غواية القراءة الميزة الوحيدة لكي يصبح الإنسان كاتباً جيداً، هي قدرته على التحرر

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

|       25         |
 علي حسين
أقرا كل يوم، لأجل المتعة، ولإنقاذ حياتي.غوستاف فلوبير
في السادسة عشر من عمره عاش في بيت خالته، وكان زوجها رجلاً غريب الأطوار، يقرأ طوال الليل وفي النهار يعمل في محل لبيع اللحوم،، وذات يوم يهديه كتاب"سيرة حياتي"لجون ستيوارت ميل. كان صاحب المذكرات في الثالثة من عمره عندما بدأ يقرأ كتب الفلاسفة اليونانيين بلغتهم، وعندما بلغ السابعة من عمره دخل في حوار مع والده حول جمهورية أفلاطون، وبعدها بعام أنجز قراءة إلياذة هوميروس. يكتب ألبير كامو :"لم أنس أبداً كتاب ستيوارت ميل، الذي كان أول من نبهني الى أهمية القراءة. قرأته في يوم واحد، وبعد أن انتهيت منه بدأت أخطو متقدماً في أرض مجهولة، مزوداً بحرية غريبة وجديدة. إذا علمت حينها أن الكتب لاتقدم فقط المعارف والمتعة. نوبات سعادتي تلك بدأت يوم وقفت أمام واجهة إحدى المكتبات".يعتقد فرويد أن القراءة فعل من أفعال التعويض. أو كما يقول كامو ممكن للقراءة أن تنقذنا من العبث.الروائي ستندال كان يقول لرفاقه إن القراءة هي التي تجعله يحب الحياة. وصف سارتر هذه الحالة في يومياته"الكلمات":"كان يبدو لنا طبيعياً أن تنمو الكتب كما تنمو الأشجار في حديقة، لقد وجدنا في أنفسنا، منذ الصغر، هواية القراءة، وأغرِمنا جداً براسين وفلوبير".في التاسع عشر من نيسان عام 1960، توجّه ثمانية من أولياء أمور الطلبة وهم يصرخون طالبين نقل مدرِّسة الأدب لأنها قررت أن تدرّس للطلاب رواية"الحارس في حقل الشوفان"، ناعتين الرواية ومؤلفها والمعلمة بالبذاءة والفحش، ولم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة، فقد وقعت حوادث مماثلة في كليات ومدارس أميركية آخرى، وكان السبب رواية"الحارس في حقل الشوفان"عندما بلغ السابعة عشر من عمره أهداه والده نسخة من كتاب"الأحمر والأسود"للفرنسي ستندال، تعلق بشخصية جوليان سوريل، وحلم ذات يوم أن يصبح مثله شغوفاً بالقراءة والحرية، قرر عندما يكبر أن يكتب رواية يرسم فيها صورة بطل جديد على غرار بطل ستندال، فكان هولدن كولفيلد بطل"الحارس في حقل الشوفان"رمزاً لتمرد المراهقة.خدم جيروم سالنجر في فرقة للمشاة وشارك في الحرب العالمية الثانية، حمل في حقيبته العسكرية فصولاً من"الحارس في حقل الشوفان"، وكان يطلب مراراً من سائق الشاحنة التوقف ليجلس إلى جانب الطريق ويكتب الفصول المتبقية. في باريس يلتقي بأرنست همنغواي الذي كان قد قرأ له بعض القصص القصيرة، وقرر أن يجري معه حواراً، قال للمراسل الحربي همنغواي إنه مشغول بكتابة رواية ربما تغير حياته وإنه أمضى سنوات في التخطيط لها..قال له همنغواي بعد أن قرأ فصولاً من حقل الشوفان :"إن لديك موهبة هائلة لاتضيعها."عندما أكمل كتابة"الحارس في حقل الشوفان"لم يجد ناشراً لها، وكان أصحاب دور النشر يسخرون منه ويصفونه بالجنون، فمن يقرأ رواية عن تصرفات فتى مراهق أمضى عشر سنوات في كتابة الرواية، إختار لها عنواناً من جملة يقولها بطل الرواية من أنه مستعد أن يصبح حارساً لحقل شوفان من أجل حراسة الأطفال من أي أذى، في النهاية وجد ناشراً جازف بطبع خمسمئة نسخة، لكن بعد ثلاثة أعوام بيعَ منها خمسة ملايين نسخة، ودخلت المناهج الدراسية في أميركا يشكو بطل الرواية من غياب الصدق والبراءة، والتضييق على الحريات الشخصية.