«المقاطعة».. سلاح المغاربة لمواجهة لهيب الأسعار

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

تشهد المغرب "حملة شعبية" غير مسبوقة لمقاطعة منتجات شركات في السوق المحلية في محاولة للحد من ارتفاع الأسعار، حيث يطالب المقاطعون بخفض أسعار السلع التي تقدمها تلك الشركات إلى مستويات عادلة تتناسب والقدرة الشرائية للمواطنين.

استهدفت الحملة، التي انطلقت نهاية أبريل الماضي والمستمرة حتى الآن، منتجات ثلاث شركات كبرى هي "أفريقيا" لتوزيع الغاز والوقود، وهي تابعة للملياردير عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري المقرب من القصر الملكي، وماء "سيدي علي" الشركة المصنعة والموزعة للمياه المعدنية التابعة لمريم بن صالح شقرون رئيسة جمعية المقاولات المغربية، وشركة "سنطرال دانون" لمنتجات الحليب، بحسب "بي بي سي".

سلاح مشروع

وحتى اليوم لم تعلن أي جهة سياسية أو نقابية مسؤوليتها عن إدارة حملة المقاطعة تلك، لكن يرجع السبب في انتشارها لرواد مواقع وسائل التواصل الاجتماعي والتي لاقت من المغاربة تأييدا واسع النطاق.

ويرى العديد من المغاربة أنهم وجدوا في المقاطعة سلاحا جديدا تعجز السلطات عن مواجهته، فالتعبئة لهذه الحملة والتحريض على المقاطعة يجريان على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي دون الحاجة إلى النزول إلى الشارع للاحتجاج والمجازفة بمواجهة عصى قوات الأمن وحفظ النظام.

اقرأ أيضا : «حراك جرادة».. بركان غضب يهدد بانفجار المغرب

وأصبحت المقاطعة بالنسبة لهم وسيلة ضغط مشروعة من أجل تفعيل رقابة شعبية على سوق الاستهلاك، وحماية القدرة الشرائية للمواطن.

وكشف استطلاع للرأي شمل أكثر من 3700 شخص نُشر قبل أسبوعين أن 74% من الذين شملهم الاستطلاع سمعوا عن المقاطعة، و57% يستجيبون لها، وأن "الطبقة الوسطى تقود المقاطعة".

خيانة للوطن!

وردا على دعوات مقاطعة سلع ثلاث شركات كبرى خرج وزير المالية والاقتصاد للدفاع عن تلك الشركات في تصريحات مثيرة داخل البرلمان، إذ وصف مقاطعي تلك المنتجات الاستهلاكية بـ"المداويخ".

أما مدير التسويق لشركة توزيع الحليب فذهب إلى أبعد من ذلك واعتبر الانخراط في المقاطعة "خيانة للوطن"، مما أدى لمواجهته للعديد من الانتقادات الموجهة إليه وإلى شركته اضطر معها إلى نشر اعتذار للمغاربة.

ودعت الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، إلى وقف المقاطعة بسبب تأثيرها السلبي على مستوى التشغيل في شركة "دانون" وفي تعاونيات الحليب المرتبطة بها.

وبعد إثارة أحد نواب المعارضة الموضوع في مجلس النواب واستفسار وزير الحكومة حول موقف الحكومة من المقاطعة وتصريحات وزير المالية والاقتصاد، والتي اعتبرها النائب "سبا وشتما" للمقاطعين المغاربة، لوحت الحكومة في أحد اجتماعاتها بالخيار الأمني لمواجهة الحملة التي وصفتها بأنها تستند إلى معطيات مغلوطة.

المتضرر الأكبر

ويبدو أن هذه المقاطعة بدأت تجني ثمارها مسببة العديد من الخسائر لهذه الشركات، فقد توقعت "سانترال دانون" المملوكة للشركة الفرنسية "دانون" تراجع رقم تعاملاتها في النصف الأول من العام 2018 بنسبة 20% بسبب المقاطعة وأعلنت تسريح عمال تربطها بهم عقود عمل مؤقتة لم تحدّد عددهم، كما قررت خفض تزودها من الحليب المجمّع لدى نحو 120 ألف فلاح بنسبة 30%.

