خالد يوسف يسعدني لقب «المخرج المثير للجدل».. وانتهى زمن المصادرة (حوار)

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

قانون «كارما» موجود في أدياننا.. وحذفت 20 دقيقة من الفيلم بعد شكوى الجمهور 

أنا آخر واحد يزيد احتقان الفتنة الطائفية.. وحاربت لأجل أعمال لست أحد صنّاعها وكأنها أفلامي

المخرج خالد يوسف معروف بإثارة أفلامه الكثير من الجدل سواء قبل أو بعد طرحها، ربما لموضوعاتها، أو للمشاهد الجريئة التي قد تتضمنها، هذا إلى جانب مناقشته لقضايا يخشى البعض مجرد الاقتراب منها، وهو ما يميز أفلامه، وفي فيلم «كارما» الذي يعود به للشاشة الفضية بعد فترة ابتعاد استمرت لـ7 سنوات، لانشغاله بالعمل السياسي، يناقش خالد قانون الكارما الذي يعتمد على مبدأ كما تدين تدان عبر شخصيتين يجسدهما الفنان عمرو سعد؛ إحداهما «أدهم» مسلم ثري ينظر للفقراء باعتبارهم مسؤولين عن وضعهم السيئ، والثانية «وطني» مسيحي فقير يعتبر الأغنياء سببًا في عدم قدرة الغلابة على العيش، وفي العالمين يتوه المشاهد، هل الشخصيتان موجودتان في الواقع، أم أن إحداهما تواجه مرضًا نفسيًا كان سببًا فيما تعيشه، وهناك تفسيرات وتحليلات أخرى ستخرج بها بعد مشاهدتك للعمل، الذي استقبلته دور العرض أمس الخميس لينافس في موسم أفلام عيد الفطر.

«التحرير» التقت المخرج خالد يوسف للحديث عن الأزمة التي مرّ بها فيلمه الجديد «كارما»، وسحب ترخيصه حتى تم السماح بعرضه، وكذلك عن الانتقادات التي وجهت للعمل، فيما يتعلق بعلاقة المسلمين والمسيحيين، وتحيزه لأحدهما دون الآخر.

عدت للشاشة الفضية بعد 7 سنوات غياب.. هل درست معطيات السوق الجديدة؟

تعودت، قبل الابتعاد عن العمل في السينما، أن أي مسائل إعمال العقل والمعادلات فكرية والتيمة التي قد تعجب الجمهور والتنظير الذي قد يجري بيننا وبين أنفسنا هي حسابات غير دقيقة، وهذا نتاج تجربتي، لذا أتبع إحساسي في أعمالي؛ فأفلامي الـ11 كلها قدمتها بإحساسي، والحمد لله نجحت فما الذي سيدفعني لتغيير أسلوبي هل لأجل ابتعادي؟ صحيح أنني مُدرك وجود متغيرات جديدة على الساحة طرأت خلال فترة غيابي لكنني لا أملك القدرة على حساباتها، وفي نفس الوقت أنتظر معرفة ما سيفعله «كارما» في شباك التذاكر.

كيف استقبلت خبر منع طرح «كارما» وسحب ترخيصه من السينمات قبل يوم واحد من إقامة العرض الخاص؟

تلقيته بهدوء شديد؛ فالكلام الذي أُبلغت به ساقط قانونًا ومنعدم، وكنت على ثقة بأنني سأتمكن من تمرير العمل سواء بلجوئي إلى مؤسسة سيادية أو بوقوفي أمام القضاء، لأنه عندما يتعرض المواطن لظلم من السلطة التنفيذية يتوجب أن نلجأ للقضاء، فسحب الترخيص مخالفة قانونية فجة، لأنه في حالة مخالفة العمل لشروط الترخيص يصل للصانع إنذار للابتعاد عن هذه المخالفة، بالتالي معنى إنك تمنع عرض الفيلم لمخالفته لهذه الشروط دون تحديد لها فالقرار ساقط، «عشان كده كنت متأكد إني في أول جلسة بالقضاء الإداري هاخد حكم»، لكنني ارتأيت اللجوء للمؤسسات السيادية أولا كي أسألها عن دواعي ما حدث، مجرد استفسار عن حقي الذي أهدرته السلطة التنفيذية، وبعدما بحثت "السيادية" في الأمر لم تجد هناك سببا واضحا للمنع فدفعت "التنفيذية" للرجوع عن قرارها.

