أفكار شبابية مبتكرة للتشجيع على القراءة في ظل غياب الدولة

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

إذا سألت شابًا متى آخر مرة أمسكت فيها كتابا لكي تقرؤه قد يجيبك بأن ذلك كان أيام الجامعة عندما كان مجبرًا أن يذاكر، ساعتها ستكون انضممت إلى من يجب عليهم أن يقروا بأن هناك عزوفا كبيرا من قبل الشباب عن القراءة في وقت سيطرت فيه السوشيال ميديا على كل مناحي حياتنا، وأصبح الوقت الذي يقضيه الفرد في الجلوس أمام شاشات الكمبيوتر للمتعة والتسلية أكثر بكثير من الوقت، الذي قد يقضيه في ممارسة هواية معينة أو حتى قراءة كتاب، فيما تشير بعض الإحصاءات الصادرة عن اليونسكو إلى أن المواطن العربى يقرأ فقط 6 دقائق فى العام، بينما يقرأ الأوروبي 200 ساعة سنويا، ونصيب العربي نصف صفحة في العام، حيث يقرأ كل 80 عربيا كتابا واحدا في السنة، في المقابل يقرأ المواطن الأوروبي نحو 35 كتابا في السنة.

وعندما نبحث عن دور الدولة، سنجد أن هناك غيابا تاما لدورها في ابتكار أفكار جديدة تشجع الأفراد على القراءة لتصبح عادة يومية أصيلة، في الوقت نفسه ظهرت مجموعة من المبادرات الشبابية، التي قررت التفكير بشكل مختلف فيما يتلاءم ويتناسب مع عصر السرعة من أجل الوصول إلى نتيجة واحدة هي "أوقات الانتظار أملئها بكتاب وأفكار" وهو شعار حملة "ثقافة للحياة" التي أسسها باسم الجنوبي من أجل تشجيع الأفراد على القراءة من خلال العديد من المبادرات المختلفة، التي تطلقها في العديد من محافظات الجمهورية، أبرزها "استرجل واقرأ عشرة كتب"، و"1000 فكرة ثقافية"، و"ونس الكتب".

يقول باسم الجنوبى، مؤسس حملة "ثقافة للحياة": "الحملة تضرب أجراس الخطر عبر فاعلياتها التي تنبه لأهمية القراءة في التنمية الذاتية والمجتمعية والارتقاء الفردي والمجتمعي، فالمبادرة الأولى كانت تشجع على قراءة عشرة كتب فى الشهر، ودعوة القارئ لكتابة ملخص لكل كتاب بأسلوبه دون تكلف، أما المبادرة الثانية فتهدف إلى مشاركة مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتعليم والعاملين فى مجال الثقافة فى المجتمع فى التشجيع على القراءة حتى لا تهدم مؤسسة ما تتبناه الأخرى، ولإنجاز الهدف بشكل أسرع من خلال بث ألف فكرة ثقافية توزع على الأسرة ووزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي، والثقافة، والمؤسسات الدينية، ومنظمات المجتمع المدني، والمثقفين، والكتاب والحملات التطوعية المستقلة، بحيث تجذب الفرد للقراءة ويمكن تطبيقها فى الواقع".

أما "ونس الكتب" فتستهدف شريحة الشباب من الطلاب والخريجين الجدد، لتشجيعهم على اكتساب مهارات التحفيز الذاتي على القراءة واكتساب مهاراتها المختلفة، مثل اختيار التخصص العلمي وكيفية اختيار الكتب المناسبة والمفيدة، ومهارات التلخيص والعرض للكتاب والقراءة السريعة والتخلص من مشكلات الملل والتراكم والخمول المعرفي، وأضاف الجنوبي أن الحملة واكبت عصر التكنولوجيا السريعة عن طريق استخدام الموبايل للتشجيع على القراءة من خلال خدمة الرسائل القصيرة على الموبايل، بهدف ربط القراءة بكل شيء فى حياتنا للحث على جعلها عادة.

وتابع باسم: هناك أفكار عديدة وكثيرة يدعو مؤسسات الدولة؛ لا سيما وزارة الثقافة، لتبنيها ونشرها للتشجيع على القراءة والاطلاع، ففى العاصمة الأردنية عمان لجأت إحدى دور النشر والتوزيع إلى جعل الفرد يقضى وقت انتظار فى القراءة من خلال ترك كتب مفتوحة على كراسى الانتظار فى بعض الأماكن العامة، ويسمى هذا الكتاب بـ«كتاب الانتظار»، وهناك أيضًا "الكتاب المسموع" يستطيع أن يسمعه الشخص فى وسائل المواصلات، وغيرها من الأفكار المختلفة التي توجد في دول العالم، ويمكن محاكاتها في مصر.

وأشار باسم: إلى أن هناك فكرة كانت موجودة بالفعل في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى بمستشفى "معهد ناصر" تقوم على وضع كتب فى المستشفى، حيث كانت توضع مكتبات فى العنابر ليستفيد منها المرضي، إضافة إلى فكرة توزيع ملخصات الكتب على ركاب المترو، وهذه الفكرة قام بها مجموعة من الشباب في، أعقاب ثورة 25 يناير، خاصة أن عدد ركاب المترو يصل إلى أكثر من مليون راكب يوميا، وتعد إقامة المكتبات فى مواقف السيارات فكرة جيدة تطبق فى اليابان والسعودية والإمارات والجزائر، لكنها ليست منتشرة، وهناك مبادرات لوضع الكتب فى صالونات الحلاقة، وكل هذه الأفكار وغيرها من شأنها التشجيع على القراءة.