كان والد سالنجر تاجراً ثرياً، وصمم أن يصبح ابنه تاجراً أيضاً، لم يفلح في المدرسة حيث طرد منها ليدخل عالم الجيش، تعلم أن يعامل أصدقاءه كأنهم شخصيات في رواياته.ولد جيروم ديفيد سالنجر في الأول من كانون الثاني عام 1919 في نيويورك من أب بولندي وأمّ اسكتلندية، ترك الجامعة ليبحث عن عمل في شركة لاستيراد اللحوم حيث تم نقله إلى فرعها في فيينا، وهناك أتيح له إتقان اللغة الفرنسية والألمانية. عاد للدراسة بعد سنوات من خلال دورة مسائية خاصة بالكتابة.تناول في روايته"الحارس في حقل الشوفان"بضعة أيام من حياة بطلها هولدن كولفيلد البالغ من العمر ستة عشر عاماً. وتبدأ القصة عند طرد هولدن من المدرسة نهاية عام 1940 وذلك لرسوبه في الامتحانات، ومنذ البداية يسلط سالينجر الضوء على التشتت الفكري والعاطفي الذي يعيشه هولدن والصراع الداخلي الذي يهيمن على سلوكه.كان اهتمام هولدن ينحصر في نقد سلوك زملائه والسخرية منهم، لكنه سرعان ما يمارس تلك السلوكيات بنفسه، وعلى مدار الرواية نجده يكرر على الدوام كلمات مثل النفاق والزيف والازدواجية في السلوك.يقرر هولدن مغادرة المدرسة قبل موعد العطلة بيومين بسبب خلافه الحاد مع زميل له بسبب خيبة الأخير من الموضوع الذي كلفه بكتابته نيابة عنه.شعر الزميل بالغضب بسبب ما كتبه هولدن عن مأساة أخيه الذي مات في بسبب مرض السرطان وهو موضوع بعيد عما طلبه منه. على أثرها يقرر هولدن التوجه إلى نيويورك لقضاء بضعة أيام بمفرده قبل موعد عودته إلى أسرته. يتجول في المدينة ويشرب يومياً حتى الثمالة ويلتقي بأنواع مختلفة من البشر، إلا أنه لا يرى فيهم – جميعاً - سوى صورة للنفاق.يزور بلدته ونجده يشرح لإخته الصغيرة بأن دوره الجديد في الحياة يتمثل في إنقاذ الأطفال من الوقوع في الهاوية لدى جريهما في حقول الشوفان من دون أن يدركوا وصولهم لحافة الهاوية. ويتجلى المغزى من هذا الوصف إلى جانب بعض التعليقات والمواقف الأخرى بأن هولدن متمسك ببراءة الطفولة ويرفض عالم البالغين الزائف، ويصر على أن الحرية هي هدف اسمى للإنسان.****إذا شعرت وأنت تقلب الصفحة الأخيرة من الكتاب الذي تقرأه وكأنك فقدت صديقاً، فأعلم بأنك قد قرأت كتاباً جيداً.بول سويني
في الثالثة والخمسين من عمره نشر جون ستيوارت ميل كتابه :"عن الحرية"وفي سيرته الذاتية يكتب :"اذا كان هناك شيء كامن في قرارة أنفسنا ونحاول التعبير عنه، فلا بد أن نجد أولاً شكلاً من أشكال الحرية، وبعبارة أدق أن نستحضر الحرية أولاً". كان ستيوارت ابناً وحيداً للسيد جيمس مل، الصحفي والمترجم ومدير لشركة الهند الشرقية، لكنه ترك كل هذا وقرر التفرغ للعمل مساعداً للفيلسوف الأنكليزي جيريمي بنثام صاحب المواقف المؤيدة لحرية الأفراد والفصل بين الكنيسة والدولة والمساواة في الحقوق، ويذكر كاتبو سيرة بنثام إنه عرف منذ صغره بذكاء خارق، إذ تمكّن من تعلّم