الفخ الألماني

ما يقرب من ٦ سنوات فى الشبيبة

زكي العايديتوجد لدى أوروبا مشكلة ألمانية جديدة فعلى عكس الماضي، لا تنبع المشكلة من طموحات الهيمنة أو من شكل الضعف الذي قد يغري بالعدوان وعوضا عن ذلك فإن المشكلة متجذرة في تخلي ألمانيا عن أي حس بالمسؤولية المشتركة في أوروبا على الرغم من وجود اقتصاد قوي في ألمانيا منذ سنة 1945. إن نتيجة النهج الألماني –»افعلوا كما نفعل أو اتركونا لشأننا» هو التعطيل والقصور في لحظة تحتاج فيها أوروبا وبشدة إلى الزخم.لقد قاومت فرنسا الضغط الألماني لأنه كانت لديها شكوك قوية فيما يتعلق بالفيدرالية السياسية. لم يرغب الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا ميتران أن يتحرك خارج نطاق إطار ماسترخت وبعد أزمة منطقة اليورو سنة 2010، انتقل الجدل نحو الإصلاحات الهيكلية حيث دعمت فرنسا المزيد من التكامل الاقتصادي ولكن ألمانيا ربطت أي نقاش يتعلق بمستقبل منطقة اليورو بالإصلاحات الهيكيلية الفرنسية. لقد وافق الرئيس فرانسوا هولاند من حيث المبدأ على تلك المقايضة ولكن الوقت لم يسعفه لتحقيق ذلك بالإضافة إلى عدم تمتعه بالدعم السياسي المطلوب.أما اليوم فإن فرنسا تنفذ الإصلاحات المحلية التي كانت ألمانيا تطالب بها منذ زمن طويل وتضغط باتجاه التغيير على مستوى الاتحاد الأوروبي. إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يريد إنشاء اوروبا الفيدرالية –لا احد يعارض ذلك – بل اتحاد أوروبي سيادي قادر على مقاومة ضغوطات شخصيات مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي بوتين والرئيس الصيني تشي جينبينج والرئيس التركي أردوجان.لسوء الحظ فإن ألمانيا تعارض مرة أخرى المقترحات الفرنسية وعلى الرغم من أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عادة ما تكيل المديح لماكرون لشجاعته ولأهدافه المتعلقة بالسياسات، يبدو أنها مترددة في الموافقة على أي فعل لتقوية الاتحاد الأوروبي. يعترف القادة الألمان أن الإصلاحات الفرنسية جيدة بالنسبة لفرنسا ولكنهم يجادلون حاليا بأن إصلاحات منطقة اليورو هي مسألة منفصلة وعلى الرغم من خيبة الأمل تجاه هذا الموقف فإنه ليس مفاجئا فميركل قد ضعفت سياسياً والرأي العام الألماني ما يزال متأثرا بشكل كبير بالكلام الخاطئ عن كون ألمانيا هي الجهة التي تقوم بدفع الأموال لأوروبا.إن شويبلة وهو مؤيد سابق لفيدرالية اليورو قد خفض من سقف طموحاته بشكل كبير وبينما ما يزال يحلم بصندوق نقد أوروبي، فإنه سيكون بمثابة آلية تضامن فقط حيث سيكون الهدف الرئيسي منه هو مراقبة ومعاقبة الدول التي تعاني من ضعف مالي من أجل تقليل مسؤوليات مراقبة الميزانيات التي تقوم بها المفوضية الأوروبية.إن الحقيقة هي أن ألمانيا تطمح لأن تعيش في أوروبا الحد الأدنى أي أوروبا تفتقد لأي اتحاد سياسي ولكن مرتبطة باليات تأديبية بين الحكومات يتم تصميمها من قبل الدول الأكثر ازدهاراً وبعبارة أخرى ألمانيا تريد أن تزيل من الاتحاد الأوروبي أي أثر لروح المجموعة والسياسات المرتبطة بها واستبدالها بنسخة غير واقعية من القواعد والأحكام المتشددة علما أن الأحداث الحالية في إيطاليا تعزز موقف المتشددين الألمان فربما لم تكن مصادفة أنه بعد ثلاثة أيام من إعلان الحكومة الإيطالية خطتها الاقتصادية – والتي أن طبقت سوف تفجر منطقة اليورو- نشر 154 اقتصادياً ألمانياً بياناً تفصيلياً يعارضون فيه بقوة أي إصلاحات جوهرية لمنطقة اليورو.لكن هذا الموقف يعكس ما يطلق علية النسخة الألمانية من الليبرالية الاجتماعية التي تعكس الفكر الألماني وتشكل الفهم الألماني لأزمة منطقة اليورو. إن ألمانيا مثل هولندا ودول البلطيق تلقي باللوم فيما يتعلق بالأزمة على عاتق بعض الدول الأعضاء بسبب الطيش الخاص بالميزانية والمراقبة غير الكافية للدين الخاص مما يعني أنها ترفض أن تبحث بشكل صحيح في المشاكل الممنهجة لمنطقة اليورو.