حق رئيس الجمهورية بكتلة وزارية بمعزل عن الكتل النيابية (الدكتور خليل حماده)

ما يقرب من ٦ سنوات فى تيار

ان الاستشارات النيابية الملزمة التي قام بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انتهت بتكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة المقبلة، بحيث قام هذا الاخير بدوره باجراء الاستشارات النيابية غير الملزمة التي تنصّ عليها احكام المادة 64 من الدستور وذلك للأستماع الى آراء ومطالب الكتل والشخصيات النيابية المختلفة التي افرزتها الانتخابات النيابية العامة الاخيرة، ومن خلال هذه الاستشارات تبيّن بأن ثمة من يرفض حصول رئيس الجمهورية على كتلة وزارية خاصة به أسوة بباقي رؤساء ما بعد الطائف بحجة ان للرئيس تكتلاً نيابياً وازناً سوف ينتج عنه تكتلاً وزارياً موسع داعماً له وللعهد.
ان هذه المواقف الرافضة اعطاء حصة وزارية للرئيس منافية للأعراف والدستور خصوصاً ان العرف قد استقرّ بعد الطائف على ان تكون لرئيس الجمهورية حصة وزارية تتراوح ما بين الثلاثة والخمسة مقاعد في اية تشكيلة وزارية ، كون رئيس الجمهورية ، وبموجب المادة 53 من الدستور، هو المعني الاول بتشكيل الحكومة لحيازته على حق توقيع مرسوم تشكيلها بالاشتراك مع رئيس مجلس الوزراء، اضافة الى انه وبحكم الدستور ايضاً (المادة 49) هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، والوحيد الذي يقسم امام البرلمان يمين الاخلاص للأمة وللدستور.
بالتالي يكون دستور ما بعد الطائف قد اعطى رئيس الجمهورية مركزاً مميزاً وموقعاً سامياً وضعه في قمة هرم السلطات الدستورية بجعله "رئيس الدولة" ورمزاً لوحدة الوطن ".
 
فقد نصّت المادة 49 من الدستور على ان:
" رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدة وسلامة اراضيه".
بحيث ان هذه المادة قد رسمت دوراً اساسياً لرئيس الجمهورية مانحةً اياه وحده، مهمة التأكد والحؤول دون تجاوز اية سلطة لصلاحياتها الدستورية كونه الساهر الوحيد على تطبيق احكام الدستور ووحدة الدولة كما صيغة العيش المشترك.
وحفاظاً على رمزية موقعه هذا، وبهدف ابقائه على مسافة واحدة من الجميع، ولكي يلعب دور الحكم، اعفاه الدستور من اية مسؤولية تجاه مجلس النواب كون المادة 60 من الدستور قد نصّت على ان:
" لا تبعة على رئيس الجمهورية حيال قيامه بوظيفته الا عند خرقه الدستور او في حال الخيانة العظمى".
كما جنّبه اعباء المشاركة في التصويت عندما ترأس جلسات مجلس الوزراء، وهذا ما نصّت عليه أحكام المادة 53 من الدستور المعدّلة بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990.
اما من ناحية اخرى، وتكريساً لموقع رئيس الجمهورية هذا، جاءت المادتين 49 و 75 من الدستور لتكرّسا رئيس الجمهورية كـ "رئيس للدولة" اضافة الى كونه رئيساً للجمهورية مع ما لهذا التوصيف من رمزية وطنية سامية يمارسها بدون اي توقيع وزاري اضافي وبالوسائل التي يراها مناسبة بحيث تمكنه من لعب هذا الدور ولو بغياب وسائل عملية محددة ينصّ عليها الدستور كما هي الحال في المادة 16 من الدستور الفرنسي.
 