اليونانيّة واللاتينيّة، ولم يتخطّ عامه الرابع، ولقّب بـ"الفيلسوف"عندما كان في الخامسة من عمره، وهو الأمر الذي أراد جيميس ميل لابنه ستيوارت أن يسير على خطاه، حيث كان يفخر الاب أن ابنه يتقن اللاتينية والانكليزية والفرنسية، وهو لم يتجاوز الثالثة من عمره، ومثل بنثام أصر الاب أن يطلق على جيمس الابن لقب فيلسوف وهو في السابعة من عمره، حين ناقش معه كتاب التأملات لديكارت. ولد جون ستيوارت ميل عام 1906، ومن الثامنة من عمره وحتى الحادية عشر حفظ معظم الأدب اليوناني، وفي الثالثة عشرة تفرغ لقراءة أعمال أرسطو، ويخبرنا في سيرته الذاتية إن كتاب الف ليلة وليلة كان مصدراً مهماً من مصادر ثقافته حيث زوده هذا الكتاب بالخيال، ونجد والده يكتب الى الفيلسوف بنثام :"ما من خاطر يفزعني ويحمل الضيق الى نفسي، كما يفزعني ويضايقني خاطر الموت، فأرى أني أفارق هذا العالم وعقل الصغير لم يتكون بعد، فإن رحبت مسروراً برعايتك له وتربيته، فلأنه وريثنا الخليق بكل منا"فيوعد بنثام بكفالته ورعايته، وفي السادسة عشرة من عمره يتحمس للمذهب النفعي الذي أراد بنثام أن يرسخه كفلسفة في مجال الأخلاق، ويذهب جيمس بعيداً فيشكل جمعية تبشر بالمذهب النفعي، وأخذ ينشر المقالات مبشراً بفلسفة استاذه بنثام، إلا أن مذهب النفعية أخذ على يديه معنى جديداً، فأنكر أن تكون السعادة غاية مباشرة أو شعوراً قائماً، فحالما تسأل عما إذا كنت سعيداً، توقف شعورك بالسعادة بانصرافك إلى السؤال وجوابه، كما تبين كيف يروض الألم فيحوله إلى إحساس بلذة الحياة وما فيها من متع.ويروي لنا جيمس، كيف أراد أبيه أن يجعل منه رجل منطق صارم. لكن المشكلة، الا ان الابن سرعان ما تبدّى رجل عاطفة سريع التأثر مهتماً بالفكر الإصلاحي وعازماً على العمل في سبيل مصلحة شركائه في المواطنة. مقابل الصورة الفكرية الخالصة التي أرادها الأب للإبن، عمل هذا على أن يجعل لنفسه صورة المفكر المناضل. في موسوعته عن تاريخ الفلسفة يوصينا فريدريك كوبلستون"ان لانكتفي بالحديث عن جون ستيوارت ميل باعتباره منظراً لمفهوم الحرية، بل ينبغي أن نضع كتاباته مقابل كتابات هيغل وكونت، فقد استطاع ثلاثتهم أن يبحثوا عن الحرية ضمن مسار التاريخ، وإذا كان اهتمام هيغل وكونت منصباً في الدرجة الأولى على مسار العقل والأفكار، فقد كان اهتمام ميل يتركز على المسائل التي في ترتبط بعلاقات الإنسان بمجتمعه، فقد كان يرى أن الحرية هي الصورة الوحيدة للوجود الإنساني.عندما بلغ جون ميل الخمسين من عمره أخذ يراجع تفكيره في فلسفة بنثام، حيث نجد أن افكار سان سيمون تستهويه وخصوصاً فكرته التي تقوم على إعادة تنظيم المجتمع عن طريق العلم والمعرفة، وفي موجة الحماس يعلن أن المثال الذي ينشده مذهب سان سيمون هو أرقى ما يمكن أن ينشده المجتمع الإنساني لتقدمه وارتقائه، ونجده يتجه الى ربط حرية الفرد بمصلحة المجموع. يقسم ميل كتابه"عن الحرية"الى خمسة فصول يمهد أولها لفكرة الحرية ويخصص الثاني لحرية الفكر، والثالث يناقش مفهوم الفردية كعنصر من عناصر الحياة الطبيعية، وفي الفصل الرابع يناقش حدود سلطة الفرد على المجتمع، وفي الفصل الخامس يجري تطبيقات حول المبادئ والأفكار التي طرحها في الكتاب. في مقدمة الكتاب يحدد ميل الغرض من تأليفه كتاب عن الحرية :"لا يتناول هذا الكتاب ما يسمى حرية الإرادة، وهي التي تتعارض مع ما يدعى خطأ بفلسفة الضرورة، ولكنه بحث في الحرية المدنية والاجتماعية، وطبيعة الحدود التي يمارسها المجتمع شرعاً في سلطانه على الفرد، وهي مسألة قلما اتضحت أو كان من اليسير مناقشتها والكتابة عنها"، ويشرح ميل في الكتاب الأخطار التي تتعرض لها الحرية، فيؤكد إن أخطر ما يتعرض له الفرد هو استبداد مجتمعه، فقد درج الناس على تقاليد وعادات يرون في الاجماع عليها ما يسوغها، ويستوي في ذلك التقاليد التي تستند على العقل والمنطق، او التي تخضع للهوى والوهم، ويتوصل ميل الى أن أكثر ما تتبدى لتلك العواطف والتقاليد ما يتعلق بالعقيدة الدينية، حيث يتجلى شعور الكراهية والحقد للمخالفين، ولهذا يجد ميل أن الحرية الدينية هي الضمان الوحيد لكل فريق في الدفاع عن قناعاته وإيمانه.. ويؤكد ميل إن التعصب لعقيدة ما، يقف حائلاً أمام حرية الفكر والضمير.ويعلن ميل إن سلطة المجتمع التي يمثلها العرف الاجتماعي وسلطة الحكومة التي يمثلها القانون هما ما يحملانا على تقرير مبدأ واضح بسيط، وهو ألا يجوز التعرض لحرية الفرد، إلا لحماية الغير منه، أو لمنعه من الإضرار بغيره ويحدد ميل المنطقة التي تتحرك فيها حرية الفرد وتتمثل : 1- في حرية الضمير وما يتصل بها من حرية الفكر والعقيدة والتعبير والمناقشة بأوسع معانيها 2- في حرية الفرد في اختيار ما يوافق ذوقه ومزاجه، وتكييف حياته على ما يحب ويرضى ما دام لايتعرض للآخرين بأذى، حتى وان جلب على نفسه الضرر 3- حرية الاجتماع دون إكراه لأي غرض فما من مجتمع لا يحترم تلك الحريات ويكفلها إلا وهو مجتمع غير حر مهما كان شكل حكومته، فجوهر الحرية يقوم أصلاً على مساعدة الأفراد في السعي وراء مصالحهم أياً كانت هذه المصالح ما دامت لاتجلب الضرر للآخرين، فـ"الفرد سيد نفسه وبدنه وعقله". ولا تعاني البشرية من حرية ينطلق فيها الناس كما يرغبون ويحبون، كما تعاني من تكبيلهم بقيود يفرضها الغير. ونجد ميل يوجّه نقده الشديد لنظرية كالفن التي تعتبر الإرادة وحرية الاختيار شراً مطلقاً، حيث يقول إن :"الكالفينية بدأت تتسرب الى أفكار الناس، فاعتقد البعض إن الحد من نوازع الإنسان وأهوائه هو عين ما ترضاه الإرادة الإلهية، ولكن إذا كان الدين يعرفنا إن الله خالق الإنسان حكيم عاقل، فأحرى بنا أن نعرف حكمة ما غرسه في نفوسنا منها، فنتعهدها ونرعاها، لنحقق من خلالها المثل العليا".*****الكتب هي الطائرة والقطار والطريق.. هي الوجهة ورحلة السفر. هي البيت.آنّا كيندلن
كان خجولاً، وتمنى أن يعمل مزارعاً، لكنه تحوّل الى كاتب شهير بعد أن نشر أولى رواياته"كأس من ذهب"، اشترى في العشرين من عمره آلة كاتبة، وكتب ممازحاً أحد أصدقائه إنه سيكتب رواية تجلب له الذهب. كان أنهى للتوّ كتابه الأول، وحفّزته والدته التي كانت تقرأ له قصص السير والتر سكوت وفصول من جزيرة الكنز وكتب أخرى كثيرة. يكتب شتاينبك تعليقاً على قراءاته الأولى إنه يتذكر الجريمة والعقاب لدستويفسكي ومدام بوفاري لفلوبير، وفصول من الفردوس