وبمَ ترد على من اعتبروا ما جرى مع الفيلم بمثابة دعاية ترويجية له؟

«هو أنا هشغل الحكومة لحسابي ولا إيه؟»، هذه الآراء عبث مثلما جاء قرار المنع؛ فمن يعتبر أن منع الفيلم وسحب ترخيصه "شو" أو "دعاية" إما عابث وإما مجنون، «مين خالد يوسف اللي هيشغل الدولة كلها بمؤسساتها عشان تسحب ترخيص فيلمه وبعدين ترجعهوله؟ معقول هشغل وزارة الثقافة والمؤسسات السيادية لحساب فيلم؟ ده جنون وغير منطقي ولو اللي بيقول كده مصدق نفسه يبقى عنده خلل عقلي»، ربما يكون السر وراء هذه الأقاويل إنجازي لمهمتي سريعًا وتجاوزي بفيلمي للأزمة، لكن هذا تم بفضل لجوئي للقنوات الشرعية التي اتخذت القرار بشكل فوري.

خلال كتابتك لقصة الفيلم.. هل توقعت أن يصيبه قرار المنع؟

لا على الإطلاق؛ لم يكن لدي قلق لأنني التزمت فيما كتبته بالثوابت المجتمعية وليس القانون فقط، وطرحت رؤية لا تفجر أزمة لكن تزيل احتقانا، كما أنني أؤمن أن دين المصريين واحد لم يتغير سوى اسمه فقط، بالإضافة إلى انحيازي للفقراء وهذا واضح في كل أفلامي، وأطرح أن لهم حقوقا لم يحصلوا عليها، وأعرض أنهم يتحملون جزءا من الواقع الذي يعيشونه، لكن هناك أغنياء وحكومات يتحملون معهم مسؤوليتهم، فهذه وجهة نظري طوال عمري التي لن أغيرها.

وما الذي أعادنا لقرار المنع الذي سبق وأصاب أفلام منها «شئ من الخوف» بحجة أنه يقدم إسقاطات سياسية على جمال عبد الناصر؟

عدم إدراك المسؤولين للزمن والمتغيرات الحاصلة فيه، وفي نقاشي مع إحدى هذه المؤسسات قولت لها بفرض أن هذا الفيلم في حال تم عرضه وتلقفته الناس سيتسبب في أزمة كبيرة جدا ويفجر لقضية وأنه فيلم مُغرض ويحمل هدف تدمير أو هز الدولة المصرية، ماذا سيصنع قرار المنع؟ سيساهم في هدم الدولة بالفعل لأن المئات أو الآلاف الذين كانوا سيشاهدونه في السينمات سيتابعونه على شبكة الإنترنت، لكن بعد أن يصل عددهم إلى ملايين، إذن المنع نشره أكثر وتأثر به الجمهور أكثر.. فكيف يأتي القرار للحفاظ على الدولة واستقرارها؟ وبالتالي من يفكر في المصادرة واهم، هذا ليس زمن المصادرة، أيام الستينيات كان الكتاب يُمنع ويبحث عنه القراء لا يجدونه تمامًا وكذلك الأفلام، أما الآن منع فيلم أو أغنية ستنتشر بالملايين على الإنترنت، لذا عليهم أن يفيقوا بأن فكرة المصادرة انتهت، ولم تعد مطروحة.

هل كان للرقابة ملاحظات على السيناريو؟

الرقابة لم تدوّن أي ملاحظة على العمل، لذا أنا لا أحملها أي مسؤولية فيما عاشه العمل قبل عرضه الخاص؛ فالقائمون عليها أجازوا الفيلم كسيناريو وكعمل بعد تصويره، وأحمّل من أصدر قرار المنع بعدما شاهد التريللر والأغنية الدعائية وتوقع أنني سأفجر الدنيا بالفيلم وبدلا من تحري الدقة ومشاهدة العمل قرر سحب ترخيصه.

بعض المتابعين للأزمة وصفوك بأن «أفلامك دايما بتعمل قلق».. هل يُغضبك هذا الوصف؟

لا بالعكس يسعدني لأنني مؤمن بمقولة "ويلي من نار الكلمة إن لم تجد من يسمعها أو يصفعها"؛ فالكلمة التي تمر مرور الكرام ولم يعلق عليها أحد إما بالاستحسان وإما بالاستهجان نعلم فورًا أنه ما كان يجب كتابتها، لكن إن حدث جدل، تأثر وتأثير، فهذا المطلوب من الفنون بما يشبه إلقاء حجر في بحيرة راكدة يحركها، لذا فأنا لست ضدها، بالتالي عندما يلقبوني بأنني "مثير للجدل" فهذا كلام عظيم جدا، "مين فنان ميتمناش يكون مثير للجدل؟".

