«المال السايب» في الوزارات.. من يوقف الرشاوى بالجهات الحكومية؟

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

كتب- خالد وربي وصديق العيسوي وصابر العربي وربيع السعدني وباهر القاضي:

تحتل مصر مركزًا متقدما في قضايا الرشوة والفساد وسوء استغلال النفوذ بصورة كشفت عنها منظمة الشفافية الدولية التي توصلت في بحثها إلى أن نسبة الرشوة في مصر وصلت إلى 50 %، وحملت مسميات عدّة ما بين الإكرامية والشاي لتصل إلى الملايين، وسبائك الذهب ووجبات الإفطار في الفنادق الكبرى وتذاكر رحلات للحج والعمرة، وصولا إلى كارنيهات عضوية في النوادي.

في ظل استمرار حملة الدولة وهيئة الرقابة الإدارية على الفساد شهدت السنوات الماضية ضبط وقائع فساد عديدة وتلقي رشاوى، وسوء استغلال للسلطة والنفوذ وسقوط الأقنعة عن مسئولين احتلوا وظيفة «الرجل الثاني» في مختلف الوزارات والجهات التنفيذية بالدولة بعد أن تم ضبطهم متلبسين بتلقي رشاوى مالية مقابل تسهيل الإجراءات لآخرين بصورة غير شرعية.

«التحرير» ترصد العديد من تلك الوقائع في مختلف الوزارات والتى كان آخرها أمس، في وزارة التموين بعد أن ألقت هيئة الرقابة الإدارية، القبض على كل من رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية، ومدير مكتبه، وكذلك القبض على كل من مستشار وزير التموين للإعلام والمتحدث الرسمى للوزارة، ومستشار الوزير للاتصال السياسى بمجلس النواب، لتقاضيهم رشاوى مالية تجاوزت المليوني جنيه من كبرى شركات توريد السلع الغذائية مقابل إسناد أوامر توريد السلع إليها، وكذا تسهيل صرف مستحقاتها، وجار اتخاذ الإجراءات لعرض المتهمين على النيابة.

الاستثمار في المقدمة

في تقريره السنوي الأخير أعلن المركز العربي للنزاهة والشفافية عن تقريره للرشوة في مصر، والذي يتم فيه ترتيب القطاعات العاملة في مصر، وفقًا لمقياس استحدثه المركز، أن هيئة الاستثمار جاءت في المركز الأول في تلقى الرشاوى، وذلك على صعيد كبار الموظفين أما مكاتب التوثيق فجاءت في المركز الأول على صعيد صغار الموظفين المتلقين للرشاوى.

واقتسم المركز الثاني وزارة النقل وموظفو الجهاز المركزي للمحاسبات، وفي المركز الثالث وزارة الصحة ومديريات القوى العاملة وفي المركز الرابع وزارة الإسكان وموظفو الإدارات التعليمية، وفي المركز الخامس وزارة الاستثمار ومديريات الإسكان، وفي المركز السادس وزارة الداخلية وموظفو البنوك الحكومية.

وفي المركز السابع هيئة التنمية السياحية وموظفو الإدارات الزراعية وفي المركز الثامن قطاع الاتصالات وموظفو المطارات وفي المركز التاسع قطاع البترول وموظفو هيئة التنمية الزراعية وفي المركز العاشر هيئة الأوقاف ودواوين المحافظات.

المرتشون في «الصحة»

قبل نهاية مايو 2016، ألقت أجهزة الأمن القبض على مستشار وزير الصحة متلبسًا بتقاضي رشوة في مكتبه بديوان عام الوزارة بلغت قيمتها 5 ملايين جنيه من إحدى شركات المستلزمات الطبية بمقر ديوان عام وزارة الصحة، في قضية توريد أجهزة لوحدة النخاع الشوكي بمعهد ناصر.

وكشفت التحقيقات أن وزارة الصحة أسندت أعمال إحلال وتجديد وحدة زراعة النخاع للأجهزة بمستشفى معهد ناصر إلى إحدى الجهات الوسيطة بمبلغ 28 مليون جنيه خاصة بتجهيز 9 غرف عمليات، قيمة تجهيز الغرفة الواحدة 4 ملايين جنيه، وحاولت الشركة منح مستشار الوزير الرشوة مقابل إصدار أمر توريد باسمها لتحصل عليها من الباطن، وتبين أن تجهيز الغرفة بسعر 950 ألف جنيه للغرفة الواحدة وليس 4 ملايين جنيه للوحدة.