وناشد، باسم، أصحاب المكتبات ودور النشر والمبادرات الثقافية والكتاب والمثقفين والمسئولين استغلال هذه الأفكار لتوليد أفكار مشابهة وجديدة لحل أزمة العزوف عن القراءة، وبحسب البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، تحتل مصر الترتيب 148 بين 180 دولة فى معدلات القراءة والكتابة، وحسب إحصائية أخرى لليونسكو فإن معدل القراءة فى العالم العربى لا يتجاوز الست دقائق فى العام للفرد الواحد.

ومن أجل مواجهة مشكلة ارتفاع أسعار النشر والطباعة والتى تواجه الكُتاب خاصة الذين يخطون أولى خطواتهم الأدبية، قرر محمد جمال، الذى واجه هذه المشكلة عندما حاول أن ينشر كتابًا مع إحدى دور النشر، لكنه واجه العديد من العقبات، التغلب على هذه المشكلة بمشروعه "كتبنا"، الذى يعد بمثابة منصة للنشر الإلكترونى فى مصر والعالم العربي، لافتا إلى أنه استوحى الفكرة من موقع أمريكى يدعى "لولو" يتولى نشر أى كتب أو محتوى بلا قيود.

وأشار، جمال، إلى أن الكتاب ينشر على الموقع بلا مقابل، وبعد تحميله 25 مرة يصل سعره إلى 5 جنيهات، ويقفز السعر 10 جنيهات عندما تصل عدد مرات التحميل إلى 100 مرة، مؤكدا أن 20% من الكتاب الذين ينشرون كتبهم على الورق ينشرونه عبر الإنترنت.

ولجأت مجموعة من الشباب إلى مشروع جديد من نوعه أطلقوا عليه «اقرأ لى» للاستفادة من الوقت الذى نقضيه يوميا فى المواصلات، حيث أشار عبد الرحمن وهبة، أحد مؤسسي المشروع، إلى أن متوسط ما يقضيه المصريون فى وسائل المواصلات 3 ساعات يوميا أى بما يوازى 1100 ساعة فى السنة، وهذا الوقت الضائع يكافئ حضور سنة دراسية كاملة فى الجامعة، وهو الأمر الذى سعى موقع "اقرأ لي" لاستغلاله بإطلاق مشروع يهدف إلى نشر الثقافة والمعرفة من خلال تقديم مقالات الرأى وعناوين الأخبار من مختلف الصحف المصرية عبر وسيط جديد بتوفير المقالات والكتب بشكل مسموع، بحيث يستمع إليها من يريد فى المواصلات أو فى أوقات الفراغ من خلال شبكة الإنترنت والموبايل أبليكيشن.

وأكد وهبة أن الكتب التى يتم تسجيلها متنوعة بين الأدبى والدينى والفلسفى والاقتصاد وغيرها، وتصل نسب التحميل إلى أكثر من 500 ألف من أجمالى 2 مليون دقيقة فى الشهر، لافتا إلى أن اختيار الكتب المسجلة كل شهر يخضع لتصويت المتابعين على صفحة المبادرة على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك".

منذ 7 سنوات تقريباً، حضرت المنصات العربية بشكل واسع وحققت نجاحات كبيرة في التفاعل مع جمهور مستخدمي الإنترنت الذي وصل إلى 200 مليون مستخدم في العالم العربي، ولعل أبرز هذه المنصات "رواة" هي منصة للإبداع الصوتي العربي، تنشد الشعر، وتحكي الأدب، وتُذيع المقالات، وتقرأ اقتباسات الكتب مع تحري إتقان اللغة، وحُسن الصوت، ودقة الأداء.

بدأت "رواة" نشاطها في مايو 2016 وتسعى دائماً منذ انطلاقها من خلال مذيعين ومؤديين صوتيين من الشباب المحترفين تقديم محتوى أكثر غزارة باستخدام لغة عربية فصيحة بأعلى معايير جودة الإلقاء، وتحرص دائما على الارتقاء بالذوق العربي من خلال نصوص مكتوبة بلغة راقية، وكذلك يقوم فريق العمل بتسجيل نصوص منتقاة من التراث العربي القديم وتقديمها للمستمع العربي، ويساعدون النشء والأطفال على تلقي لغتهم العربية بشكل ممتع ومفيد.

وقال معتز صقر، المدير التنفيذي، للمشروع: "رواة" مقطوعات شعرية منتقاة ومقالات أدبية قديمة من المكتبة العربية لكبار الكتاب والأدباء تقدمها لأول مرة للمستمع العربي، وكذلك تقدم برامج إذاعية متنوعة منها برامج نوعية موسمية بمناسبات محددة كبرامج شهر رمضان، أو برامج لشخصيات مشهورة، أو أي أفكار إبداعية أخرى، وذلك باستخدام تكنولوجيا المؤثرات الصوتية التى تمنح النص المكتوب حالة من الحياة والحيوية والمتعة، ومن الإنجازات التي حققتها رواة منذ انطلاقها في وقت قصير وصول عدد مستمعينها الى أربعة ملايين مستمع.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على