أهم أغانيه طوال مشواره "السح الدح امبو"، وتسببت الأغنية في أزمات عدة، أهمها الصراع في المحاكم بينه وبين مكتشفه الحقيقي الريس بيرة، وكان الخلاف كبيرًا حول صاحب الأغنية الحقيقي أهو الأخير أم كتبها عدوية ووضع مكتشفه عليها، أم هي أغنية قديمة لمحمد طه ومحمود شكوكو.

رغم نجاح "السح الدح امبوه" الجماهيري الكبير، إلا أن الإذاعة المصرية منعت أغاني أحمد عدوية بسبب أغنيته، واعتبرها النقاد نوعًا من الابتذال وأنها بلا معنى، ولكن عدوية فسرها، موضحًا "السح" تعني البكاء بشدة، و"الدح" تعني الإعياء، أما "امبو" تعني الشرب، وهي كلمة مصرية فرعونية.

عدوية

​طلب الفنان الشاب من منتج أول ألبوم له أن يكتب اسم "أحمد علوي" على الأسطوانة، ولكن حدث خطأ عند الطبع وكُتب "أحمد عدوية" وتضايق للغاية من ذلك، ولكن المنتج طلب أن يُبقي على الاسم، خاصةً بعد نجاح أغنية "عدوية" للمطرب محمد رشدي في ذلك الوقت.

صاحب المليون أسطوانة

وبينما تمر البلاد بمرحلة صعبة، والمواطنون يعانون من التعايش مع الظروف والضغوط الاقتصادية الناجمة عن الحرب، وجد هؤلاء فيما يقوله عدوية فرصة للتنفس، فكان أول مغنٍ مصري يبيع مليون نسخة من أسطوانتين "السح الدح امبو" و"بنت السلطان" فقط في فترة قصيرة، وأصبح يعرف بـ"المطرب صاحب المليون أسطوانة"، قبل أن يصبح بعد ذلك ملك الكاسيت.

"أحمد عدوية أحد أصح الأصوات العربية".. محمد عبد الوهاب

العندليب يغني لعدوية

وقف عبد الحليم حافظ في عز نجاحه حائرًا أمام ظاهرة عدوية التي لم يملك إلا القبول بها من دون اصطدام لا كما فعل مع محمد رشدي، حتى إنه أراد أن يغني أغنيته الأشهر "السح الدح إمبو" لولا منع محمد عبد الوهاب له، الذي وصفه رغم ذلك بأنه صاحب "أجمل صوت شعبي سمعه في حياته"، لينتهز العندليب حفل يجمعهما عام 1976 في أحد فنادق القاهرة ويغنيها تحت إلحاح الحضور، ليرد عليه عدوية بغناء "خسارة خسارة".

السادات.. والانتصار

الملحن هاني شنودة روى في حوار أجرته معه صحيفة "الشرق الأوسط"، أن أغنية "زحمة يا دنيا زحمة" حققت نجاحًا واسعًا فور طرحها، وعقبها تم اعتماد أحمد عدوية في الإذاعة المصرية، لكن الأمور تبدلت بسبب حفل زفاف في قرية ميت أبو الكوم مسقط رأس الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وكان الأخير حاضرًا، ونصح عدوية أحد أفراد الفرقة بعدم غناء الأغنية، خوفًا من جملة "مولد وصاحبه غايب"، لكن عند صعوده على المسرح طلب الجمهور منه غناءها، فنظر عدوية تجاه السادات وقام بالغناء، وعندما وصل إلى الجملة المذكورة استبدلها بجملة أخرى، مما لفت الأنظار أن المقصود من الجملة هو الرئيس، على الفور أنزل أفراد الأمن عدوية من على خشبة المسرح، وتم التحقيق معه آنذاك، ومُنعت الأغنية من الإذاعة، وتم إيقاف عدوية نفسه عن الغناء، وبعد فترة من إيقافه قرر السادات إعادة عدوية إلى الغناء في الإذاعة، وبذلك انتصر عدوية على جميع خصومه ومهاجميه، بعد أكثر من عشر سنوات مقاومة من الإذاعة والتليفزيون لشعبية الفتى الأسمر، للحفاظ على الكلاسيكية المصرية، وبعد موجات متواصلة من الهجوم ضده.

"أحمد عدوية صوت مليء بالشجن".. نجيب محفوظ

لابس جبة وقفطان

عام 1985، وبينما كان أحمد عدوية يُحيي حفلًا غنائيًا في كازينو الليل في الهرم بالقاهرة، وبعد أن انتهى من الحفلة، ألقت الشرطة القبض عليه أثناء خروجه من الكباريه بسبب أغنية "لابس جبة وقفطان" لسيد مكاوي، حيث كانت تعتبر أغنية "خليعة" وأعاد عدوية غناءها في تلك الليلة، لكنّها هذه المرة لم تمرّ على خير، ولم يخرج يومها من السجن إلا بكفالة مالية على ألا يُعيد تأديتها وإلا يدخل السجن مجددًا، وبالفعل امتنع عدوية عن غنائها نهائيًا.

