تماسّ انتخابي

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

 د. أثير ناظم الجاسور
للقوى المتصارعة على السلطة والمال في العراق إرادات ثابتة سلطوية نفعية ابتعدت كل البعد عن المواطن وحياته وكرامته وعن توفير حياة عزيزة له، وراحت تحاول بكل ما لها من قوة وسلطان أن تحافظ على ماء وجهها والالتفاف على خسارتها الكبيرة التي كانت في الانتخابات الأخيرة مدوّية بكلمة ( لا ) لكل الوجوه التي كانت تعمل جاهدة على أن يكون لها نصيب بالقادم العراقي. محصلة تصارع هذه القوى دائماً تأتي على حساب إرادة المواطن الذي يسعى كل جهده لأن يخرج بصيغ بسيطة لحياته وهو يمارس حقوقه الدستورية سواء بالانتخاب أو بمقاطعة الانتخابات.
استغلال الوضع وخلق الفوضى أصبح صفة ملازمة لكل مرحلة تجد فيها الأحزاب نفسها في زاوية حرجة من مسيرة العملية السياسية، فالمرحلة الحالية بدأت تعطي اشارات واضحة على ضعف دور هذه الأحزاب وشخصياتها التي لم تجن ما توقعته في هذه الانتخابات تحديداً، ولَم يكن بمقدور الخاسرين إلا أن يشكّكوا ويطعنوا ويتبادلوا الاتهامات عسى أن يكون لرفع الصوت هذه المرة جدوى من أجل بقائهم. وفِي كل مرحلة تمر على العراق يكون وقودها المواطن البسيط إما محروماً وإما مقاتلاً يدافع عن الأرض وعمّن باع هذه الأرض، والنتيجة يموت المواطن ليبقى مَنْ في السلطة حيّاً يمارس سلطته.النار الأولى لهذه المرحلة صناديق الانتخاب تحديداً حرق صوت المواطن الذي أدلى بصوته متمنياً أن يكون القادم افضل، بما معناه النار لم تصل لجسده لكنها تحاول تغييب صوته وإرادته من خلال تماس أو عود ثقاب أو إرادة حزبية خاسرة أم رابحة، نعم إنه عمل حزبي مقصود ليغيب فساد الخاسرين ليتبعوا طرقاً ملتوية أخرى ليجلبوا لأنفسهم أصواتاً في عتمة الدخان، هذه هي مهزلة الأحزاب التي حكمت العراق اكثر من خمسة عشر عاماً لتقطع الخيط الرفيع بين الجمهور وهذه الطبقة الحزبية البائسة، التي تسعى الى خلق فوضى جديدة تفوق بدرجات الحالات السابقة التي مر بها العراق.النار الثانية هي التي اشبعت نقاشاً وتنظيراً هي شكل التحالفات التي بدت واضحة نوعاً ما للمراقبين والمتابعين والمعنيين بهذا الحدث الفوضوي المملوء بالتصريحات والتصريحات المضادة، لكن هذه المرة قد يختلف الشارع حول الآليات التي باتت ترسم المشهد المقبل الغامض، وواضح على الأقل للجمهور الذي ينتظر تغييراً في الوجوه وطريقة ادارة الدولة، بالتالي نحن أمام معادلة صعبة تحتاج إلى قراءة واضحة لفك رموزها التي اصبحت متشابكة على الجميع، خصوصاً وأن الخصوم الذين استبعد تلاقيهم اليوم اصبحوا قاب قوسين هم من سوف تكون لهم القدرة على تشكيل الحكومة، لكن هذا لا يعني أن الخطوات المتبعة هي خطوات واضحة، فسائرون بتفاهماتها هذه ستفقد الكثير من امتيازاتها بالنسبة للشارع العراقي المستقل، وهنا اقصد المدني والديني، لأنها اليوم تلعب على حسابات المكسب وهذا قد يكون فيه من الخطورة اكبر ما يتوقعه الآخرون. الجانب الآخر إن هذا التحالف حتى وإن كان شكلاً يعيد للأذهان عودة التحالف الوطني ذي اللون الواحد، وهذا قد لا يتوافق مع البرنامج الانتخابي لكتلة سائرون، القضية الأخرى هي أن كل الكتل اليوم هي من يطعن بنتائج هذه الانتخابات ما عدا الفائزون (سائرون – الفتح)، بالتالي فإن البناء قطعاً سيكون هشّاً وغير متماسك، فالمشكلة أن الكتل تحولت إلى جبهات، فسائرون اليوم تتزعم جبهة والسيد حيدر العبادي يتزعم الجبهة المضادة خصوصاً وهو يتحدث عن كتلة عابرة للطائفية بصفة وطنية وهذه اشارة واضحة الى أن السيد العبادي يتهم الخصم بالطائفي والجبهوي.النار الثالثة قرار المحكمة الاتحادية التي قبلت بتعديل ما رآه مجلس النواب، بالتالي وافقت على العد والفرز اليدوي وانتداب قضاة بديل لمفوضية الانتخابات بعد أن كانوا رافضين تبديلها، وألغت أصوات الخارج والنازحين خارج مناطق سكناهم، وهذا يعطي اشارة إلى خطورة القادم إذا جاءت النتائج بما لا تشتهيه الكتل الحزبية، هذا السجال الطويل لم ينته والصراع اليوم في العراق صراع على السلطان والحكم وكل هذه التحالفات لن تدوم طويلاً مع أول تشكيل حكومي يشعر الآخرين بالظلم منه، فالشيعة والسنة والكرد هي تشكيلات مجتمعية هوياتية لا تستطيع أن تدير وتبني دولة، فهذه الهويات لا تتعدى أن تكون معتقدات فردية أو جماعية من المفترض لا علاقة لها ببنية الدولة ومؤسساتها، لكننا وبهذه الطريقة نكاد نرى فوضوية عالية اربكت الوضع وشحنته مما تنذر باشتعال غير محمود العواقب، والقادم يحمل في طياته مفاجآت كبيرة، وسترى مع توزيع الوزارات وتسمية رئيس الوزراء ستكون القشة التي ستسلب هذه الكتل وهذه الأحزاب كل ما لها من رصيد في الشارع ويبقى المآل السياسي والقرار الخارجي ليقول قولته الأخيرة، وبذلك نحن أمام أكبر تماس سياسي قد يُشعل العراق.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على