عبدالله كوران..الشاعر والانسان المناضل

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

 فوزي الاتروشي
ندعو لدور أكبر للمثقف العضوي و نشجع تعميق الخطاب الثقافي و تمكينه من التأثير في تقزيم وتهميش خطابات السياسيين الأميين ، فأننا لا بد أن نستحضر قامات أدبية ثقافية سياسية أدت هذا الدور بشكل متميز .و(عبدالله كوران) الشاعر الكردي المولود عام 1904 في مدينة (حلبجة) واحدا من هؤلاء الرواد . منذ ريعان شبابه عانى الشاعر من ضنك العيش وأهوال الحياة و لكن ذلك لم يمنعه من المضي في التعلم و القراءة وتوسيع نطاق اطلاعاته على الآداب العالمية بهدف إحداث ثورة في الشعر الكردي الحديث بموازاة ثورة (نازك الملائكة) و (السياب) في الشعر العربي .نشط (كوران) في أن يكون بحق رائد الحداثة الشعرية الكردية وتخلى لأول مرة عن العروض العربي في صياغة الأبيات الشعرية و التزم الطريقة المقطعية في كتابة الشعر الكردي الحديث وهي التي اتبعها ومازال كل الشعراء الكرد .كانت حياة (كوران) التي انتهت عام 1962 بالوفاة، حافلة بالنضال والكفاح من أجل الوطن لذلك سجن لأول مرة عام 1940 ومن ثم كانت له جولات في سجون السليمانية كركوك و بعقوبة و الكوت .أثناء الحرب العالمية الثانية غادر العراق ليعمل في يافا بفلسطين ضد الدعاية النازية . وكان حضوره قوياً في كل المظاهرات والمناسبات الوطنية ، حيث ربط (كوران) كلياً بين الثقافة وبين الكفاح اليومي من أجل تطلعات شعبه . أحدث انعطافاً كلياً في الشعر الكردي لجهة المواضيع والشكل و تنقية اللغة الكردية من كثير من الكلمات الدخيلة .له الكثير من القصائد الغنائية الجميلة التي ما زلناها نرددها على مثل (باخجه باشا - حديقة الباشا) و(له زير ئاسمانى شينا_ تحت السماء الزرقاء) وغيرها ومنها ما أصبحت لوحات راقصة تؤديها فرقة السليمانية للفنون الشعبية . برع (كوران) في إعادة الشعرية الكردية الى الواجهة و تميز بقصائد وصفيّة عالية المستوى في وصف طبيعة كردستان .ونظرا لكفاءته وشهرته كسياسي و مناضل وأديب مقتدر فقد عين في القسم الكردي في كلية الاداب بجامعة بغداد عام 1961 مدرساً للادب الكردي وعمل في عدة صحف كردية كمحرر مثل صحيفة الحياة وشفق و غيرها .تميز شعر ( كوران) بالمفردة الأنيقة والصورة الشعرية الناجحة والجملة المكثفة . فشعره تقمص شروط الحداثة بالكامل مبتعداً عن الاشكال الكلاسيكية في التعبير .. وله قصيدة جميلة شهيرة بعنوان ( اخي أيها العربي ) يقول فيها :أخي العربي يا ذا العينين السوداوين/ مرّاً كان نصيبك .. مرّاً كان نصيبي/ قد جرعنا المرارة من كأس واحدة/ فاضحت أخوتنا عسلاًكتب عن (كوران) الكثير و تم تأليف أطروحات جامعية حول دوره الريادي في إحداث أكبر انعطاف في الشعر الكردي ولكننا نركز أن دوره كسياسي متحرك عضوي لم يكن أقل من دوره كأديب وشاعر .. إنه أحد المثقفين الذين يحق لنا الافتخار بهم لما تجرعوه من صنوف الألم والسجن والمطاردة من أجل حلم الحرية . ففي شعر (كوران) لا نعثر على قصيدة مدح واحدة في شخصية مثلما لا نعثر على تهريج مناسباتي أو شعاراتي ، بالعكس فالتجديد و أناقة الكلمة وجماليتها أحد أسرار شعر (عبدالله كوران) .سمي (كوران) شاعر المرأة والجمال والطبيعة و لكنه في كل أشعاره إلتزم الإنسان وهمومه موضوعاً وهدفاً له لا يبتعد عنه ، وبالرغم من وجود الكثيرين من الشعراء حاولوا تجاوز مرحلة (كوران) ولا سيما جماعة ( راونكه_ المرصد ) في بيانها الشعري عام 1970 والذي جاء بعد عام من البيان الشعري الذي نشر في الساحة العربية تحت شعار تجاوز مرحلة نازك والسياب ، نقول بالرغم من ذلك لكن ظلت ثورة (كوران) الشعرية هي الأساس الذي أثر على المراحل اللاحقة ، مثلما بقي تأثير السياب ونازك ثابتاً في الشعر العربي الحديث .(عبدالله كوران) شاعر متميز و مناضل كفوء وإنسان استطاع أن يجعل الشعر أكثر قرباً إلينا وأكثر حلاوة حين نغرف منه .

شارك الخبر على