السينما.. والكوميديان

استعانت به السينما ليُغني في الأفلام بسبب شهرته، ليدخل التمثيل على يد المخرج سيد طنطاوي الذي أنتج له فيلم "خدعتني امرأة" مع حسين فهمي عام 1979، ليظهر بعدها في أكثر من عشرين فيلمًا، من أبرزها "حسن بيه الغلبان، العسكري شبراوي، رجل في سجن النساء، مشاغبون في الجيش، أحلام البنات، خمسة في الجحيم"، حيث أسند له المخرجون بعض الأدوار الكوميدية، لكنه لم ينجح كممثل لعدم امتلاكه إلا موهبة الغناء فقط.

التعاون مع السحرة

كان أبرز من كتب لأحمد عدوية حسن أبو عتمان، وكان حلاقه الخاص وتعرف عليه في مقهى، بالرغم من أنه كتب لعدد من المطربين الكبار مثل محمد رشدي، والملحن والمؤلف الريس بيرة، وعمل كذلك مع كبار الشعراء، أمثال مثل مأمون الشناوي وعبد الرحمن الأبنودي وصلاح جاهين وسمير الطائر، والملحنين أمثال بليغ حمدي، وسيد مكاوي وهاني شنودة وكمال الطويل وعمار الشريعي وحسن أبو السعود، وغيرهم، كما أن فرقته كانت تضم خيرة الموهوبين أمثال؛ عازف الكمان عبده داغر، وفنان الترومبيت الأشهر سامي البابلي، وعازف الأكورديون والملحن محمد عصفور، ناي سيد أبو شفة، رق حسن أنور، وغيرهم.

حادث.. وابتعاد

تعرض لحادث مثير للجدل في أواخر الثمانينيات، عندما خدره أمير عربي، وكاد أن يفقد حياته بعد خلاف على امرأة، ودخل في غيبوبة وأُصيب بشلل لفترة طويلة وابتعد عن الأضواء إلى أن استعاد عافيته بدأ يظهر تدريجيًا، سواء بإعادة توزيع أغانيه القديمة، أو مشاركة بعض النجوم الشباب في أغنيات ذات طابع شعبي، مثل أغنيته "الناس الرايقة" مع المطرب اللبناني رامي عياش والتي لاقت نجاحًا واستحسانًا كبيرًا.

استغلال النجاح

كثيرون اتكأوا على تاريخ الأب الروحي للأغنية الشعبية الذي بالكاد يستطيع الحركة، فقلّده بعضهم وشاركه الغناء آخرين، ومن بين هؤلاء راغب علامة والذي غنى له "يا بنت السلطان" وكانت سببًا في شهرته، وشارك الغناء مع فرقة "وسط البلد" في عام 2013 وغنوا سويًا "كركشنجي"، وأغنية "صح النوم" مع محمود الليثي، وأغنية "مسافر" مع مطرب الراب "أبو"، وغيرها.

الحياة الخاصة

صاحب "عيلة تايهة، ما بلاش اللون ده معانا، حبة فوق وحبة تحت، يا بلدي يا واد، راحوا الحبايب، يا ليل يا باشا، كله على كله، سلامتها أم حسن، عم يا صاحب الجمال، حبيبي يا عسل، يا بتاع التفاح" وغيرها من الأغاني الشعبية الباقية بيننا؛ تزوج عام 1976 وله ابنة وابن هو محمد عدوية، وهو مطرب معروف وشارك ​مع والده مستغلًا اسمه وشعبيته في عدة أغان أبرزها "المولد".

الأستاذ باقٍ

وبرغم ابتعاد عدوية عن الغناء تمامًا منذ بدايات التسعينيات بسبب الحادث الذي تعرض له، إلا أنه ما يزال على رأس كبار الأغنية الشعبية في مصر وفي مكانة عالية في هذا اللون الغنائي، وطرح ألبوما غنائيا جديدا مؤخرًا يمثل عودته إلى عالم الألبومات بعد غياب سنوات طويلة تصل إلى 22 عامًا، يتعاون فيه مع المنتج محسن جابر، من خلال شركته "عالم الفن"، ويحمل اسم "الأستاذ".

نعم كان وما زال أحمد عدوية هو "الأستاذ"، سنوات وسنوات تعامل المّدعون معه باعتباره عنوانًا للفن الهابط، دون أن يحددوا معنى الهبوط، يضعون أغنياته في خلفية المشاهد الدرامية كدلالة على انحدار الذوق العام، ولكنه كان على قدر مسئولية موهبته وواجه وانتصر على ذاته والآخرين.

شارك الخبر على