 
والجدير بالذكر هنا ان عدد قليل من الدول تجعل من رئيس الجمهورية رئيساً للدولة لما لهذا الواقع من رمزية وطنية.
“ L’expression Chef de l”Etat….. est rarement utilisée comme telle par les textes constitutionnels qui se refèrent plûtot à la forme du régime…
(Michel de Villiers, Dictionnaire de Droit Constitutionnel, 2ème edition, Arnaud Colin p.26: Chef de l’Etat)
Tous les systems Constitutionnels ne consacrent pas explicitemment l’existence du Chef de l’EtaT, les textes Anglais et Americains, pas plus d’ailleurs que la doctrine, ne qualifient ainsi le Souverain ou le Président et les Constitutions Françaises n’utilisent l’expression qu’avec réticence … seuls les constitutions du 14 janvier 1852 (article 6) et du 21 Mai 1870 (art.14) ainsi que l’Acte Constitutionnel No. 1 du 11 Juillet 1940 (art.4) officialisent le Chef de l’Etat…
(Olivier Duhamel et Ives Meny :Dictionnaire Constitu-tionnel. PUF, 1992 p.867).
 
 
فيكون الدستور اللبناني، وبرفع رئيس الجمهورية الى مقام رئيس الدولة قد وضعه في مركز سامٍ، وطني ومتقدم، كون رئاسة الدولة ليست مجرد لقب بروتوكولي او موقع شرف، بل هي سلطة من السلطات الدستورية الشخصية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية يمارسها شخصياً وعلى مسؤوليته الشخصية بدون شريك وبدون اي توقيع وزاري.(Attributions Personnelles Constitutionnelles, ou charge personnelle constitutionnelle)
وهذا ما أكدت عليه احكام المادة 49 من الدستور (التي جعلت من رئيس الجمهورية رئيساً للدولة) كما احكام المادة 75 من الدستور (المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية) التي أكدت هذا الموقع المتقدم، تاركين لرئيس الدولة، وبغياب وسائل عملية محددة بالدستور اللبناني اختيار الوسيلة او الوسائل المتاحة والتي يراها مناسبة لممارسة سلطاته الدستورية الوطنية التي نصّت عليها المادة 49 من الدستور، وتكريسها تقليداً دستورياً وعرفاً بالممارسة لما فيه المصلحة الوطنية والقومية العليا.
ان هذه الادوات تتمحور حول شخصية الرئيس وهيبته وحكمته ونزاهته وعدله والثقة بشخصه وطريقة ممارسته للحكم واحترامه لمؤسسات الدولة، اضافة الى حقه باستعمال ما تبقى له من صلاحيات دستورية بعد تعديلات الطائف التي نقلت القسم الاكبر منها الى مجلس الوزراء، الا وهي صلاحية اصدار مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء (المادة 53 فقرة 4 من الدستور).
ان هذه الصلاحية التي تجسد بالعمق مقام رئيس الجمهورية كرئيس للدولة يستمدها هذا الاخير من كونه رمز وحدة الوطن والساهر على احترام الدستور بحيث انها أتت لتوازن احكام المادتين 65 و53 من الدستور، الاولى بنزع السلطة الاجرائية من رئيس الجمهورية واناطتها بمجلس الوزراء والثانية بتقييد رئيس الجمهورية باستشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب وبالاشتراك مع رئيس مجلس الوزراء باصدار مرسوم تشكيلها بعدما كان "رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمّي منهم رئيساً ويقيلهم...." (المادة 53 قديمة من الدستور).
والاّ كيف لرئيس الجمهورية، رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن، الساهر على احترام الدستور ان يراقب تكوين وعمل السلطة الاجرائية واحترامها لأحكام الدستور ولا سيما أحكام الفقرة "ي" من مقدمته والمواد 64 (فقرة 2) والمادة 95 (فقرة 2) منه اذا لم يكن له حق المشاركة فيها، خصوصاً انه يملك حق الفيتو للحؤول دون توقيع مرسوم تشكيلها !
مما يؤكد ان حق رئيس الجمهورية بالحصول على كتلة وزارية في حكومات ما بعد الطائف هو حق مكرّس بالعرف والدستور كونه جاء " كتعويض " على نزع صلاحياته الدستورية واناطة السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء، وكتكريس للموقع السامي المتقدم الذي يشغله في قمة هرم السلطات الدستورية، موقع رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن".
 
الدكتور خليل حمادهعضو المجلس السياسي فــي التيار الوطني الحرّ
 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على