المفقود لملتون وأشياء من جورج إليوت :"لا أتذكرها ككتب، بل كأشياء وقعت في حياتي". وتتذكر إحدى شقيقاته أن أخاها كان يقرأ الكتب ثم يأخذ فيما بعد بتمثيلها، كان جون أرنست شتاينبك المولود في السابع والعشرين من شباط عام 1920 الابن الوحيد في العائلة مع ثلاث شقيقات أكبر منه، ولهذا تلقى عناية خاصة من والدته التي كانت تعمل في مجال التعليم، ورغم إنه كان يقضي وقته في القراءة إلا أنه أحب لن يجرب العمل في كل المهن، فمرة نراه عاملاً بالأجرة في أحدى المزارع القريبة من بيته، ومرة مساعداً لموظف البريد، وفي الثانوية أصّر أن يجرب العمل في أحد مصانع السكر، وكثيراً ما كان يناقش زملائه حول الأشتراكية لكنه في العام 1925 قرر أن يترك جميع المهن ليصبح كاتباً، فسافر الى نيويورك يجرب حظه، وبعد أربع سنوات يصدر أولى كتبه"كأس من ذهب"في آب عام 1929، ورغم أن هذه الرواية لم تكن محاولة شتاينبك ا الأولى، فقد جرب قبلها كتابة ثلاث روايات، إلا إنها الرواية الأولى التي سجلت اسمه في سجل الكتاب الخالدين، رغم أن شتاينبك كتب بعد سبع سنوات على صدورها إنه لم يكن فخوراً بها، وإنها إذا جردت من بعض خصائصها الغنائية لايظل فيها شيء يذكر، وفي كأس من ذهب يروي شتاينبك حكاية الفتى الذي يحلم بالانطلاق في عرض البحر والانضمام الى القراصنة، وعندما يصل الى الميناء يخدعه صديقه ويبيعه باعتباره عبداً، إلا أن الفتى يصر على تحقيق حلمه، وما أن تحين الفرصة حتى ينظم مجموعة من القراصنة يصبح هو زعيمهم، ويطمح بالأستيلاء على مدينة بنما"كأس الذهب"، ويصبح حاكماً لها ويصبح اسمه السير هنري مورغان، وعندما سأل شتاينبك عن روايته هذه قال، أردت أن أتخذ من فاوست مصدراً جيداً لروايتي هذه. في العام 1939 يكتب شتاينبك واحدة من أفضل ما أنتجه الأدب الأميركي في القرن العشرين، رواية"عناقيد الغضب"وفيها يسلط الضوء على أحوال عائلة اميركية يمزقها الفقر واليأس في أعوام الكساد الاقتصادي الذي هز الولايات المتحدة الاميركية في ثلاثينيات القرن وقد كتب شتاينبك في يومياته إنه استطاع أخيراً أن يكتب العمل الذي كان يطمح إليه طوال حياته حيث يجد القارئ نفسه بمواجهة رواية تتحدث عن الأوضاع المفزعة الاجتماعية للفلاحين، حيث يكتب شتاينبك بصراحة عن الأحداث كما جرت، ونجده يعتمد على عدد من المقالات الصحفية التي كتبت عن هجرة العمال الى كاليفورنيا.يكتب في يومياته :"لقد أردت أن أضع لطخة من العار على أبناء الزنا، المسؤولين عن أعوام اليأس". قضى خمسة أشهر متواصلة في كتابتها :"لم أجهد نفسي قط في حياتي ولم أكتب هذا العدد من الصفحات"، وإختار لها عنوان عناقيد الغضب لأنه يشير الى الحالة الثورية، وفي 26 أيلول عام 1938، كان الكاتب مشغولاً جداً ومتعباً لايرى الصفحة إلا بصعوبة، وأخيراً كتب كلمة النهاية بأحرف كبيرة، ثم كتب في يومياته"انتهى هذا اليوم وآمل من الله أن يكون جيداً".