إنقاذ الأردن مسؤوليّة مشرقيّة، لبنانيّة سوريّة عراقيّة ومصريّة

ما يقرب من ٦ سنوات فى تيار

بقلم جورج عبيد
تشدّنا الأحداث المتأجّجة في الأردن الشقيق للتأمّل بجوهرها الآيل إلى التصاعد والمتّجه نحو مزيد من التفجّر. ترجّح مصادر متابعة بأنّ أسباب الثورة وما تبعها من صدام بين الناس المتظاهرين في شوارع عمّان ليست اجتماعيّة ومعيشيّة على الرغم من وجودها وتأثيرها على الواقع السياسيّ والأمنيّ، لكنّها مدخل لما هو أعمق وأكبر، هي قناع وحجاب يخفي في داخله خطّة تشاء أن تقود الأردن كما قادت من قبله سوريا والعراق ولبنان قبل الكلّ إلى حروب في الداخل تبيّن أنها صدى لحروب على الداخل في سوريا والعراق ولبنان، ليصير الداخل جزءًا من الخارج، جزءًا من حرب على الكيان أكثر مما هي حرب على النظام أو مجموعة أنظمة.وللأمانة، ثمّة من حذّر من استدخال، الأحداث إلى الأردن من البوابة السورية. لقد خشي البطريرك العظيم الراحل إغناطيوس الرابع سنة 2012 من اهتزاز العرش الهاشميّ في الأردن مع بداية الحرب على سوريا، وقال في حديث لكاتب هذه السطور: الحرب ليست على النظام في سوريا بل هي على سوريا الكيان والوطن، وإذا تمّ القضاء على سوريا والعراق يسهل اختراق لبنان والقضاء عليه، ومتى سقط هذا المثلّث الحيويّ والحضاريّ في المشرق العربيّ، ضاعت فلسطينيّ وسيشتدّ الضغط على الأردن فيهتز العرش الأردنيّ من البوابات السوريّة والعراقيّة والفلسطينيّة.. لقد أوردنا هذا الاستشهاد في هذا الموقع أكثر من مرّة ونورده من جديد لفهم طبيعة الأحداث في الأردن. فالإيراد تذكير والآية القرآنية تقول: "فذكّر إنّما أنت مذكّر ولست عليهم بمصيطر" (الغاشية 21،22)وعلى الرغم من حسم الميدان السوريّ بحدود ثمانين في المئة، وهو لصيق من ناحية الجنوب بالأردن كما هو من ناحية الغرب لصيق بلبنان والشرق لصيق بالعراق شومال-شرق بتركيا، لم يسلم الأردن من التداعيات المتجمعة ما بين العراق ولبنان، بفعل الصغوطات السعوديّة، والتي لا تزال تنساب ضمن سياقات متلاحقة وتتجمّع في قوالب متعدّدة هادفة بطرائق مختلفة ومتنوّعة. ينطلق الضغط من ثلاثيّة أميركيّة-سعوديّة-إسرائيليّة، بعناوين حاولت تمزيق الخصوصيّة اللبنانية ولم تفلح، والمحاولة الأخيرة تمّت في الانتخابات النيابيّة وسدّت الآفاق بوجهها، وهي تحاول الآن من خلال تأليف الحكومة وغالبًا ما سترى نفسها خالية الوفاض ليبقى العنوان الاقتصاديّ ورقة بيد المثلّث المذكور تحت عنوان العقوبات المالية على حزب الله. وفي العراق، بلغ التأييد لمقتضى الصدر مرحلة متقدّمة بعيد فوزه بالانتخابات، وقد ينذر ذلك بحال فشل المفاوضات في الداخل بتأزيم الوضع مذهبيًّا، وحتى الآن ليس من وضوح تام في هذا الخصوص.ربّ سائل هنا ما دخل لبنان والعراق في الأردن؟ إذا عدنا من جديد لتوصيف البطريرك إغناطيوس هزيم رحمه الله، لقرأنا بأنّ الهدف إنهاء فلسطين من زاويتين:1-الزاوية الأولى: إسقاط سوريا. فمتى سقطت سوريا سقط لبنان والعراق، وسقطت القضية الفلسطينيّة، وقد كان هذا الأمر مخطّطًا له بقوّة والتهبت سوريا والعراق بفعله ناره حتى لامست لبنان. 