وكيف تابعت تضامن ودعم السينمائيين معك؟

وقفة مشرفة وعظيمة وأتمنى أن يستمر هذا الدعم لشباب المخرجين والسينمائيين الذين قد تتعرض أعمالهم لنفس الظروف.

انتقد البعض الانتفاضة التي حدثت لأجل «كارما» والتي لم يجدها المخرج الشاب تامر السعيد بفيلمه الممنوع «آخر أيام المدينة».. فما تعليقك؟

«والله ما أعرف مشكلة الفيلم ده»، لكن دعيني أقول لك أنني سبق وحاربت لأجل أفلام لست أحد صنّاعها وكأنها أفلامي، وأصحابها موجودين ويمكن سؤالهم عن الحقيقة، مثل «اشتباك، لا مؤاخذة، وطلق صناعي»، لكن أزمة «آخر أيام المدينة» لم أكن على علم بها نظرًا لانشغالي بفيلمي، وسأبحث فيها لمعرفة أسباب منعه وكيف يمكنني مساعدته، وعلى كل السينمائيين التصدي لذلك لأن هذا ليس زمن المصادرة كما أوضحت لك، وحرية الإبداع منصوص عليها في الدستور.

هل ترى أن مجتمعنا يعمل بـ«قانون الكارما» الذي اعتمد عليه الفيلم، والذي ينص على أنه «كما تدين تدان»؟

«كما تدين تدان» مبدأ إسلامي ومسيحي، فهناك أقوال للسيد المسيح تتكلم عن الدينونة، وهناك حديث شريف يتحدث عن هذه العبارة أيضًا؛ حكاية الثواب والعقاب وأنه ليس جنة ونار فقط مقولة لا تخص البوذية فقط ولا قانون كارما فقط، إنما أيضًا الإسلام والمسيحية، الشقاء والسعادة في الدنيا ثواب وعقاب، قمت بأعمال شريرة ونجيت من العقاب فلك عقاب في الآخرة، وفقًا لقانون الأديان، ولها عقاب آخر في الدنيا أنك لن تصبح سعيدا، في حين إن غلبت نوازع الخير داخلك ستشعر بلحظات سعادة أكثر من أي شخص آخر، لذا فإن رأيي كارما موجود في أدياننا وتراثنا.

بعض ممن شاهد الفيلم وجد أنك تعمدت إظهار الدين الإسلامي بأنه دين قتل خاصة في مشهد قتل عمرو سعد لخاله المسيحي الذي سأله قبل رحيله «قلت إن محمد رسول الله وهتقتل خالك؟».. فما ردك؟

هذه تأويلات تخص أصحابها، ولا أعلم كيف وصل إليهم هذا الشعور، خاصة أن هذا الخال كان قاتلا قبل لحظات من هذا المشهد.

ولماذا أختار رجل الأعمال الثري «أدهم» نموذجا لمواطن مصري مسيحي فقير هو «وطني» كي يُسكنه في خياله؟

لأنها فئة مهمّشة، ونحن كمبدعين نتحدث في كل لقاءاتنا عن التهميش، والدستور أيضًا يتناول التهميش؛ فعندما نتحدث عن التهميش نقصد المسيحيين والمرأة والفقراء، ولم آتِ بجديد أو مختلف عن الواقع، أو عن ما نتداوله في أحاديثنا، هؤلاء بالفعل هم المهمشون.

ضمت قضايا الفيلم تنصير المسلم والعكس بالنسبة للمسيحي والتي ما زالت تثير أزمات.. هل ترى أن هذه القضية كانت ضمن أسباب منع الفيلم؟

أنا آخر واحد قد يزيد الاحتقان في قضية الفتنة الطائفية لأن طرحي من الأساس في الحياة أن المصريين دينهم لم يتغير، وهم أول من اكتشف الإله وتدينهم خال من التعصب مثل باقي الشعوب، بالتالي لم يكن لدينا مظاهر الفتنة الموجودة في بلاد أخرى؛ فهناك طلقتا رصاص تم ضربهما في لبنان على حافلة من طائفة أخرى كانتا سببًا في قيام الحرب لمدة 15 سنة، لكن هنا تابعنا مسيحي يتم إلقاء بنزين عليه ويشتعل، وكنائس العبادة يتم تحطيمها وهذا يعني أن المجتمع محصّن وأن مظاهر التعصب هذه مسّت قشرة المجتمع ولم تمسّ أصله ولا جوهرة، وهذا هو طرحي في الفيلم.

