ثابت بن قيس.. شهيد معركة اليمامة
about 7 years in التحرير
يقال عن الخطابة أنها فن مخاطبة الجماهير، وعلى مدار التاريخ الإسلامي كان للخطابة دورها الهام في نشر الدعوة الإسلامية، وكما أن هناك من صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من يتميزون بجمال صوتهم في قراءة القرأن، وهناك من يتميزون بالفروسية والقتال في سبيل الله، هناك أيضا من وهبهم الله الفصاحة والبلاغة ليساندوا النبي في نشر الدعوة، ومن هؤلاء الصحابي الجليل ثابت بن قيس الملقب بـ "خطيب الرسول".
من هو خطيب الرسول؟
هو ثابت بن قيس الأنصاري، وعندما أرسل النبي مصعب بن عمير إلى يثرب بعد بيعة العقبة الأولى لنشر الدين الإسلامي، سمعه ثابت وهو يقرأ القرأن بصوت جميل، فأقبل عليه وأنصت إليه، ثم شرح الله قلبه إلى الإيمان، وكان من السابقين للإسلام في يثرب.
تميز ثابت بفصاحته وبلاغته، وصوته الجهير، ودرايته بتعاليم الدين الإسلامي من القرأن والسنة النبوية، وكان خطيب النبي محمد، وقد روي "أنه عندما جاء وفد من بني تميم إلى الرسول وافتخر خطيبهم بما يلقيه من الخطابة والشعر، فقال النبي لثابت بن قيس "قم فأجب خطيبهم"، فقام ثابت فحمد الله تعالى وأبلغ في كلامه، حتى سر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابه من خطبته".
خاف الله فبشره النبي بالجنة
كان ثابت بن قيس يحب النبي صلى الله عليه وسلم حبا شديدا، وكان له مع النبي مواقف على ذلك، فقد روي عن أنس بن مالك "أنه عندما نزل قول الله تعالى في سورة الحجرات "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" فلزم ثابت بن قيس بيته، وحبس نفسه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقال عن نفسه، إنه من أهل النار، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم جاره سعد بن معاذ عنه، فأخبره أن ما به شئ، فذهب سعد بن معاذ، إلى ثابت بن قيس يخبره بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فأخبره بسبب لزومه بيته وحبس نفسه عن النبي، فذكر سعد بن معاذ ذلك الأمر للرسول، فأخبره الرسول بأن يعود إليه ويخبره أنه ليس من أهل النار إنما من أهل الجنة".
هكذا كانت أخلاق ثابت بن قيس الذي خشي أن يعلو صوته على صوت النبي بسبب أنه جهير الصوت، فلزم بيته بالرغم من حبه الشديد للنبي وتعلقه الشديد به وبمجالسه.
كان ثابت فقيها في الدين، لذا كان حذرا من أن يفعل معصية دون قصد فيدخل النار، وكان شديد الخوف من غضب الله عليه، وعندما نزل قول الله تعالى "إن الله لا يحب كل مختال فخور"، شعر ثابت بالخوف والقلق بسبب ارتدائه للملابس الحسنة، وكبر الأمر في نفسه خوفا من الله فبكى بكاء شديدا وأخبر النبي بسبب خوفه وبكائه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "إنك لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير ويدخلك الله الجنة".
وعرف عن ثابت بن قيس إنفاقه في سبيل الله، وقد جاء في الأثر" أن رجلا من المسلمين بقي صائماً لمدة ثلاثة أيام ولم يفطر لعدم وجود ما يفطر عليه عندما يمسي، فتذكره الصحابي الجليل ثابت بن قيس، فأخبر أهله بقدوم ضيف عليه، وأخبرهم أنه إذا جاء فليقم منهم من يتظاهر بإصلاح السراج فيطفؤه، ثم يتظاهرون بتناول الطعام مع الضيف، حتى يشبع ضيفهم، فكان ذلك، وفي غداة اليوم التالي ذهب ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله "يا ثابت، لقد عجِب الله -عز وجل- البارحة منكم ومن ضيفكم" فنزل قول الله تعالى "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
وفاته ووصيته
في السنة الثانية عشرة بعد الهجرة النبوية، وبعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ارتد عدد من المسلمين عن الإسلام، وقرر الصحابي الجليل ابو بكر الصديق أن يقاتلهم، وكان ثابت بن قيس ممن ذهبوا لقتال المرتدين، في معركة تعرف بيوم اليمامة أو حديقة الموت بأرض اليمامة ، واستشهد أثناء قتاله المرتدين.
وروي عن أنس" أنه لما انكشف الناس يوم اليمامة، قلت لثابت بن قيس بن شماس: ألا ترى يا عم؟ ووجدته يتحنَّط -أي يستعمل الحنوط في ثيابه- عند خروجه للقتال، كأنه أراد بذلك الاستعداد للموت، وتوطين النفس عليه بالصبر على القتال- "والحنوط ما يخلط من الطِّيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة"- وقال لأنس: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بئس ما عوَّدتم أقرانكم، وبئس ما عودتم أنفسكم، اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء -يعني الكفار- وأعتذر إليك مما يصنع هؤلاء -يعنى المسلمين- ثم قاتل حتى قتل، وكان على ثابت درع له نفيسة، فمر به على رجل من المسلمين، فأخذها، فبينما رجل من المسلمين نائم، أتاه ثابت في منامه، فقال له إني أوصيك بوصية، فإياك أن تقول هذا حلم، فتضيعه، إني لما قبضت أمس، مر بي رجل من المسلمين، فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وقد كفأ على الدرع برمة وفوق البرمة رحل، فأت خالد بن الوليد، فمره، فليبعث، فليأخذها، فإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله -يعني أبا بكر- فقل له إن علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق -حر- فاستيقظ الرجل، فأتى قائد الجيش خالد بن الوليد، فأخبره، فبعث إلى الدرع، فأتى بها على ما وصف، وحدث أبا بكر -رضى الله عنه- برؤياه، فأجاز وصيته، ولا يعلم أحد أجيزت وصيته -بعد موته- سواه".