اقرأ أيضا : 5 أسباب وراء انضمام المغرب لقطار الدول المقاطعة لإيران

كما شرعت شركة "سنترال دانون" في التخلص من ملايين اللترات من حليب الأبقار، كما لوحظ أن مبيعات شركة توزيع الغاز والوقود تراجعت وانتشرت صور لمحطات الوقود التابعة لشركة "أفريقيا" خالية من السيارات والشاحنات.

دفع ذلك مئات العمال بشركة غذائية إلى التظاهر في الرباط احتجاجاً على الضرر الذي تلحقه بهم حملة لمقاطعة منتجات الشركة ولمطالبة الحكومة بحمايتهم من التشرد.

ورفع المتظاهرون الذين قدموا من مدن عدة وتجمعوا أمام مقر البرلمان في العاصمة، لافتات تستنجد بالشعب كُتب عليها "كلنا أبناء الشعب"، وأخرى تتوجه للمقاطعين كتب عليها: "نحن عرضة للتشرد جراء المقاطعة" و "عار عليك يا أخي أن تضع حقي في خطر".

كما ردّد المتظاهرون شعارات تطالب الحكومة بالتدخل من بينه: "العامل في خطر، الفلاح في خطر"، وارتدوا سترات كتب عليها "تعالوا نتصالح" وهو شعار حملة إعلامية بعروض تفضيلية أطلقتها الشركة قبل أسابيع لاستمالة المقاطعين.

أحد العمال المتظاهرين الذي أتى من مدينة الجديدة يقول "نحن إخوة ونتفق مع المقاطعة، لكن نقول كفى فالرسالة وصلت ولا يعقل أن يضرب المغاربة بعضهم البعض"، مشيراً إلى مصير مئات العمال المؤقتين الذين قررت الشركة تسريحهم بسبب المقاطعة، بحسب "الحياة".

اقرأ أيضا : هل حصل المغرب على أسلحة من إسرائيل؟

 

وزير ينضم للمتظاهرين

وفي خطوة مثيرة للجدل، انضم حسن الداودي، وزير الشؤون العامة والحكامة المنتمي لحزب العدالة والتنمية متزعم الائتلاف الحكومي وهو المسؤول المباشر عن مواجهة أزمة المقاطعة، إلى المظاهرة التي نظمها عمال شركة "سنترال دانون" أمام مقر البرلمان في الرباط، احتجاجا على استمرار مقاطعة الشركة، وهو ما نسبب في تعرضه لانتقادات واسعة من أعضاء حزبه.

كما أعلن سعد الدين العثماني رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أنه تقرر عقد اجتماع استثنائي للأمانة العامة للحزب، لمناقشة موضوع خروج الوزير الداودي في مظاهرة عمالية، داعيا جميع أعضاء الحزب إلى عدم الإدلاء بأي تصريح، أو الإعلان عن أي موقف بأي وسيلة كانت، إلى حين مناقشة الموضوع من قبل الأمانة العامة.

وكان الوزير الداودي متجها إلى البرلمان للمشاركة في لجنة برلمانية حين التحق بالمتظاهرين دون أخذ رأي أي أحد، وهو ما استدعى اتصال رئيس الحكومة لتبليغه عدم رضاه عن هذا التصرف.

وما زاد الاستياء والسخرية أيضا من تصرف الوزير الداودي أنه لم يتوقف للاستماع لمطالب المحتجين، أو تقديم وعود لهم بحل مشكلاتهم، بل ظهر وهو يهمس في أذن أحد المتظاهرين الشعار الذي ينبغي أن يردده "هذا عيب هذا عار... الاقتصاد في خطر"، ليواصل الوزير ترديد الشعار ذاته مع العمال، وهو المقطع الذي انتشر على نطاق واسع وتسبب في سخرية عارمة ضده، بحسب "الشرق الأوسط".

وبعد هذا الموقف والانتقادات التي وجهها ، يبدو أن الوزير الداودي لم يجد أمامه مخرج إلا بتقديم استقالته، حيث طلب مساء أمس، إعفاءه من مهامه الوزارية.

وأصدر حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي بياناً ربط فيه الاستقالة بتداعيات ظهور الوزير في الوقفة الاحتجاجية في الرباط.

اقرأ أيضا : غلاف مجلة فرنسية يثير غضب المغاربة

وفي الوقت الذي تدخل فيه حملة المقاطعة شهرها الثاني نجد أن هناك المزيد من الدعوات للانضمام للحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسط ارتباك حكومي.

شارك الخبر على