هل أثّر سانت ليغو المعدّل على نتائج الانتخابات الأخيرة؟

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

د. مهند محمد البياتي*
يمتاز النظام الانتخابي المعمول به في العراق المسمى بنظام القائمة النسبية، بقلة الأصوات الضائعة فيه وامكانية تمثيل الأقليات والنساء بسهولة وبنسبية نتائجه وتشجيعه التعددية الحزبية وانعدام أو قلة الحاجة فيه لترسيم الدوائر الانتخابية وانعدام الحاجة فيه للانتخابات الفرعية وسهولة اقتراع الخارج فيه. كذلك يحد من انتشار المناطق التي ينفرد فيها حزب واحد بالسيطرة عليها ولكنه يعاني من ضعف مساءلة ومحاسبة النواب بسبب ضعفه في التمثيل الجغرافي، ويسهل وصول أحزاب متطرفة للبرلمان ولا يمكنه من إقصاء حزب ما عن السلطة ويتسبب في ازدياد تشكيل الحكومات الائتلافية، لكنه يعطي قوة زائدة للاحزاب السياسية، لذلك هو ملائم بشكل ما للعراق ولكنه لا يعتبر النظام الأفضل للعراق.
يحتاج هذا النظام لطريقة حسابية جيدة وعادلة لتوزيع المقاعد الانتخابية على كل حزب حسب الأصوات التي حصل عليها. قد تكون طريقه الباقي الأكبر من أفضل الطرق وأسهلها على الفهم لاحتساب المقاعد الانتخابية، حيث يحصل كل حزب على عدد من المقاعد يتناسب كلياً مع نسبة الاصوات التي حصل عليها في الدائرة الانتخابية. سأعطي مثالا بسيطاً لتوضيح هذه الطريقه، فلو افترضنا إن هنالك منطقة انتخابية لها عشرة مقاعد وصوّت فيها مائة ناخب وحصل فيها الحزب (س) على 25 صوتاً، والحزب (ص) على 21 صوتاً، والحزب (ع) على 18 صوتاً، والحزب (ك) على 9 أصوات، والحزب (ل) على 8 أصوات، والحزب (م) على 7 أصوات، والحزب (ن) على 6 أصوات، وأحزاب أخرى صغيرة حصلت على صوت أو صوتين لكل منها بما مجموعه 6 أصوات، وحاولنا توزيع المقاعد العشرة عليهم بنوع من العدالة وبحسب الأصوات التي حصلوا عليها، سنحتاج أولاً لمعرفة عدد الاصوات اللازمة للحصول على مقعد واحد والذي يسمى أحيانا بالعتبة الانتخابية وهي تساوي عدد الاصوات الانتخابية الاجمالية الصحيحة مقسوماً على عدد المقاعد، في حالتنا هذه هنالك مائة صوت يقسم على عشرة مقاعد، اي أن العتبة الانتخابية ستساوي عشرة وإذا قسمنا أصوات كل حزب على قيمة هذه العتبة الانتخابية، سنجد أن ناتج القسمة يتكون من عدد صحيح وكسر عشري وهذا العدد الصحيح سيمثل اولاً عدد المقاعد التي سوف يحصل عليها كل حزب في البداية، أي أن الحزب (س) سوف يحصل على مقعدين وكذلك الحزب (ص)، في حين يحصل الحزب (ع) على مقعد واحد، أما بقية الأحزاب فليس لها شيء في هذه المرحلة، واذا جمعنا هذه الأرقام الصحيحة سنحصل على خمسة مقاعد، وستبقى لدينا خمسة مقاعد أخرى يجب توزيعها على الأحزاب، وتقتضي العدالة أن توزع هذه المقاعد المتبقية على الأحزاب التي حصلت على أكبر الكسور وهنا نجد أن أكبر خمسة كسور متبقية هي للاحزاب (ك)، ثم للحزب (ع)، ثم للحزب (ل)، ثم للحزب (م)، وأخيراً للحزب (ن). لقد استخدمت هذه الطريقة في كثير من الدول الاوروبية في بدايات تطبيق الانتخابات فيها في القرن التاسع عشر، لكن هذه الطريقة تعاني من مشكلة واحدة وهي ضرورة إعادة جميع الحسابات في كل مرة يحصل فيها تغيّر في عدد الأصوات لأي حزب بسبب الاعتراض أو حدوث خلل في احتساب الأصوات أو حرمان أو انسحاب حزب ما من الانتخابات، حتى لو حصل تغيير في صوت واحد فقط، حيث يتم احتساب العتبة الانتخابية من جديد، ثم قسمة أصوات الأحزاب على العتبة الانتخابية الجديده لمعرفة حصة كل حزب من المقاعد النيابية. لذلك اقترح عالم الرياضيات الفرنسي اندريه سانت ليغو عام 1912 طريقة رياضية أخرى لاحتساب كيفية توزيع المقاعد على الأحزاب، وسميت الطريقة باسمه، وتعطي نفس نتائج طريقة الباقي الأكبر أو قريبة