ودفعت"عناقيد الغضب"الى المطبعة وطبعت في 14 نيسان 1939، لتتحول الى الرواية الاميركية الأكثر قراءة وشهرة والأكثر إثارة للجدل، في القرن العشرين تمت مناقشتها في الراديو، كما هاجمها القراء الغاضبون، بل انها منعت من قبل بعض المكتبات، ورابطة الفلاحين في كاليفورنيا، كانت ضدها أيضاً وقالت إنها"حزمة من الاكاذيب"ولكن الرواية لقيت الترحاب من قبل بيرل باك، مؤلفة"الأرض الطيبة"والسيدة الأولى الاميركية ألينور روزفلت قالت إن الرواية لم تبالغ في الأحداث ووقفت في صف شتاينبك. بيعَ منها نصف مليون نسخة في سنتها الأولى، وفي العام 1940 نالت الرواية جائزة البوليتزر وتم تعميم قراءتها في المدارس والمعاهد والكليات في كافة أرجاء الولايات المتحدة الاميركية، وعندما منح شتاينبك"جائزة نوبل"للأدب عام 1962، أعلنت اللجنة"إن عناقيد الغضب عمل كبير"تبدأ أحداث الرواية بعد حصول توم جود على إطلاق سراح مشروط بعد أن قضى عقوبة بالسجن لارتكابه جريمة قتل.في طريق عودته إلى منزله في أوكلاهوما، يلتقي توم مع القس السابق جيم كيسي الذي يعرفه منذ الطفولة، ويسافر الاثنان معاً. عندما يصلان إلى مزرعة توم، يجدانها مهجورة.يشعر الاثنان بالقلق والارتباك ويلتقيان جارهما القديم، مولي جريفز، الذي يخبرهما أن عائلة توم انتقلت إلى منزل العم جون جود بعد أن أجبرهم البنك على إخلاء الأرض مثل باقي الفلاحين.يقضي الرجلان الليلة في المنزل المهجور، وينطلقان في صباح اليوم التالي إلى منزل العم جون.بعد قضاء عدة أيام هناك، ترتب العائلة سفرها إلى كاليفورنيا للبحث عن عمل وينفقون كل ما تبقى لديهم من مال للوصول إلى هناك.وبالرغم من أن مغادرة أوكلاهوما تعتبر مخالفة لشروط إطلاق سراحه، إلا أن توم يقرر أن المغامرة تستحق تلك المخالفة، ويدعو كيسي لمرافقة الأسرة.وفي الطريق إلى كاليفورنيا، تجد الأسرة الطريق مزدحماً بمهاجرين آخرين.يسمعون قصصاً كثيرة من الآخرين، وبعضهم عائدون من كاليفورنيا، ويشعرون بالقلق من تضاؤل آفاق النجاح هناك.يموت الجد أثناء الرحلة ويدفنونه في أحد الحقول؛ وتموت الجدة قبل الوصول إلى حدود ولاية كاليفورنيا بقليل؛ وينشق اثنان من أفراد الأسرة عنها: الأخ الكبير وزوج الأخت.يرى باقي أفراد الأسرة أن خيارهم الوحيد هو في إكمال الرحلة لأنهم خسروا كل شيء في أوكلاهوما.لدى الوصول إلى كاليفورنيا، يجدون أن هناك تخمة في اليد العاملة، ولذلك فإن الأجور منخفضة والعمال يتعرضون للاستغلال.ردا على الاستغلال، يبدأ كيسي بتنظيم العمال ويحاول كسب مؤيدين لتشكيل اتحاد للعمال.يعمل من تبقى من أفراد أسرة جود في إحدى المزارع رغم وجود إضراب عن العمل يشارك في تنظيمه كيسي، وفي النهاية يتحول الإضراب إلى أعمال عنف.يشاهد توم جود أحد الأشخاص وهو يقوم بقتل كيسي، فيهجم عليه ويقتله، ومن ثم يضطر للهرب من وجه العدالة.في آخر فصول الكتاب، تلجأ العائلة من الفيضان إلى حظيرة قديمة.في الداخل، يجدون صبياً صغيراً ووالده الذي يكاد يموت من الجوع.تساعد العائلة الولد والأب وينقذانهما من الموت.قرأت عناقيد الغضب أنا في الثانية عشرة من عمري و كان ولعي فيها على درجة من الشدة بحيث أنني رفضت مقايضتها باي كتاب و يمر الزمن فتختفي نسختي من مكتبتي، لا أدري متى وكيف، و قبل أسابيع قليلة فقط أعدتُ الأمور إلى نصابها بشرائي نسخة من شارع المتنبي، نسخة بغلافها الاخضر. لأعيد قرائتها من جديد، وكانني اقرأها للمرة الاولى.

شارك الخبر على