وماذا عن الكوميديا داخل العمل؟

هي مفارقات خرجت أو ظهرت بعدما تم استبدال كل شخص في عالم الثاني؛ فيستغرب الفقير من ملامح الثراء، ويصطدم الغني بالحياة الصعبة التي يواجهها سكان الحارة.

حملت نهاية الفيلم الكثير من علامات الاستفهام جعلت كل مشاهد يخرج بفهم مختلف عن الآخر.. لماذا لم تحسم هذا الجدل؟

بالعكس، قصدت حدوثه، وأن يقول مشاهد أنهما شخص واحد، وآخر يعتبر أن الثري فقط الموجود والفقير يكون في حلمه، وثالث يرى العكس، ورابع يعتبر أن الاثنين موجودان في الواقع، هذا النقاش تعمدته لأنه يدفع بالمشاهدين للوصول من مغزى العمل وفكرته؛ إذ لا أحب تحديد رسالتي من الفيلم لأنني بذلك أصادر على حرية الآخرين في التفكير.

انتقد كثيرون طول مدة الفيلم والتي وصلت إلى نحو ساعتين والنصف.. فكيف تعاملت مع الأمر؟

بالفعل تلقيت العديد من ردود الأفعال حول هذه المسألة، لذا قمت بحذف 20 دقيقة منه، قبل طرحه جماهيريًا، وبالطبع إن كنت أرى من البداية أن هناك مشاهد يمكن الاستغناء عنها لحذفتها، لكن عندما وجدت شكوى من طول مدة الفيلم وأن إيقاع الناس أصبح أسرع حذفت 20 دقيقة اضطرارًا، مع مراعاة ألا تؤثر المشاهد المحذوفة على الخط الدرامي للشخصيات.

صرحت بأنك منحاز للفقراء، وجاءت كلمات الأغنية الدعائية للعمل تقول "سرقونا وطاروا لفوق وسابونا نعافر تحت"، وعلى لسان الشخص الثري في الفيلم قيل أن الفقراء كُسالى ويتحملون جزءا من واقعهم مع الحكومات.. هل هذه تتفق مع وجهة نظرك؟

هذه وجهة نظر الفيلم؛ عندما أسست العمل كان الغني يقول على الفقير أنه كسلان وغير مجتهد وغبي ولا يرغب في تطوير نفسه، لذا فهو مسؤول عن فقره، والفقير يقول على الغني أنه حرامي وحصل على ثروته من النهب، وهذا يحدث بالفعل، والمعظم من الطرفين يقول كذلك، بالتالي عندما استبدلت كل واحد منهم في عالم الثاني كان بإمكاني تقديم رسالة سلبية جدا، وهي أن أجعل الثري عندما ذهب لعالم الفقير، يصبح كسولا مثله بأن الواقع سحقه وأصبح يائسا ومحبطا ولم يعمل، وأجعل الفقير في عالم الغني أكثر فسادا أو فاسد مثل رجل الأعمال، لكن الرسالة في الفيلم عكسية، فالأول غير من نفسه ومن واقع أهل الحارة وجعلهم يعملون وكسبوا بمجهودهم، إذن الفقر ليس مسؤولية الأغنياء والحكومات فقط إنما مسؤولية الفقراء أيضًا، أي أنها مسؤولية ثلاثية، والنصب أيضًا ليست مسؤولية الأغنياء إنما النصابون منهم.

ولماذا اخترت أبطال "كارما" من قائمة نجوم أفلامك السابقة؟

ليسوا فقط من أبطال أعمالي السابقة؛ فقد استقطبت آخرين منهم زينة، سارة التونسي، ودلال عبد العزيز، ويحكمني في اختياري للممثلين أمران؛ أولهما مدى مناسبة الفنان للدور، وثانيهما موهبته لتحمل مسؤولية الدور، وباقي التفاصيل عادية.

 

 

شارك الخبر على