منها جداً، لكنها لا تحتاج لإعادة احتساب العتبة الانتخابية في كل مرة يتم فيها اكتشاف حصول خطأ ما في أصوات أي حزب، ثم إعادة احتساب المقاعد من جديد لكل حزب، خاصة إن العمليات الحسابية كانت تجري يدوياً في تلك الايام، وطريقة سانت ليغو كانت تقتضي عمل جدول توضع فيه أصوات جميع الاحزاب بشكل تنازلي، ثم ناتج قسمة أصوات كل حزب على الارقام الفردية المتسلسلة 1، 3، 5، ،7 وهكذا، بعدها يتم اختيار أعلى الارقام في الجدول والتي يكون عددها مساوياً لعدد المقاعد، فاذا كان عدد المقاعد عشرين مثلاً، يتم اختيار أعلى عشرين رقماً في الجدول وتكون حصة كل حزب من المقاعد هي عدد الارقام الكبيرة التي تم اختيارها من الجدول والعائدة له، وهذه الطريقة لا تعتمد على حسابات العتبة الانتخابية أو حتى على عدد المقاعد، اذ يمكن استخدام نفس الجدول للحصول على أي عدد من المقاعد من دون اجراء اية حسابات اضافية، ولا نحتاج لإعادة جميع الحسابات كلما حصل هنالك خطأ ما، فقط نحتاج الى إعادة حسابات أرقام الحزب الذي حصل فيه الخطأ، وقد لا يكون مؤثراً إذا حصل نقص في أصوات حزب ليست له مقاعد منذ البداية. ولدقة هذه الطريقة فانها تستخدم في كثير من دول العالم الآن مثل النرويج، السويد، المانيا، البوسنة، نيوزيلاند، النيبال، لاتفيا، كوسوفو، الدنمارك، بوليفيا، بولندا والعراق. وفي عام 1980 أثبت العالم الالماني هانس شيبرز رئيس فريق معالجة البيانات، اي رئيس مركز الحاسبة في البرلمان الالماني، إن طريقة سانت ليغو تعطي نفس نتائج طريقة الباقي الأكبر، وكذلك تمنع خسارة الاحزاب الصغيرة لأصواتها، لذلك اعتمدت طريقة سانت ليغو في انتخابات برلمان المانيا منذ عام 2009 وفي انتخابات برلمانات بعض المقاطعات الالمانية، إضافة لانتخابات البرلمان الاوروبي. اذا رجعنا الى مثالنا السابق البسيط، فسنجد أن الجدول المتكون من تقسيم أصوات الاحزاب على الارقام 1، 3، 5 سيعطي نفس نتائج طريقة الباقي الاكبر أي مقعدين لكل من الاحزاب س، ص، ع، ومقعد لكل من الاحزاب ك، ل، م وأخيراً للحزب ن. ولقد حاولت بعض الدول اقصاء بعض الاحزاب الصغيرة بابدال القسمة على الرقم 1 برقم أكبر، فقاموا بالقسمة على الرقم 1.4. واذا طبقنا هذه القسمة على مثالنا فسنجد إن مقاعد الحزب (س) ستكون 3 بدلاً من اثنين، وسيخسر الحزب (ن) مقعده. واذا استخدمنا الرقم 1.7 بدلاً من 1، كما جرى في العراق حالياً، فسنجد أن الحزب (م) سيخسر مقعده أيضاً لصالح الحزب (ص)، لتكون مجموع مقاعد (ص) ثلاثة مقاعد أيضاً، وهنا نلاحظ أن الحزب (ص) الذي لديه 21 بالمائة من الأصوات حصل على ثلاثة مقاعد أي 30 بالمائة من المقاعد، في حين ان الحزب (م) الذي لديه 7 بالمائة من الأصوات لم يحصل على أي مقعد، أي أن توزيع المقاعد لم تكن عادلة باستخدام الرقم 1.7 . الآن وبعد اكتمال حساب الاصوات وتحديد المقاعد لكل حزب أو تحالف باعتماد طريقة سانت ليغو المعدلة باستخدام الرقم 1.7، الذي لم يستخدمه اي بلد في العالم سوى العراق، وبعد قيام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باعلان النتائج النهائية، يمكننا حساب الأثر الذي أحدثه استخدام الرقم 1.7 بدلاً من 1 ولجميع محافظات العراق. أعطت المقارنة نتائج مختلفة فيما بين المحافظات، وكانت هنالك سبع محافظات هي الأنبار، ميسان، السليمانية، المثنى، القادسية، كربلاء وواسط، لم تتغير نتائجها بسبب التعديل. لكن كانت هنالك أربع محافظات هي بابل، النجف، البصرة وذي قار، أثًر استخدام الرقم 1.7 على نتائجها، حيث خسرت حركة إرادة مقعداً كان من حصتها في ثلاث محافظات هي بابل والنجف وذي قار، وكسب هذه المقاعد كل من تيار الحكمة وسائرون وتحالف الفتح على الترتيب، وخسر حزب البناء