معالجة أزمة المياه في العراق على المدى القريب والبعيد

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

د. وثاب داود السعدي
من الطبيعي أن يهتم العراقيون جميعاً بأزمة المياه والتهديد الواضح بشحه على المدى القريب.وإن كان الأمر يبدو مفاجئاً للكثير من المواطنين، إلا أن مسألة المياه وشحتها المتوقعة مسألة معروفة منذ زمن بعيد. وقد كتب في ذلك العديد من الاختصاصيين (راجع مؤلف الأستاذ فؤاد الأمير "الموازنة المائية في العراق وأزمة المياه في العالم")، منبهين إلى أن مسألة الماء في العراق أهم من مسألة النفط. ولكن هذه الإنذارات لم تجد آذاناً صاغية. ولعل السبب الرئيس لذلك هو توفر الماء المجاني تقريباً حالياً، وسعة الهموم الآنية التي يعاني منها الشعب العراقي.من ناحية أخرى لم تحظ مشكلة المياه باهتمام القوى السياسية والسلطات المتعاقبة في العراق.في برنامج التيار الاجتماعي الديمقراطي، أفردت فقرة خاصة لمشكلة المياه والتهديد بشحتها، وطالب التيار في النقطة 9 من برنامجه الاقتصادي بتشكيل المجلس الأعلى للموارد المائية كتعبير عن الاهتمام الأساسي بمشكلة المياه وضرورة وضع كل الإمكانيات لإيجاد الحلول الناجعة لهذه المشكلة على الصعيدين القريب والبعيد، أي الدائم. ومشروع تشكيل هذا المجلس يحظى بدعم الكثير من الاختصاصيين وقد اقترحه د. لطيف رشيد وزير الموارد المائية الأسبق ولكنه اصطدم برفض الحكومة حينها، وربما يحظى أيضا بدعم د. حسن الجنابي الوزير الحالي والخبير الدولي في شؤون الموارد المائية. ولكن مع الأسف لم تطرح مسألة المياه مطلقاً في الحملة الانتخابية الأخيرة رغم أن عمليات ملء سد إليسو كانت قد بدأت منذ الأول من آذار الماضي. كما لم يصدر من هذه القوى أية إدانة واضحة لسلوك الحكومات السابقة المشين في هذا المجال.يبدو واضحاً أن معالجة مشكلة المياه تختلف على المدى القريب أو القريب جداً، لأننا دخلنا في هذه المرحلة منذ يوم 1 اذار الماضي، وعلى المدى البعيد، أي الحلول الدائمة لمشكلة الماء في العراق.على المستوى الطويل فان موارد دجلة والفرات من المياه متوقع لها النضوب الى حد كبير في حدود سنة 2040. وهذا ما خرج به مؤتمر إسطنبول سنة 2009. الأسباب موضوعية ولا علاقة لها ببناء سد في تركيا. أولاً مصادر المنابع المائية في انخفاض مستمر سواء في تركيا أو إيران أو العراق. ثانيا زيادة عدد السكان، أي الاستهلاك اليومي، في كل من تركيا وسوريا وإيران. وأخيرا زيادة حاجة هذه البلدان للموارد المائية للزراعة وجوانب الحياة الأخرى. النزر اليسير الذي يمكن أن يصل الى العراق لا يكفي سوى الى شريط حدودي ضيق.إضافة الى ذلك، فان البلدين المجاورين، تركيا وإيران، ضربا عرض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية والمحلية، بحجة إنهما لم يوقعا على تلك الاتفاقيات. وأهمها "اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية"، رقم 1229/51 لعام 1977. وهذه الاتفاقية تعرف المجرى المائي الدولي بأنه (أي مجرى مائي تقع اجزاءه في دول مختلفة). وفقاً لهذه الاتفاقية فان هناك حقوق للعراق في الماء الذي ينبع في تركيا أو إيران ويمر بالعراق. وهي تمنع أي إجراءات تحويل للمجرى او القطع لنهائي لتدفق الماء في هذه الممرات المائية.ولكن واقع الأمر اختلف كثيرا. فعلى مدى العشر سنوات الماضية، قطعت إيران أكثر الأنهر والروافد التي تنبع من أراضيها وتزود العراق بالماء، وأهمها نهر الكارون ونهر الزاب الصغير(مؤخراً). وقامت تركيا بالتسريع في بناء سد اليسو والبدء بملئه، دون الاكتراث بالمعارضة الدولية أو بمطالب العراق.ولكن من المسؤول الحقيقي عن الأزمة الحالية وما سينجم عنها مستقبلاً. هل هي حكومة اردوغان المتعجرفة التي لا تقيم وزنا للقانون الدولي ولمتطلبات الجيرة. أو حكومة إيران التي تعول على قوى سياسية عراقية تقوم بإخراس كل معترض في العراق بإشهار سلاح الطائفية.المسؤول الأول هو الحكومات العراقية المتعاقبة. لنقرأ ما يقوله الدكتاتور اردوغان. في تصريح أخير يقول باننا أخبرنا العراق منذ عشر سنوات بما سيحدث وطلبنا منهم ان يبنوا سدودا ولكنهم نهبوا الأموال. سنملأ سد اليسو خلال خمس سنوات وستعود الأمور الى مجاريها بعد ذلك. بطبيعة الحال هذا غير صحيح، الأمور سوف لن تعود الى مجاريها مطلقاً.ولكن مسؤولية الحكومات العراقية المتعاقبة أساسية. فمشروع هذا السد قديم يعود الى 1971. والتخطيط لتنفيذه والحصول على القرض الدولي لتمويله بدأ منذ أكثر من 10 سنوات. ولكن حكومات العراق لم تبذل أي جهد ولم تبدأ بأي مشروع تجنباً لهذه الكارثة التي تحيق بالعراق.إذا كانت حكومة العبادي تستطيع أن تتذرع بالحرب ضد داعش، وبخواء الميزانية العراقية التي تركتها الحكومة السابقة، فان العراق حصل على موارد هائلة خلال الفترة منذ 2005 الى 2014، ولكن القابضين على السلطة آنذاك، أضافوا الى جرائمهم جريمة أخرى، وبعثروا أموال الشعب العراقي ونهبوها نهباً، ولم يأبهوا نهائيا الى التحذيرات التي كانت تأتيهم من كل صوب.من المقترحات التي يتداولها الخبراء هو الضغط على تركيا لتمديد ملء السد الى 10 سنوات لفسح المجال أمام العراق لبناء السدود اللازمة. ولكن في آخر المطاف يبدو ان العراق سوف يلجأ مستقبلا الى تحلية مياه البحر التي ستصبح مصدره المائي الرئيس.السؤال الرئيس : هل باستطاعة طبقة المحاصصة والفساد القيام بدورها في انقاذ مستقبل العراق وأهله ؟ .

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على