حديث اللّحظة عرسُ الخاسرين والأسئلةُ الصعبة

حوالي ٦ سنوات فى المدى

 علي عبد الخالق
تجاوزت الدورة الانتخابية التي طوت سنواتٍ من الإخفاق وضياع الأمل، خطوط الرجعة  وتداعيات الاحتجاج والاتّهام على ما شابها من تلاعب وعبث و"شبهاتٍ بالتزوير "، ومزاد بيع أصوات الناخبين والعبث بإرادتهم والدعوة  للعودة الجزئية إلى العدّ اليدوي، وسوى ذلك من التحفظات الجدّية .
وانتقل المنتصرون إلى التفاوض على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً ، والشروع باختيار " الرئاسات الثلاث " في سلّة واحدة، على منوال ما كان في الدورات السابقة، مع إعطاء الأولوية من دون شك لاختيار رئيس مجلس الوزراء. وكما يبدو فإن الانشغال لا يُعطي أيّ اهتمامٍ للتوقف عند المظاهر السلبية الأكثر وضوحاً ووبالاً على مستقبل العملية السياسية " الديمقراطية " القائمة، وما تتطلبه من إصلاحٍ وتغييرٍ، وما يرتبط بذلك من استحقاقاتٍ وتطلعات واحتقانٍ مما ينذر بعواقب لا تقبل انتظاراً مديداً. والأنكى من كلّ ذلك أن اللقاءات والحوارات التي أعقبت إعلان النتائج ، لم تأتِ على ذكر الظاهرة الأبرز التي رافقت العملية الانتخابية وما تنطوي عليها من دلالاتٍ ومؤشرات وعواقب، المتمثلة بنسبة المقاطعين للمشاركة في التصويت، وهي تبلغ وفقاً لإحصائيات المفوضية العليا للانتخابات ٥٦٪ من المشمولين بالاقتراع ، مع أن تقديراتٍ أخرى تعتبرها أزيد. وهؤلاء المقاطعون في أغلبيتهم من سكان الجنوب والوسط والمناطق الشيعية في بغداد، ودلالة ذلك أنهم يجرّدون " الطبقة السياسية الحاكمة" من ادعاء تمثيلهم . ! وإذا ما أخذنا بالاعتبار النسبة المتدنية من الأصوات التي حصلت عليها جميع القوائم الانتخابية ، فالدلالة ستكون أعظم، والمسؤولية في استخلاص النتائج التي تفرض وجهة الإصلاح والتغيير المطلوبة ستشكل عبئاً مضاعفاً على كلّ القوى التي تريد تجنيب البلاد العواقب المنذرة بالخطر والمفتوحة على كلّ الاحتمالات .إنّ أول استخلاصٍ يجب التوقف عنده بلا أوهام يتمثل بوضوح في رفض المنظومة الطائفية المحاصصاتية التي تعتمد عليها العملية السياسبة . وارتباطاً بهذا الرفض ، تبرز ظاهرة الفساد الإداري والمالي والنهب العام التي لم يجرِ مسُّ جذورها ومسبّباتها ورموزها .لكنّ الناخبين المشاركين في التصويت بادروا لمعاقبة الكتل والأحزاب ورموزها المسؤولة مباشرة عن ظهور الفساد واحتضانه وإشاعته في الدولة والمجتمع والاحزاب الحاكمة ليصبح قوة استمرارٍ ونفاذٍ للمنظومة وقدرتها على تدوير آلياتها وعواقبها . لقد باتت المصاهرة بين هياكل الدولة اللادولة، بوزاراتها ومؤسساتها وأجهزتها وزعاماتها مع منظومة الفساد وآلياتها، القوة الفاعلة في إنتاج نظام المحاصصة، وإعادة صيغٍ وأشكال من الإرهاب المباشر والكامن الهادف لتطويع المجتمع وكسر إرادته. والمثير للانتباه أن بعض هؤلاء الذين هم من بين أسوأ نماذج ورموز الفساد تسللوا إلى البرلمان بما أنفقوا من مالٍ مهرَّبٍ ومسروق. كذلك البعض ممن شملهم العفو العام سيّئ الصيت. والممانعة والمقاطعة والاستنكاف عن المشاركة في الانتخابات، وهي كلها تسميات تختزل معنىً واحداً، تعلن القطيعة مع كل ما تمثله الطبقة السائدة، وربما كانت المشاركة كفيلة بإنزال عقابٍ أبلغ بالرموز والكتل أكثر مما حصل ، لكنها تظلّ مجرد احتمال لم يخضع للتجربة. والغريب أن قادة القوائم الفائزة من دون استثناء تعيد تكرار أنّ الانتخابات عبّرت عن رفض الطائفية والمحاصصة، وأكدت على عبور كل صيغها بحيث يجري تشكيل الحكومة بمنأىً عنها . لكن كيف ...؟لا أحد يجيب، إلّا إذا استثنينا العودة إلى الحديث عن حكومة تكنوقراط، وما أدراك ما مفهوم التكنوقراط، وما هي تجلياته، وليس في تجربتنا غير حكومة المُغلَّف المُغلق الذي تكشّف في ما بعد عن عبقرية مطار الناصرية الذي كان أقدم مطار في التاريخ استخدمه أجدادنا قبل الميلاد! والعباءات المحاصصاتية التي تبيّن أنّ وزراء " تكنوقراط " كانوا يتلفّعون بها. هل سيتوقف السيد مقتدى الصدر عرّاب سائرون التي تصدّرت الفائزين أمام الرسائل والمؤشرات والمظاهر التي أفرزتها الانتخابات؟ وهل سيبادر قادة آخرون، في مقدمتهم رئيس مجلس الوزراء، ويبدو أنه صاحب الحظّ الأوفر حتى الآن من بين آخرين للتكليف بتشكيل الحكومة الجديدة ، إلى الانكباب على دراسة حصيلة ولايته الأولى فيعلن قبل تشكيل الحكومة وحتى قبل تكليفه أو غيره عن سبل تجاوز إخفاقاته؟.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على