والإصلاح مقعده في البصرة لصالح تحالف النصر. إضافة لذلك تسببت هذه الطريقة في تغيير النتيجة بشكل آخر في سبع محافظات، اذ تمت خسارة مقعدين من أحزاب لصالح أحزاب أخرى، ففي بغداد خسر ائتلاف كفاءات للتغيير وتضامن مقعديهما لصالح دولة القانون وتحالف بغداد، وفي ديالى خسر ديالى التحدي ودولة القانون مقعداً لكل منهما لصالح تحالف الوطنية وسائرون، وفي صلاح الدين خسر عراق الأرض وسائرون مقعداً لكل منهما لصالح قلعة الجماهير والقرار العراقي، وفي كركوك خسر تحالف النصر وتحالف الفتح مقعداً لكل منهما لصالح الاتحاد الوطني الكردستاني وجبهة تركمان كركوك، أما في نينوى فقد خسر تضامن والحكمة مقعديهما لصالح ائتلاف النصر والحزب الديمقراطي الكوردستاني، وفي أربيل خسر الاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية، مقعديهما لصالح الحزب الديمقراطي الكوردستاني والجيل الجديد، وفي دهوك خسر التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة والاتحاد الوطني الكوردستاني، وكسب المقعدان الحزب الديمقراطي الكوردستاني. بهذا يكون قد حصل تغيير لثمانية عشر مقعداً في عموم العراق، وكان أكبر الخاسرين حركة ارادة لثلاثة مقاعد، ثم تجمع تضامن لمقعدين والاتحاد الإسلامي ، والبناء والاصلاح، والتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة، والجماعة الإسلامية، وإئتلاف كفاءات للتغيير، وديالى التحدي، وعراق الارض مقعدا لكل واحد منهم، في حين كان اكبر الرابحين هو الحزب الديمقراطي الكوردستاني باربعة مقاعد، و كانت هنالك أربعة أحزاب خسرت مقعدا لكل منها، لكنها ربحت في محافظة اخرى، وهي تحالف الفتح ودولة القانون والاتحاد الوطني الكوردستاني والحكمة، وهنالك حزبان كسب كل منهما مقعدين وخسر مقعدا واحدا، هما ائتلاف النصر وسائرون، وكسبت ستة تحالفات مقعدا لكل منها، هي الجيل الجديد، القرار العراقي، تحالف الوطنيه، تحالف بغداد، جبهة تركمان كركوك، وقلعة الجماهير. ونستطيع القول إنه على مستوى العراق خسرت تسعة كيانات معظمها صغيرة 12 مقعدا، في حين فازت سبعة أحزاب وتحالفات معظمها كبيرة ومتوسطة وحتى صغيرة على عشرة مقاعد، في حين تعادلت أربعة تحالفات كبيرة بالفوز والخسارة لمقعد واحد، وهنالك تحالفان هما النصر وسائرون كسبا مقعدين ولكن خسرا مقعدا واحد لكل منهما، والخسارة الموجعة كانت لحركة ارادة والتي خسرت ثلاث مقاعد واكبر الرابحين هو الحزب الديمقراطي الكوردستاني باربعة مقاعد. وتؤكد نتائج الانتخابات على اساس الدوائر الانتخابية متعددة المقاعد، كما هو معمول به في العراق والذي يسمى بنظام القائمة النسبية، أهمية قيام الاحزاب والقوائم وحتى الافراد ذوي البرامج المتشابهة بالاندماج في كتلة واحدة ليضمنوا عدم تشتت أصواتهم وامكانية حصولهم على مقاعد اضافية خاصة وإن القسمة على 1.7 أو 1.4 يعاقب فقط الاحزاب والتحالفات التي تفوز بمقعد واحد فقط على مستوى المحافظة، وتستفيد منها الأحزاب الكبيرة في معظم الاحيان. نعتقد إن تغيير القسمة على قيمة غير الرقم 1 في نظام سانت ليغو هو إجراء غير عادل، ويحرم كثيراً من القوائم الصغيرة استحقاقها الانتخابي، والاستفادة ليست بتلك المؤثرة في كثير من الاحيان للاحزاب الكبيرة، ولا تُغير معدلات الاستحقاقات النيابية بشكل كبير أو مؤثر، لكنها غير عادلة لأنها تحرم بعض القوائم الصغيرة من استحقاقها الانتخابي، ومن الضروري جداً مراجعة النظام الانتخابي المعمول به حاليا بالكامل واستخدام نظام اكثر مواءمة للعراق مما معمول به حالياً، والبدء بنقاشه منذ الآن، ليكون جاهزاً للانتخابات القادمة.
* أكاديمي عراقي مقيم في الامارات

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على