واقعة أخرى حدثت مؤخرًا عندما ضبطت الرقابة الإدارية مكتب الدكتور مجدى حجازى وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية فى اتهامه بتلقى رشوة واستغلال وظيفته وتم إلقاء القبض عليه.

كان أحد الموظفين قد تقدم ببلاغ إلى الهيئة بشأن طلب وكيل الوزارة هاتفى محمول تتجاوز قيمتهما 60 ألف جنيه، وجنيها ذهبيا، مقابل الموافقة على نقل الموظف، وتم استئذان النيابة العامة بتتبع وتسجيل المكالمات الهاتفية، وتم ضبط وكيل الوزارة وإحالته إلى النيابة العامة لمباشرة التحقيق، بينما نفى وكيل الوزارة تلك الاتهامات ووصفها بالكيدية.

بإلقاء الرقابة الإدارية القبض على وكيل «صحة الإسكندرية» من مقر المديرية، وتجديد حبسه لمدة 45 يوما على ذمة التحقيقات بتهمة تلقى الرشوة، وصل عدد مسئولي الوزارة الذين تم إلقاء القبض عليهم 3 مسئولين خلال 6 أشهر فقط ليصبح هذا حال عدد من المسئولين الذين سقطوا في «فخ الفساد».

رجال «الأوقاف» في القفص

في إطارمكافحة الفساد، تم إحالة الدكتور أحمد عبد الحافظ، رئيس هيئة الأوقاف السابق، للتحقيق عقب إعفائه من منصبه بموجب قرار رسمي صادر عن مجلس الوزراء، خلال الأسابيع الماضية، وذلك على خلفية قيام الدكتور مختار جمعة، وزيرالأوقاف بإحالة تصرفات رئيس الهيئة المقال للنيابة وجهات التحقيق، وذلك نتيجة لقيامه ببيع أسهم الهيئة ببنك الإسكان والتعمير بموجب قرار منفرد، الأمر الذي اعتبره الوزير بصفته، مخالفا للقانون واللوائح التنفيذية المنظمة لسير عمل هيئة الأوقاف. 

كما ألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض على (م.س.هـ) وكيل منطقة الأوقاف بمحافظة الشرقية لطلبه وتقاضيه 30 ألف جنيه على سبيل الرشوة من أحد المواطنين من أجل إنهاء إجراءات مزاد صوري، وتحرير عقد إيجار بقيمة متدنية لقطعة أرض زراعية مساحتها 20 فدانًا بالأوقاف الخيرية للخديو إسماعيل التابعة لهيئة الأوقاف المصرية بمركز أبو حماد بالمحافظة. 

وقرر الشيخ محمد العجمي، وكيل وزارة الأوقاف في الإسكندرية، إيقاف إمام مسجد وموظف إداري، عقب قيامهما بعرض رشوة مالية على رئيس شؤون العاملين بالمديرية لإضافة اسم مواطن لا يعمل بالأوقاف في كشوف العمالة.

رشوة بـ600 ألف جنيه 

كما تمكنت ضباط الرقابة الإدارية من القبض على (ح.ب) رئيس قطاع تنفيذ مشروعات القاهرة الكبرى بشركة النصر للمبانى والإنشاءات (إيجيكو) و3 مقاولين فى أثناء حصوله منهم على مبلغ 600 ألف جنيه عل سبيل الرشوة، نظير تسهيل صرف المستخلصات وإجراءات إسناد الأعمال لهم بمشروعات مرافق مياه الشرب والصرف الصحى بالقاهرة الجديدة ومدينة 6 أكتوبر ومشروع 240 قرية بمحافظة الفيوم.

في قضية الرشوة الكبرى بالإسكندرية المتهم فيها محمد الشربيني، وكيل وزارة الطرق كشفت التحقيقات عن تورط 6 متهمين جدد من أصحاب الشركات، كانوا يدفعون رشاوى شهرية لوكيل الوزارة بواقع ألفا جنيه كل شهر مقابل صرف مستحقاتهم المالية عن مشروع تطوير حي شرق والمنتزه بقيمة 120 مليون جنيه. 

وضبطت الهيئة، أيضا مدير منطقة بإدارة الأمن بشركة النيل العامة للطرق والكباري، متلبسا بتقاضي 20 ألف جنيه على سبيل الرشوة، من أحد المقاولين المتعاملين مع الشركة مقابل بيع بعض المعدات الحديثة كأصناف خردة عن طريق زعمه الاختصاص بأنه مدير عام بالشركة ومسئول عن تخريد وبيع المعدات والسيارات القديمة بالشركة وتسعيرها، وبعرض المتهم على النيابة العامة أمرت بحبسه.

