تاريخ منصب سكرتير المجمع المقدس.. من المحاكمات إلى الانفتاح

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تعتبر أقدم المؤسسات المصرية حيث تمتد جذورها لتاريخ يقترب من ألفي عام، ومنذ نشأتها على يد القديس مرقس -أحد رسل السيد المسيح الـ70- في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، ولا تزال قائمة حتى الآن لتمسكها بإيمانها وتراثها وطقوسها، وانغلاقها على نفسها، في فترات صعبة مرت بها مصر، طوال تلك القرون، لكن مع تطورات العصر الحالي، لم يعد الانغلاق على الذات يكفي للبقاء، وهو ما تشير إلى التغيرات التي طرأت على الكنيسة في السنوات الماضية منذ جلوس البابا تواضروس على الكرسي البطريركي في 18 نوفمبر 2012، وآخرها اختيار سكرتير جديد لمجمع الأساقفة، هو الأنبا دانيال أسقف المعادي.

أهمية الموقع

موقع سكرتير مجمع الأساقفة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يأتي في المرتبة الثانية، بعد البابا، نظرا لأن سكرتير المجمع المقدس بمثابة رئيس الوزراء في الدولة، ويعتبر الذراع التنفيذية للبابا التي تدير شئون الكنيسة، وتنسق وترتب عمل كل اللجان المشكلة داخل المجمع من قبل الأساقفة، وهي بمثابة الجهاز الإداري الذي يدير شئون الكنيسة.

22 سنة للأنبا بيشوي.. عصر المحاكمات

اشتهر سكرتير المجمع المقدس في عهد البابا السابق شنودة الثالث، بلقب «الرجل الحديدي»، حيث شغل هذا الموقع، الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير القديسة دميانة، منذ عام 1985، بعد إلغاء قرار تحديد إقامة البابا شنودة، وحتى رحيله في 17 مارس 2011، وقاد بيشوي مجموعة من المحاكمات الكنسية للكهنة وكذلك زملاؤه من الأساقفة، أبرزهم، القس الراحل إبراهيم عبد السيد الذي تحدث عن إدارة أموال الكنيسة ورفض المحاكمات الكنسية الجائرة، إضافة للأنبا تكلا أسقف دشنا والأنبا إيساك الأسقف العام، والذين أعيدوا لمواقعهم مجددا.

الفترة الكبيرة التي قضاها بيشوي على الكرسي وإطلاق البابا شنودة يده في إدارة المجمع وعقد المحاكمات الكنسية، أغلقت البابا أمام كثيرين ممن حاولوا التفكير أو التطوير داخل الكنيسة، وكان إعلان الحرمان على الدكتور جورج حبيب بباوي عام 2006، الأستاذ السابق بالكلية الأكلريكية، ومنع كتب الأب متى المسكين من التداول داخل الكنائس، بسبب خلافاته مع البابا شنودة، خير معبر عن تلك المرحلة.

رافائيل والخروج من مرحلة الجمود

حصل الأنبا رافائيل أسقف كنائس وسط القاهرة، على المركز الأول في الانتخابات البابوية، وكان واحدا من ثلاثة مرشحين أجريت بينهم القرعة الهيكلية في 4 نوفمبر 2011، بجانب الأنبا تواضروس، والقمص مينا أفا مينا، وبعد اختيار البابا تواضروس عن طريق القرعة، ارتفعت أصوات البابا والأساقفة وأبناء الكنيسة لاختياره سكرتيرا للمجمع المقدس، وبالفعل شغر الموقع لدورتين متتاليتين، كل واحدة مدتها 3 سنوات، قبل أن يرفض أن يترشح للموقع مجددا، وكان هذا قراره أيضا بعد انتهاء الدورة الأولى، إلا أنه تم اختياره بالتزكية بسبب رغبة البابا ومجمع الأساقفة.

شغل الأنبا رافائيل موقع سكرتير المجمع المقدس، بعد وضع لائحة جديدة، لإدارة لجان المجمع، ورغم المعروف عن الأنبا رافائيل كونه واحدا من المحافظين داخل الكنيسة القبطية، والمتشددين لمذهب الكنيسة القبطية الأرثوذكسي، إلا أنه لم يجر محاكمة كنسية، لأي أسقف أو كاهن طوال تلك الفترة.

حينما اختلف الأنبا رافائيل، مع الأنبا أنجيلوس أسقف عام شبرا الشمالية، والذي كان منتدبا كنائب للبابا في أمريكا خلال الفترة الماضية، بسبب حديث الأخير عن الرمزية في تفسير الكتاب المقدس، لم يستدعه سكرتير المجمع لمحاكمة كنسية، كما كان يحدث سابقا، بل دار جدال بينهما على صفحاتهما الرسمية، قبل أن يعلن رافائيل تواصله مع أنجيلوس الذي أوضح له ماذا كان يقصد.

