غرق قمة كيم ترمب

ما يقرب من ٦ سنوات فى الشبيبة

راميش ثاكورعندما اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره المفاجئ بإلغاء القمة التي كان من المقرر أن تجمعه بزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون في الثاني عشر من يونيو في سنغافورة، أرجع ذلك إلى "الغضب الهائل والعداوة المفتوحة" من جانب كوريا الشمالية. والحقيقة أن القمة كان محكوما عليها بالفشل لأسباب ثلاثة.الأول: ما عكسه الجانبان من سوء إدراك كل منهما للدافع الرئيس للقمة. فقد اعتقد كلاهما أن الطرف الآخر قد وافق من منطلق ضعف وأنه قدم تنازلات كبرى. فمن ناحيته اعتقد كيم أن قوته النووية أجبرت ترامب على قبول القمة دون شروط مسبقة، وأنها جعلته ندا لترامب كرئيس دولة، وظن أنه قادر على استكشاف طرق محتملة لنظام سلام بفضل الحصانة التي وفرها السيف النووي لكوريا الشمالية ضد الهجمات الأمريكية.أما الأمريكيون، فقد استنتجوا أن العقوبات الدولية جعلت كوريا الشمالية تركع، وتركت كيم متلهفا لإبرام صفقة وفقا للشروط الأمريكية، حتى أن جزءا من الخطة الأمريكية تضمن وضع مزيد من الضغط على الصين كي تكبح جماح دولتها العميلة، وإلا واجهت الصين ذاتها عقوبات مالية صارمة من جانب واشنطن.ودون قصد تسبب رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن، الذي يعود إليه الفضل الأول في التطورات الأخيرة فوق شبه الجزيرة الكورية، في إذكاء هذه الحالة من سوء الإدراك بنسب الفضل في القمة التي عقدها مع كيم إلى سياسة "الضغط القصوى" التي يمارسها ترامب تجاه الشمال، إذ اعتُبر هذا نوعا من التملق من جانب مون. وبتأييده اعتقاد ترامب بأن العقوبات الصارمة تُخضع الدول لإرادة أمريكا، وهو اعتقاد يخدم مصالح ترامب فقط، اكتسب مون غطاء سياسيا من صقور السياسة الخارجية الأمريكية المستائين من مفاتحاته الدبلوماسية مع كيم.ومما يؤسف له أن تأييد هذه الرواية شجع المتشددين الأمريكيين المحيطين الآن بترامب على إقناعه بالخروج من الاتفاق النووي مع إيران. ولو نظرنا في مدلول هذه الخطوة بالنسبة لكيم، الذي يتوقع أن يستمر حكمه لعقود، لوجدنا أن إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران تؤشر إلى احتمال إلغاء أي اتفاق مبرم مع إدارة ما من قِبل الإدارة التالية دون عقوبات. أما بالنسبة للصين (وكذلك روسيا)، فقد كان هذا بمثابة إشارة إلى عدم جدوى الانصياع للمطالب الأمريكية على حساب حليف، أو الانخراط في مفاوضات شاقة متعددة الأطراف لسنوات عدة. وبالنسبة لبقية العالم، أبرزت هذه الخطوة عزلة أمريكا المتنامية دوليا.يكمن السبب الثاني وراء إلغاء القمة في الفهم المتناقض لمعنى "نزع السلاح النووي" ــ وهي القضية الأكثر حساسية في الحلقة بأكملها. فالاعتقاد الأمريكي بأن كيم قد انحنى تحت تأثير الضغوط، جعل واشنطن تفسر ذلك على أنه نجاح في إنجاز هدفها الذي سعت إليه طويلا وهو النزع الكامل، القابل للتحقق، الذي لا رجعة عنه للسلاح النووي في كوريا الشمالية. أما كوريا الشمالية فقد استنتجت بشكل خاطئ أن ما لديها من قوة ردع نووية هو ما أجبر ترامب على المجيء للقمة، واعتقدت أنها على شفا تحقيق هدفها الذي سعت إليه طويلا وهو: إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، بما يشمله ذلك من وضع نهاية للمظلة الأمريكية النووية التي تحمي اليابان وكوريا الجنوبية. ولو أجاد الشمال المناورة ولعب أوراقه بشكل صائب، لاستطاع إنهاء التحالف الأمريكي مع كوريا الجنوبية واليابان، بانسحاب كل القوات الأمريكية من شرق آسيا.