إن الإقرار بإن منطقة اليورو لا يمكن أن تعمل إلا على أسس التضامن والترابط يعني الانخراط في ذلك النهج من التفكير الذي كان دائما ما يرفضه الليبراليون الاجتماعيون الألمان فهم يرون الاقتصاد الوطني على أنه حاصل جمع الاقتصادات الجزئية والاقتصاد الذي يتجاوز الحدود الوطنية على انه حاصل جمع الاقتصادات الوطنية علما انه بالنسبة لهؤلاء فإن التضامن قائم على أساس الإدارة المتماسكة والثابتة وهذا المنطق يؤدي إلى ثلاثة أطروحات تسبق التحليل الاستراتيجي الأساسي.أولا، تتبنى ألمانيا الطرح الخيالي الذي يخدم مصالحها الذاتية وهو أنها لا تدين بالفضل للآخرين على رخائها ولكننا نعرف جيداً مدى اعتماد الاقتصاد الألماني على الطلب الأوروبي ومدى استفادته من التقييم المنخفض لليورو الألماني (بينما يعاني اليورو الإيطالي على سبيل المثال من التقييم المبالغ به). إن ألمانيا هي المستفيد الأول من سياسة البنك المركزي الأوروبي وكما غرد الاقتصادي الألماني مارسل فراتزشير مؤخراً «إن السخرية والمعايير المزدوجة التي لا تطاق بالنسبة لبعض السياسيين والاقتصاديين الألمان هو أنهم يهاجمون سياسات البنك المركزي الألماني ومع ذلك فإن الحكومة الألمانية هي المستفيد الاكبر-294 بليون يورو من وفورات الفائدة منذ 2007 ولو قارنا ذلك بالمخاطر التي تنطوي عليها الأزمة فإن ذلك يشكل صفقة ممتازة لألمانيا».ثانيا: تصر ألمانيا على أن أي تباطؤ يجب أن يواجه بمزيد من الانضباط والتقشف وليس بسياسات مواجهة التقلبات الدورية وطبقا للقادة الألمان بغض النظر عن فداحة تأثيرات ذلك النهج فإنها وبكل بساطة الثمن الذي يجب أن يدفع مقابل الغفران بعد ارتكاب خطيئة تراكم الدين الزائد عن الحد.أخيراً، ألمانيا مقتنعة انه في اقتصاد السوق فإن مسؤولية الدولة هو وضع القواعد والأحكام وليس توجيه خيارات اللاعبين الاقتصاديين وفي واقع الأمر فإن التقرير الأخير من مؤسسة كيل للاقتصاد العالمي يصور فائض الحساب الجاري الضخم لألمانيا على أنه واقع لا يستطيع صناع السياسة تغييره مما يعني القبول به ولكن هذا يتجاهل الحقيقة التي سلط عليه الضوء جونترام ب ولف في دراسته الأخيرة والذي ذكر فيها أن الفائض الألماني الحالي في الحساب الجاري هو ليس نتيجة الرغبة الكبيرة للأسر التي تكبر بالسن على توفير المزيد من الأموال ولكنه عائد إلى الاستثمار المحدود من قبل الشركات التي تسعى لمقاومة الضغوط المتعلقة بالأجور.إن هذا يشكل تحدياً خطيراً لفرنسا. إن أحد الخيارات للتغلب على العناد الألماني هو تبني سلسلة من التنازلات الصغيرة إن البديل هو المواجهة التي قد تنقل الجدل إلى الرأي العام الأوروبي وربما هذا ما كان يحاول ماكرون إطلاقة في اكس لا شابيل في وقت سابق من هذا الشهر عندما قدمت لة ميركل جائزة شارلمين بسبب جهوده المؤيدة لأوروبا. إن مثل هذه المواجهة يجب أن لا تعيق التقدم في قضايا أخرى مثل أمن الحدود والاستثمارات في صناعات المستقبل وفرض الضرائب على الشركات التقنية الأمريكية العملاقة والدفاع عن التعددية.إن التكامل الأوروبي يدين بالفضل الكبير للفرنسي روبرت شومان والألماني هيلموت كول وكلاهما أعطى أولوية للمصالح الاستراتيجية الأوروبية على السعي وراء مصالح وطنية فورية واليوم ماكرون مستعد لترسيخ صورته كقائد يشبه هؤلاء ولكنه يحتاج إلى شريك ألماني يمكن التعويل عليه ويرغب في تحدي صرامة الليبرالية الاجتماعية الألمانية والتي تدعي بأنها تهدف لتحقيق الازدهار الأوروبي ولكن للأسف، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت ميركل هي ذلك الشريك.أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس وكان مستشاراً لرئيس الوزراء الفرنسي الأسبق مانويل فالس.

شارك الخبر على