رشوة وزارة المالية

أحال النائب العام المستشار نبيل صادق، منتصف العام الماضي، 4 متهمين آخرين لمحكمة الجنايات بتهمة تلقي ومنح رشوة والمتهم الرئيسي فيها مستشار وزير المالية السابق، الذي تلقى اتصالا من الوسيط، للاتفاق على مبلغ الرشوة، وموعد حصوله على جزء من مبلغ الرشوة وهو مليون جنيه، فى أثناء أدائه صلاة الجمعة.

والمتهمون هم: «طارق فراج مستشار وزير المالية للضرائب العقارية، ومحمود الفخر الرازي بركة رئيس مجلس إدارة شركة ستار لايت للتنمية العقارية والسياحية، وأمل عبد الوهاب مفتش بالإدارة المركزية للتفتيش الضريبي بمصلحة الضرائب، والناصر جمال محمود بركة، محاسب».

وكشفت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا عن أن المتهم طارق فراج طلب مبلغ 4 ملايين جنيه رشوة من المتهم محمود بركة بوساطة المتهم أمل عبد الوهاب والمتهم الأخير، مقابل استعمال نفوذه لدى رئيس اللجنة العليا لتقييم أراضي الدولة لإنهاء إجراءات تخصيص قطعة أرض مساحتها 159 فدانا بمنطقة الضبعة لصالح شركة المتهم الأول محمود بركة.

الرشاوى في «الكهرباء» 

موظفو وزارة الكهرباء لم يكونوا بمنأى عن وقائع الفساد وسوء استغلال النفوذ، حيث أصدرت محكمة جنايات دمنهور (الدائرة الثالثة)، قبل نهاية العام الماضي، أحكامها فيما يخص أكبر قضية استيلاء وتربح على المال العام، بشركة توزيع كهرباء البحيرة، إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر.

وصدر الحكم على رئيس الشركة السابق، المهندس رمضان عثمان بخيت، بالاستيلاء على مبلغ 355 ألف جنيه، مقابل نهاية مكافأة خدمة، بدون وجه حق، بالاشتراك مع 6 آخرين من موظفي الشركة، ومأمورية استئناف دمنهور، التابعة لمحكمة استئناف الإسكندرية.

وقضت المحكمة بمعاقبة، رئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء السابق، وربيع عبد الحميد محمد عيد، أمين سر مأمورية استئناف دمنهور، ومحمد السيد حسن عيد، مدير إدارة قانونية بشركة الكهرباء، ووائل خليفة علواني، محام، رئيس مجلس الإدارة، بالحبس 3 سنوات، والعزل من وظائفهم.

كما قضت المحكمة بحبس كل من رضا رمضان أحمد عبده، مدير عام القضايا والتحكيم بشركة الكهرباء، وحمدى يوسف عبد العزيز غنيم، رئيس قطاع الشئون القانونية بشركة الكهرباء، عاما، وعزلهم من وظائفهم لمدة عامين.

محافظ المنوفية يسقط 

محافظة المنوفية لم تسلم من فاتورة الفساد وشهدت وقوع الرجل الأول في الديوان في فخ الرشوة، حيث ألقى رجال هيئة الرقابة الإدارية، القبض على الدكتور هشام عبد الباسط محافظ المنوفية، واثنين من رجال الأعمال فى مقر استراحة المحافظ بشبين الكوم بعد ثبوت تورطهم فى قضايا فساد، وحصوله على رشوة 2 مليون جنيه مقابل تخصيص قطعة أرض لأحد رجلى الأعمال ويدعى (رضا.ح) فى مدينة السادات.
 
وقالت مصادر إن رجال الرقابة الإدارية رصدوا المتهمين، وسجلوا المكالمات الهاتفية بين المحافظ واثنين من رجال الأعمال وبعد جمع الأدلة وتوثيقها ألقوا القبض عليهم.

تفاصيل رشوة وزير الزراعة ومساعده

أصدرت محكمة النقض برئاسة المستشار طه قاسم نائب رئيس المحكمة، حكمًا نهائيا وباتا، بتأييد عقوبة السجن لمدة 10 سنوات والغرامة المالية بحق صلاح الدين هلال وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الأسبق، ومحيى الدين محمد السعيد مساعد وزير الزراعة الأسبق، لإدانتهما بطلب وأخذ رشاوى، وهي القضية المعروفة إعلاميا بـ"رشوة وزارة الزراعة".

جاء الحكم الصادر من محكمة النقض، في ضوء رفضها للطعون المقدمة من الوزير الأسبق ومساعده، على الحكم الجنائي الصادر بإدانتهما، ليصبح الحكم نهائيا وباتا غير قابل للطعن عليه مجددا.

وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قضت بمعاقبة الوزير الأسبق ومساعده بالسجن لمدة 10 سنوات، وعزلهما من منصبيهما، وتغريم الأول مليون جنيه وتغريم الثاني نصف مليون جنيه، وإلزامهما برد العطايا موضوع الاتهام، وذلك لإدانتهما بطلب وأخذ رشاوى نظير تقنين وضع يد شركة مملوكة لأحد رجال الأعمال، على مساحة 2500 فدان بنطاق مدينة وادي النطرون بمحافظة البحيرة.. وإعفاء متهمين اثنين آخرين في القضية (مقدم الرشوة والوسيط في تقديمها) من العقوبة.

وسبق للنيابة العامة أن أحالت المتهمين إلى محكمة الجنايات في ختام التحقيقات التي باشرتها معهم، حيث جاء بأمر الإحالة أنهم ارتكبوا الجرائم المنسوبة إليهم بقرار الاتهام، خلال الفترة من شهر إبريل وحتى 7 سبتمبر 2015.

وذكر أمر الإحالة (قرار الاتهام) أن المتهم الأول صلاح هلال بصفته موظفا عموميا (وزير الزراعة ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية في ذلك الوقت) طلب وأخذ لنفسه ولغيره، عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، بأن طلب من المتهم الثالث رجل الأعمال أيمن رفعت الجميل بواسطة المتهمين محيى الدين السعيد ومحمد فودة، عضوية عاملة له ولأسرته بالنادي الأهلي، وملابس وأحذية له ولنجله من متجرين شهيرين لبيع الملابس الباهظة، وهاتفين محمولين، وإقامة وإفطار خلال شهر رمضان بأحد الفنادق الفارهة بالقاهرة الجديدة، وعقار بمنتجع بالم هيلز بمدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، وصيدلية بمحيط مسكنه، ونفقات أداء فريضة الحج له و6 من أفراد أسرته بقيمة 11 مليونا و283 ألفا و542 جنيها على سبيل الرشوة، حيث حصل منها على العضوية العاملة بالنادي الأهلي، والملابس والأحذية والهاتفين المحمولين والإقامة والإفطار بقيمة 403 آلاف و524 جنيها، مقابل تقنين وضع يد شركة رجل الأعمال للإنتاج الزراعي والحيواني المملوكة له على مساحة 2500 فدان بنطاق مدينة وادي النطرون بمحافظة البحيرة.

وأضاف أمر الإحالة أن المتهم الثاني مساعد وزير الزراعة السابق وبصفته موظفا عاما، طلب وأخذ لنفسه ولغيره عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، بأن طلب من المتهم الثالث رجل الأعمال أيمن الجميل، وبواسطة المتهم الرابع محمد فودة، ملابس وأحذية من متجرين شهيرين لبيع الملابس باهظة الثمن، وهاتف محمول ونفقات أداء فريضة الحج له و لثلاثة أفراد من أسرته، وعضوية عاملة له ولأسرته بالنادي الأهلي وأخرى بنادي وادي دجلة، وذلك بقيمة 948 ألفا و484 جنيها على سبيل الرشوة، حيث حصل منها على الملابس والأحذية والهاتف بقيمة تبلغ 189 ألفا و109 جنيهات، مقابل سرعة إنهاء إجراءات تقنين وضع يد شركة كيرو ثري إيه للإنتاج الزراعي والحيواني على مساحة الأرض المذكورة.

وأكد أمر الإحالة أن المتهم الثاني توسط في رشوة موظف عمومي وزير الزراعة السابق (صلاح هلال) لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن توسط في جريمة الرشوة..

في حين تبين أن المتهم الثالث (رجل الأعمال) قدم رشوة لموظف عمومي لأداء عمل من أعمال وظيفته، بأن قدم للمتهم الأول صلاح هلال -بواسطة المتهمين الثاني مساعد الوزير السابق والرابع محمد فودة- وعودا وعطايا على سبيل الرشوة.

كما قدم رشوة لموظف عمومي آخر لأداء عمل من أعمال وظيفته، بأن قدم للمتهم الثاني مساعد وزير الزراعة بواسطة المتهم محمد فودة، وعودا وعطايا على سبيل الرشوة.

وأكد أمر الإحالة أن المتهم الرابع محمد فودة المنتحل صفة كاتب صحفي، توسط في رشوة موظفين عموميين لأداء عمل من أعمال وظيفتيهما، بأن توسط في جريمة الرشوة للمتهم الأول وزير الزراعة "الأسبق" والثاني مساعده.

 

 

 

 

شارك الخبر على