ونظراً لإخفاق الولايات المتحدة في قراءة الدافع الأساسي لكيم وتوقعاته بشكل صحيح، فقد اصطدمت بمشكلة ثالثة ــ وهي في الحقيقة فخ صنعته هي بنفسها ولم تستطع الهروب منه.فقد أوضح الكوريون الشماليون مراراً وتكراراً أنهم أدركوا ما يمكن أن يحدث للأنظمة التي تختار المواجهة مع أمريكا دون أن يكون معها السلاح الأكبر، فقد وعوا جيدا ما حدث لسلوبودان ميلوسيفيتش، وصدام حسين، ومعمر القذافي. وتعد حالة هذا الأخير على وجه الخصوص شديدة الأهمية، كما اتضح فيما بعد.فبعد أن تخلى القذافي عن مسعاه لامتلاك أسلحة نووية مقابل تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة والعالم، مات ميتة شنيعة (حيث عُذب خلالها وطُعن بحربة). ثم يحدث بعد ذلك، وتحديداً في الثلاثين من أبريل الفائت، أن يطلق مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون تلميحا أثار غضبا شديدا، حينما أشار إلى احتمالية أن تتبع كوريا الشمالية مسار "النموذج الليبي" في نزع السلاح النووي.جاء رد الشمال الغاضب على لسان نائب وزير خارجيته كيم كي-جوان الذي قال "لا نخفي مشاعر الاشمئزاز تجاه ما صرح به (بولتون)"، ونؤكد أن الشمال ليس مهتما بحوار يهدف إلى إرغامنا قسرا على "التخلي من جانب واحد عن السلاح النووي"، وأن "العالم يعلم جيدا أن بلدنا ليس ليبيا ولا العراق، اللذين واجها مصائر مأساوية".ورغم نأي ترامب بنفسه عن تصريحات بولتون، لم يلبث أن حذر نائبه مايك بِنس بعدها بثلاثة أسابيع من أن كوريا الشمالية ستواجه مصير ليبيا إذا لم تعقد اتفاقا. وهنا ردت نائبة وزير الشؤون الخارجية في كوريا الشمالية تشوي سون هوي بالتهديد بمواجهة نووية-نووية" إذا أصرت واشنطن على قتال "غير مشروع ومشين".ماذا قد يحدث تاليا إذن؟ إذا استأنفت كوريا الشمالية تجاربها النووية وتجارب الصواريخ بعيدة المدي، فلا شك أن ترامب، الذي تتأصل بداخله غريزة تصعيد خطاب الصراع، سيجد نفسه تحت ضغط للرد بقوة. ومع تكرار عبارات السخرية المدرسية الفجة التي أطلقها رئيسا الدولتين العام الفائت ــ مثل "رجل الصواريخ الصغير" و"الخرف المختل عقليا" ــ سيسعى رئيس كوريا الجنوبية مون باستماتة لإنقاذ مظاهر التحسن في العلاقات مع الشمال. وقد يحاول رئيس كوريا الشمالية كيم الوقيعة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. أما شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان المتشدد، فربما يشعر بالارتياح لإلغاء القمة.أما السيناريو الأفضل الذي قد تأمله بقية دول العالم، رغم ضآلة فرص تحققه، فيتمثل في الحفاظ على عملية دبلوماسية، مع وجود قنوات للاتصال الواضح والدقيق. وقد يكون هناك هدف متواضع لا يتعدى التوصل لاتفاقية للإبقاء على مستويات القدرة الحالية لبرنامج كوريا الشمالية النووي والصاروخي.لكن ربما ضيقت الولايات المتحدة الخناق على نفسها برفضها مثل هذا السقف في حالة إيران. وبعدما لم ترض عن الكمال بديلا في الشرق الأوسط، هو ما لا يمكن إدراكه، فلا شك أنها ستجد في الموافقة على اتفاقية مماثلة بشأن شبه الجزيرة الكورية إهانة لها. فقد أضحى فن فسخ الاتفاقات أكثر أهمية من منظور ترامب.مساعد سابق لأمين عام الأمم المتحدة، وأستاذ فخري في كلية كرافورد للسياسة العامة، جامعة أستراليا الوطنية.

شارك الخبر على