للمزيد عن تلك الواقعة يمكن قراءة:

المجددون والمحافظون داخل الكنيسة القبطية.. لمن تكون الغلبة؟

هل تكون سكرتارية الأنبا دانيال بداية مرحلة جديدة؟

تم اختيار الأنبا دانيال أسقف المعادي، بإجماع كبير لشغل موقع سكرتير المجمع المقدس، في الاجتماع الأخير نهاية مايو الماضي، باستثناء 10 أصوات فقط من أعضاء المجمع، والأنبا دانيال يشغل أيضا موقع نائب البابا في حالة غيابه خارج مصر، وأيضا مسؤول المجلس الأكلريكي الذي ينظر قضايا الأحوال الشخصية، في القاهرة، بعدما قرر البابا تواضروس العمل على هذا الملف بتقسيم المجلس لـ6 دوائر داخل وخارج مصر، لتسهيل الأمور على أصحاب المشكلات من أتباع الكنيسة في مصر وأوروبا والأمريكتين والخليج وأستراليا.

منذ تولى الأنبا دانيال المجلس الأكلريكي في القاهرة بدأ صوت أصحاب مشكلات الطلاق والزواج الثاني، في الخفوت شيئا فشيئا، بعدما أصبح المجلس ينظر المشكلات سريعا ولا يتم التسويف مع أصحابها كما كان يحدث سابقا، وحصلت بعض الحالات على الطلاق أو تصاريح الزواج الثاني، مما يشير إلى أنه ليس متشددا وأيضا يتمتع بثقة كبيرة من البابا وقطاع واسع من الأساقفة الذين يؤيدون البابا في التغيرات التي يجريها بالكنيسة.

أبرز الملفات التي تسبب أرقا للبابا

الأحوال الشخصية، هي الملف الأبرز الذي أرق قيادات الكنيسة في السنوات العشر الأخيرة، بعد قرار البابا شنودة في 2008، بقصر الطلاق على سبب «الزنى»، قبل أن تعيد الكنيسة بعض الأسباب من لائحة 1938 في اللائحة الجديدة التي تعمل عليها والتي ستصدر في قانون موحد للأحوال الشخصية للمسيحيين، لكنه ما زال مجمدا حتى الآن لوجود بعض الخلافات والاختلافات بين الكنائس الرئيسية في مصر، والأنبا دانيال واحد من الأساقفة الذين يتفقون مع البابا تواضروس في الرؤية بخصوص عدم التشدد في أزمة الأحوال الشخصية كما كان يحدث سابقا.

الملف الثاني الذي قرر البابا تواضروس العمل عليه، هو انفتاح الكنيسة القبطية على الكنائس الأخرى، وخروجها من العزلة التي فرضتها على نفسها، منذ الانشقاق عن بقية الكنائس عقب مجمع خلقدونية عام 451م، حيث زار البابا فرنسيس، بابا روما في الفاتيكان عام 2013، واتفقا على إعادة النظر في بعض أسباب الخلاف بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، ودراسة قرار عدم إعادة المعمودية -أحد أسرار الكنيسة وبإجرائه يدخل الإنسان للمسيحية- بين الكنيستين.

في نهاية إبريل العام الماضي زار البابا فرنسيس مصر، وبالفعل وقع مع البابا تواضروس اتفاق عدم إعادة المعمودية بين الكنيستين، إلا أن هذا القرار لاقى مقاومة شديدة من عدة أطراف أولها من يطلق عليهم «الحرس القديم» من الأساقفة المنتمين لعهد البابا شنودة، وتم ذلك عبر مؤيديهم واللجان الإلكترونية التابعة لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فقط لمحاربة البابا تواضروس.

والطرف الثاني كان يمثله الأنبا رافائيل الذي يرفض الاتفاق باعتباره واحدا من المتشددين للأرثوذكسية داخل الكنيسة، ووصل لصيغة وسط لتهدئة الأجواء حيث تم تعديل البيان من «قررنا عدم إعادة المعمودية»، إلى «نسعى جاهدين»، مما يعني تأجيل تنفيذ القرار وتفهم بابا روما الأمر، وتم تعديل صياغة البيان على موقع راديو الفاتيكان، الناطق الرسمي باسم الكنيسة الكاثوليكية.

لذا هل يكون شغل الأنبا دانيال بمثابة بداية مرحلة جديدة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية خاصة مع الملفات الشائكة التي تلقى مقاومة من قبل البعض داخل الكنيسة للتعامل معها بطريقة مختلفة؟ أم سيبقى الوضع كما هو عليه؟

شارك الخبر على