2-الزاوية الثانية: تهويد القدس، لقد اتجه المثلّث الأميركيّ-السعوديّ-الإسرئيليّ، إلى تفعيل الهودنة أو التهويد بصورة مباشرة مع قرار الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركيّة من تل أبيب إلى القدس. من شأن الزاويتين في هذا السياق، أن تسهم بتهجير الفلسطينيين في الضفة الشرقيّة إلى الأردن وحتى يترسّخ الترانسفيرTransfer فإن المقدّمة له إدخال المملكة في مشروع اضطراب خطير للغاية يهزّ العرش، ويعود السبب إلى الموقف الأردني الذي مثلّه الملك عبدالله بشجب نقل السفارة الأميركيّة إلى القدس، من دون إغفال بأن الرواسب التاريخيّة بسلبياتها التي كانت راقدة في جوف التاريخ استيقظت من سباتها بين المملكتين الهاشمية والسعوديّة لتفعل فعلها في هذه المسألة.هل الأردن دخل ربيعًا آخر هو خريف داكن وعاصف بكلّ ما للكلمة من معنى؟ تؤشّر المعطيات على الأرض فضلاً عن ما تمّ ذكره بأنّ العاصفة بدأت بالهبوب. ليست القضية ماخودة إلى ارتفاع سعر النفط والخبز. أنها مؤامرة بدأت تحاك على الأردن لتمزيقه عشائريًّا وإسلاميًّا مع حراك تقوم به مجموعات إسلامية إخوانيّة وتكفيريّة مزروعة في مناطق عديدة من الأردن. لقد طلب الملك عبدالله خلال جلسة مجلس الوزراء البارحة بالحوار مع شرائح المجتمع الأردنيّ فيما خصّ المطالب الاجتماعية والتشدّد في مواجهة الشغب المفتعل والمتعمّد، وتبيّن بأن الملك بات على دراية بأن ما يتعرض له عرشه والأردن ليس سوى بداية للتفجير ومحاولة للتغيير السلبيّ من بعد التفخيخ، وقد ظهر الملك متعَبًا على الشاشة بعكس ما كان يرى خلال لقاءاته وجهًا باسمًا.خطأ الملك الأردنيّ عبدالله، كخطأ الأكراد تمامًا. لقد راهن على الدور الأميركيّ، وتحالف معهم ومع السعوديين، وسمح لهم بأن يؤسسوا لمركز تدار فيه العمليات العسكريّة على سوريا بدءًا من محافظة درعا وصولاً إلى حوران. هل كان عبدالله يدرك أنّ مجرّد وجود مركز كهذا يؤشّر تلقائيّا ليس إلى ضرب سوريا والنظام بل محق القضية الفلسطينية مع خرق الحدود الأردنية السورية والإسرائيلية وكانت طريقًا للفوضى في درعا وحوران وصولاً إلى ريف دمشق؟ برأيي متابعين لو كان يعي ذلك ويعي ان الانعكاسات ستؤول إلى فوضى عارمة من بوابتي الضفة الشرقية والحدود السورية-الأردنيّة لما كان قد تورّط في الحرب على سوريا وفيها، وقد تمّ تحذيره غير مرّة من الانعكاسات الخطيرة ودعي إلى التخلّي عنها وكان أحد الدعاة الكبار إلى عدم انجرار الملك واندراجه في الحرب السوريّة الكاتب الأردنيّ المسيحيّ والمشرقيّ الشهيد ناهض حتّر وقد سقط شهيدًا في قلب عمّان أمام قصر العدل مضرّجًا بدمائه.لكن حين أخذ ترامب قراره بنقل السفارة إلى القدس شعر الملك بهول المسألة ومدى الخطورة الفائقة، وأدرك ان الأردن دخل النفق المظلم منذ ذلك الحين. وعلى هذا أكّد مراقبون استراتيجيون بأنّ الملك الأردنيّ لو تحالف مع سوريا بوجه المؤامرة ضدها لتفادى الاهتزاز الخطير والارتجاف المميت لأرضه وعرشه. لو تماسك مع لبنان وسوريا والعراق في مواجهة القوى التكفيرية المدعومة خليجيًّا وأميركيًّا وإسرائيليًّا، لكان أراح الأردن من تداعيات تلك الأزمات على أرضه مع تقوية المحور المشرقيّ بوجه تلك المؤامرة الخبيثة.هل لا يزال الأمر ممكنًا لحماية الأردن والملك على وجه التحديد؟ يخشى المراقبون السياسيون والمحللون الاستراتيجيون من تكدّس التراكمات وتأكسدها oxidation فينفجر الأردن بانفجارها في تفشّي نظام الفوضى الخلاّقة على مساحته كافّة. ويعتقد مراقبون بأنّ سقوط العرش في المدى المنظور قد يكون ممكنًا في المدى المنظور ولا يتعلّق السقوط بقرار أميركيّ أو إسرائيليّ أو خليجيّ محض، بل بمجموعة أوهان وأعطاب وثغرات ونتوءات وندوبات مني وتمرمر بها. فيتحوّل السقوط إلى نهاية المملكة الأردنية بلا بدائل محدّدة ولا نظام جديد ضابط وناظم، وهذا بدوره ستكون تأثيراته خطيرة على المشرق العربيّ برمته. لذلك فإنّ قرار إنقاذ الأردن والمملكة يفترض أن يكون مشرقيًّا وبالتحديد لبنانيًّا سوريًّا مصريًّا وعراقيًّا. دخول مصر على خطّ المعالجات بدوره ضروري بسبب المخاوف بأن تتحول محافظة سيناء إلى مقرّ للاستيطان الفلسطينيّ بقرار أميركيّ-سعوديّ. إحياء هذا المحور كيانيًا وبحسب المراقبين بات واجبًا وضروريًّا. وتقول بعض المعطيات بان الفرنسيين والإنكليز والألمان فضلاً عن الروس قلقون من التطورات الأخيرة في الأردن وهم يتبادلون المعلومات الدقيقة في هذا الشأن ويحضّون على الحدّ من الخسائر بدءًا من ضبط الأمن والقيام بمجموعة إصلاحات اقتصادية واجتماعية مطلوبة، فهم باتوا على قناعة بأن الأميركيين عاكفون على تمزيق المنطقة من جديد بدءًا بانسحابهم من الاتفاق مع إيران وصولاً إلى القرار بنقل السفارة، ويستدخلون الأردن ساحة لشدّ الحبال. من هنا يظهر المراقبون مجموعة مسلّمات يشجّع الأوروبيون عليها من أهمها:1-أن يبادر الملك عبدالله إلى التواصل مع إيران كدولة لها قوتها وهي في موقع المواجهة مع الثلاثيّ الأميركيّ-السعوديّ-الإسرائيليّ. ولا يكتفي بذلك فقط بل مع تركيا الحاضنة للإخوان المسلمين وقد باتت جزءًا من المعادلة في المنطقة إلى جانب روسيا ويران. والأوروبيون بدورهم باتوا جزءًا من صناعة التسوية في المنطقة..2-أن يبادر أيضًا إلى التواصل مع الجانب السوريّ وبالتحديد مع الرئيس بشار الأسد باتصالات غير مباشرة تؤول بعد ذلك إلى اتصالات مباشرة. عودة العلاقة بين الأردن وسوريا تريح الأردن وتساعده على تجاوز المطبّ، فسوريا استعادت قوّتها وتوسّعت قدرتها على التقاط العناوين وإيجاد الحلول لها بعد التفاوض بشأنها. اللقاء الأردنيّ-السوريّ ضرورة استراتيجية ضمن مصالحة تاريخية تعيد الحرارة إلى العلاقة بين البلدين.3-أن يقوم رئيس مصر بمبادة بدوره تجاه الأردن وسوريا تهدف إلى تنقية العلاقة من شوائبها ونوائبها الخطيرة، لقاء مصر وسوريا والأردن ولبنان بإمكانه أن يطيح بالمؤامرة على الأردن بمكوناته.ومع تلك المسلمات التي يشجع الأوروبيون عليها، ينظر بعض الرؤيويين إلى دور كبير لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون سينحته بعد تأليف الحكومة تجاه العالم العربيّ، وبالتحديد تجاه ما يمرّ به الأردن. وبعتقد هؤلاء بأنّ زيارته الوشيكة بعد تأليف الحكومة ستكون إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد للبحث معه في مسألة النازحين السوريين وقد فتح باب التواصل من جديد في الرسالة المرسلة من قبل وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل إلى نظيره السوريّ وليد المعلّم طالبًا مه تفسيرًا واضحًا للقرار رقم 10 وجاءه الجواب من خلال السفير السوريّ علي عبد الكريم علي موفدًا من قبل المعلّم مع رسالة خطيّة. لقاء الرئيسين عون والأسد سيتضمّن بندين اساسيين:بند النازحين وبند الأزمة الأردنيّة من بعد طبعًا تهنئة الرئيس اللبنانيّ للرئيس السوريّ بتحرير سوريا. الأردن دنا من أن يكون جرحًا، والبلد الذي اعتمد في نهره مسيح الرب قضية مشرقية، ورئيس لبنان أحد الكبار المؤهلين لجمع كلمة المحور المشرقيّ من أجل إنقاذ الأردن وإنقاذ المشرق العربيّ معه.

شارك الخبر على